أثر الإعلام على حياة الناس مما لا شك فيه أن عالمنا يتغير بصورة متسارعة بسبب تدفق المعلومات. فقد أصبح لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية الأثر الكبير اليومي في حياة الأفراد والجماعات. بل إن أثرها قد طغى في بعض الأحيان على العادات والتقاليد المتوارثة في المجتمعات،
وأفرزت هذه الوسائل عادات وتقاليد حياتية جديدة مكتسبة لم تكن مألوفة للناس. لدرجة إن وسائل الإعلام باتت تتمكن من قولبة الناس وشحذ شخصيتهم ليصح قول الصحافية تالا ياغي “قل لي ما تشاهد أقول لك من أنت”. لقد اعتبر الإعلام في عصرنا الحالي “سلطة رابعة” نتيجة لما له تأثير واضح وأكيد على حياة وسلوكيات الأفراد والجماعات . فمع نشأة وسائل الإعلام في بداية القرن العشرين بدأ الناس ينتقلون من حالة “التواصل” عبر الحكاية أو القصة أو الحديث المقروء والمسموع بينهم إلى حالة الالتفاف حول جهاز المذياع والإنصات إلى ما يبوح به. فبدأت مع هذا الجهاز مرحلة التحلق في الخيال لما تسمعه الأذن والشوق إلى رؤية ومعرفة من يتكلم عبر هذا الجهاز. وبدأت أيضاً مع هذه المرحلة تراجع مسألة التواصل بين الناس والالتفاف إلى حالة الانفرادية مع جهاز يتحدث إلى الفرد.
ثم مع اختراع التلفزيون عام 1927 أصبح وسيلة أساسية في يومنا هذا للترفيه والتثقيف، وحلّ محل عدد كبير من وسائل التواصل الأخرى فصار بوسع الإنسان أن يرى العالم من خلال جهاز صغير يتحدث إليه بالصورة والصوت. وصار له انتشار واسع واستطاع أن يستقطب مليارات البشر في أنحاء العالم .
ولا بد من القول أن التلفزيون يعتبر “أوكسجين” حياة الكثير من الناس في مجتمعاتنا العربية . ومع وجود التلفزيون كشريك معنا في البيوت ومحال الأعمال وغيرها تراجعت بشكل حاد حالة التواصل بين الناس، كما تسارعت وتيرة انتقال المعلومة عبر اختراع “الإنترنيت” و “الكمبيوتر” الذي نستطيع أن نغوص فيه لساعات دون أن نلاحظ صمتنا وانصهارنا به . إلا إنني أعتقد أن التلفزيون ما زال هو الوسيلة الإعلامية المسيطرة على التواصل.
وفيما يتعلق بكون المرآة مستهلكة للمواد الإعلامية، استخلص التقرير أن معظم النساء يرين أن المواد الإعلامية تستهدف المرآة عامة دون النظر إلى أن حاجات النساء مختلفة، كما أن النساء يشاهدن التلفزيون أكثر من قراءة الصحف والمجلات، ويقبلن على مشاهدة الدراما أكثر من غيرها، وتستخدم النساء الإنترنت للتسلية أساسا كما بحثن عنها في الوسائل الأخرى، ويدعون إلى حماية القيم مما تبثه الفضائيات.
ووجد التقرير في هذا المشروع أن معظم المواد السياسية تأتي في المقدمة قبل المواضيع الاجتماعية والاقتصادية في المواضيع المنشورة عن المرآة في وسائل الإعلام، ووجدت الدراسات أن الموضوعات التي تتحدث عن الأحوال الشخصية تأتي في مرتبة متقدمة خلافا لما هو رائج، تليها المسائل الاجتماعية والمرآة والتعليم والعمل والثقافة.
كما تحتل المواضيع المتصلة بجسد المرآة وأنوثتها مرتبة متقدمة، بينما جاءت مواضيع الصحة الإنجابية في مرتبة متأخرة. وأخيرا خلص التقرير إلى أن الدراسات حول المرآة وجدت أن وسائل الإعلام لا تلبي حاجات المرآة ولا تساعدها على التأقلم مع محيطها، كما أن بعض وسائل الإعلام لا تنشر مواضيع عن المرآة أبدا، وتعالج قضايا المرآة باعتبار الخبر دون الأجناس الصحفية الأخرى، كما أن أغلب وسائل الإعلام تفتقر إلى استراتيجيا واضحة في التعامل مع قضايا المرآة.
وقد لاحظ بعض الباحثين وجود نموذجين من الدراسات المتعلقة بالإعلام والمرآة في الوطن العربي: الأول، وهو نموذج الدراسة التي أنجزت تحت إشراف اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (أسكوا) في بداية الثمانينيات حول المجلات النسائية العربية، حيث بينت نتائجها ازدواجية في الرؤية الفكرية في هذه المجلات التي تطرح صورة المرآة المرفهة التي لا يشغلها سوى استكمال أناقتها وزينتها، وفي ذات الوقت تطرح بعض القصص الواقعية التي تشير إلى سوء الوضع الاجتماعي للمرآة.
ولاحظت الدراسة أن المجلات النسائية العربية تبتعد عن مشكلات نساء الأحياء الشعبية والأرياف وتتحيز إلى شريحة معينة من نساء المدن حيث تقدم الزوجة الأنيقة وربة البيت المهتمة بشؤون زوجها وأطفالها. أما المرآة العاملة أو حتى الجامعية المتعلمة، فتعتبرها ناقصة الأنوثة وأنانية ومهملة لزوجها وأطفالها.
أما النموذج الثاني، فيتمثل في الكتاب الذي نشر بعنوان “المرآة العربية: الوضع القانوني والاجتماعي” عن المعهد العربي لحقوق الإنسان في تونس عام 1996 وتضمن دراسات ميدانية نفذت في ثمانية بلدان عربية حول موضوعات قانونية واجتماعية وإعلامية تخص المرآة العربية. ولاحظت الدراسة أنه رغم زيادة مشاركة المرآة اللبنانية في وسائل الإعلام المرئي والمسموع، فإن ذلك لم يمكّن من توفير “قفزة نوعية لمكانة المرآة في المجتمع”.
كما لاحظت الدراسة أن البرامج الإذاعية والتلفزيونية ترتكز على جانب واحد من حياة المرآة كزوجة وأم وأنثى فتهتم بالموضة والأزياء وجمال الجسد وكيفية رعاية الأطفال ومعاملة الزوج، وهي بهذا تكرس لدى المرآة مفهوما تقليديا لدورها الوحيد كأم وزوجة. وتنتقد الدراسة عدم اهتمام الإعلام المرئي والمسموع بمشاغل ورغبات المرآة الريفية التي لا يمكنها الاستفادة من الصحف والمجلات نظرا لانتشار الأمية بشكل واسع.
ولاحظت الدراسة كذلك عدم ظهور المرآة في الحياة العامة السياسية والاقتصادية للمجتمعات. وتستنتج الدراسة أن صورة المرآة العربية في وسائل الإعلام لا زالت مشوهة وتخضع لقوالب اجتماعية وثقافية متخلفة لا تحترم إنسانيتها ودورها الأساسي في المجتمع .
وخارج إطار الدراسات التي عالجها التقرير حول المرآة العربية والإعلام، كانت قضية صورة المرآة العربية في وسائل الإعلام ودورها المهني كإعلامية مثار نقاش في عدد آخر من الأعمال البحثية. ويقول علي عواض في استعراضه لواقع صورة المرآة العربية في الإعلام إن صورة المرآة في وسائل الإعلام العربية ما زالت مشوهة،
وتخضع لقوالب ثقافية واجتماعية متخلفة لا تحترم إنسانيتها ودورها الأساسي في المجتمع، ويجب اتخاذ قرارات مسئولة وواعية لتصحيح الصورة الإعلامية للنساء وتطوير الوعي المجتمعي والأداء المهني للنساء العاملات في مجال الإعلام، والاهتمام بإجراء دراسات ميدانية للتعرف على الاحتياجات الإعلامية والاتصالية للنساء العربيات في الريف والحضر. وتتساءل جميلة علي “إذا سلمنا بأن ظهور المرآة في اللقاءات والحوارات المتلفزة قد قدم المرآة العربية بلباس آخر، وبصوره مغايرة، فهي المرآة المشاركة والمنغمسة في قضايا وهموم مجتمعها، إلا أن هذا النزر اليسير من الظهور لا يصمد أمام جحافل الإعلانات والمسلسلات التي تكرس لمفهوم أحادي ودوني لها .
لذا “فمن حق المرآة أن تغضب لهذا التكريس السلبي وان تتظاهر محتجة بإبداعاتها ومساهمتها مطالبة بتبني قضاياها وعكس صورتها الحقيقة دونما تجميل أو تعطيل،” وتضيف: “بداية لابد من التسليم بأن جزءا من الغبن الواقع على المرآة إعلامياً تساهم هي فيه شخصياً بتساهلها في حقوقها وتباطئها فى رد فعلها وبركونها إلى مقعد المتفرج السلبي بدلاً من الاشتعال فكراً وإبداعاً ومشاركة فى الحياة . فمن أجل أنسنة صورتها عليها، أن تضحي ربما بالوقت قليلة أو كثيرة، وربما بما هو أكثر، وهناك دائماً ثمن للتغيير والتغير وتضحيات لتسود وتترسخ قيم إنسانية محورية.
كما ظهرت، اختلالات في هياكل العرض لسوق العمل والطلب للقوى العاملة، مما يفرض ضغوطا اجتماعية واقتصادية وسياسية تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى النساء بشكل خاص.
وتضيف بأمر حول أن دور الإعلام تجاه المرآة وقضاياها كان سلبيا نوعا ما، رغم إن هناك عدة محاور يمكن للإعلام الخوض فيها وإظهار الصورة الحقيقة لمساهمة المرآة العربية من خلال إبراز مشاركتها في شتى الجوانب وخاصة الحياة الاقتصادية، والتي تعتبر مشاركة المرآة العربية فيها إنجازا كبيراً لتحسين ظرفها المعيشية بخاصة، ولزيادة مساهمتها في عملية التنمية بعامة.
كما أنها صورة المرآة الخائنة وعديمة الوفاء. وفي دراستها حول صورة المرآة العربية في الإعلان الصحفي والتلفزيوني، أشارت عفاف المري إلى كيفية استغلال صورة المرآة في الإعلانات التي يتم نشرها في الصحافة المكتوبة أو بثها في المحطات التلفزيونية العربية، المحلية منها والفضائية.
وتورد الباحثة عددا من النماذج التي أفرزتها الدراسات والبحوث الإعلامية الخاصة بصورة المرآة في الإعلانات التجارية في المنطقة العربية، حيث تعرض لأربعة نماذج هي : المرآة التقليدية، والمرآة الجسد، والمرآة الشيء، والمرآة السطحية.
وركزت على قيام المرآة بدورها التقليدي وأبرزت الاهتمامات المختلفة التي تتعلق بعناية المرآة بأنوثتها ومظهرها الخارجي ولكنها أغفلت التركيز على أحقيتها في المشاركة السياسية والإبداع الفني والفكري. وبينت نتائج دراسة علام أن عدد الصور السلبية للمرآة يعادل ضعف الصورة الإيجابية، والتي ركزت على قدرة المرآة على مواجهة المواقف الصعبة والتكيف معها، والاستقلال والقدرة على اتخاذ القرارات، ومعاونة الأهل والأصدقاء، والتمرد على أطماع الزوج.
أما الصورة السلبية فقد ركزت على إبراز المرآة غير القادرة على أن تعيش بنفسها بدون الرجل، كما أن المرآة ظهرت كإنسان محدود الفكر ناقص العقل.
وفي مجال الدراسات الميدانية، كانت علاقة المرآة العربية بالإعلام مجالا خصبا للبحث. ومن الأمثلة على ذلك الدراسة التي قامت بها منظمة اليونسكو في الدول العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط في التسعينيات ووجدت تفاوتا في نسبة الممارسات الإعلاميات العربيات بحيث لم تتجاوز أعلى نسبة 25%، على الرغم من الاستثمارات الهائلة التي تضخها الدول العربية في التأهيل الأكاديمي والمهني للمرآة في كافة التخصصات الإعلامية (اليونسكو، 1994). ، وبينت الدراسة أن نسبة النساء العاملات في السلك الإعلامي في عدد من الدول العربية كانت على النحو التالي: 28% في مصر، و21% في تونس، و15% في المغرب، و 10% في الأردن. ومن ناحية أخرى، لاحظت دراسة اليونسكو أن نسبة كبيرة من النساء اللواتي التحقن بالمهنة الإعلامية قد اضطررن للتخلي عن عملهن لاحقا بسبب الإحباطات التي واجهنها نتيجة انعدام فرص التدريب والترقية لمواقع أعلى في المؤسسات الإعلامية. كما وجدت الدراسة أن معظم المؤسسات الإعلامية في البلدان العربية المتوسطية تميل لإبراز القضايا المرتبطة بالرجال على حساب القضايا النسوية.
وفي دراسة للإعلاميات أجريت عام 1998 في مجالي الراديو والتلفزيون والصحافة في أربع دول عربية هي الإمارات واليمن والأردن وتونس (مركز المرآة العربية للتدريب والبحوث، 1998)، تبين أن نسبة قليلة جدا من الإعلاميات العربيات يشغلن مراكز إعلامية رفيعة في المؤسسات التي تمت دراستها،
حيث تركز عمل الإعلاميات في وظائف مذيعة ومحررة بينما كانت النسب متدنية في وظائف تتطلب صناعة القرار في تلك المؤسسات. ورأت الدكتورة ملحة عبد الله (2001) أن الإعلاميات العربيات يعانين من الصور التقليدية لدى رؤسائهن في العمل حيث ينظرون للمرآة على أنها تمتلك قدرات مهنية أقل من تلك التي يمتلكها الرجل، ولذلك يفضلون ترشيح الرجال للدورات التدريبية وللسفر للمؤتمرات الدولية وشغل المناصب الإدارية.
كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في طبيعة العمل الإعلامي الذي يتطلب قدرا من التفرغ والحركة بما يتعارض مع المسؤوليات الأسرية للإعلاميات، إضافة إلى أن شرائح اجتماعية عديدة لا تزال تنظر إلى عمل المرآة نظرة غير لائقة.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان