صناعة الجماعة والحرب وتفكيك الدولة وبنائها
الله جل جلاله خلق الكون كله وخلق العقل البشري مثل الكومبيوتر له هاردوير ونظام تشغيل وبرامج في نظام التشغيل وكل عقل حسبما تم تنميته يقبل ويرفض برامج معينة حسب نظام تشغيله والهارد وير له.
فالعقل المسالم لا يستطيع تقبل فكرة الحق الإلهي في القتل والعقل المحارب لا يستطيع تقبل فكرة حضور الأوبرا دون احتجاز رهائن.
العقول ما هي إلا مناطق نفوذ تتصارع عليها النظم الفكرية لتسيطر عليها، وكلما استسلم عقل لنظام فكري زادت الفكرة انتشارا وثراء وقوة. تتصارع الأفكار فيما بينها للسيطرة وكيف تبغي الانتشار.
لو جئت بخريطة العالم وقسمتها عقائديا وفكريا ستجد الصراع محتدم علي أشده علي مناطق النفوذ العقلي والأرضي.
فالفكر الإسلامي يتخلل الفكر الغربي والعكس صحيح وعلي استحياء في منطقتنا تأتي الثقافات الشرقية في الخلفية.
عصرنا هو أول عصر اتصالات مما أدي لالتقاء الحضارات وصدام نظمها الفكرية. في أوج هذا الصراع يصبح وسيلة الانتصار لا أن تستحوذ علي ارض بل أن تستحوذ علي العقل.
الفوز بعقل ما يعني انك ضمنت ولائه وأرضه وأجياله وضمنت جندي مجاني تحارب به في معارك العقول القادمة. ومن هنا أصبحت حروب الأفكار ليست عشوائية وتدخل فيها من يسيطر علي العقول لبرمجة اكبر قدر من العقول لفكرته. وأصبحت ارض المعركة هي العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي الذي استخدمه الآن لمحاولة نشر درع واقي من أن نستعبد فكريا. كيف يتم برمجة العقل البرمجة الأولي ؟؟.
إن عقلنا البشري ليس مجرد خلايا وشبكات عصبية ولكنه يحمل أفكارا تمثل برنامج التشغيل وقد تصبح جزء من الهارد وير عندما تتوغل في جذور العقل. ولهذا كلما زاد عمر الإنسان زاد تشبثه بفكرته التي افني حياته مقتنعا بها ولا يستطيع مجرد التفكير خارجها فتصبح مسيطرة عليه تماما.
عندما نولد يكون العقل كالصلصال يتشكل كيفما نريد به عدد أكثر مما نحتاج من الخلايا لذا يسهل التعلم. فمثلا خلايا اللغة كثيرة وحسب برمجة اللغة الأولي هناك خلايا تتكاثر وأخري لا احتياج لها تموت.
كيف إذا يتم تشكيله وبرمجته البرمجة الأولي. الإرث الفكري، نحن نرث الأفكار من أبائنا كما نرث الجينات وبالتالي تصلنا كما هي او بها طفرة او تحور ولا يوجد فلتر لنا لتقييمها ونأخذها حقيقة مطلقة وتعتمد فقط علي جغرافية المنشأ بمعني مكان مولدك. هذا الإرث يعطيك ثلاث أشياء هامة. الذاتية وهو إحساسك بالتفرد وانتمائك للصرح الفكري الذي ولدت فيه.
إذا فأنت تعرف نفسك علي كذا مستوي جنسي وعرقي وطائفي ووطني وتاريخي. ومن هنا نبدأ ارثنا الطائفي علي المستوي الفكري بمجرد تعريف ذاتيتك. الأخلاقية كل نظام فكري بالضرورة يعتبر نفسه أخلاقيا وما دونه اقل وبالتالي أنت بالتبعية تري نفسك اعلي أخلاقيا من الآخرين وهو ما يعطيك نشوة أولية وإحساس بالرضا تحتاجه في سنواتك الأولي. لا يهم أن كنت مسلما مسيحيا بوذيا او زاردشتيا فكل طائفة تري إنها الاعلي أخلاقيا وما دونها في ضلال. الألفة وهو انك تري كل ما هو حولك متآلف معك لأنك مثله ومنه، هذا يعطيك أحساس بالطمأنينة في حياتك والأمان. فعادة كبشر نحن نانس لما نألفه وننفر مما نجهله. هذه الألفة هي بداية دخولك معشر بني ادم. فيجب أن تري ما يرون وتفكر كما يفكرون وتتكلم كما يتكلمون وتلبس كما يلبسون وتأكل مما يأكلون وتعلي قواعد عاداتهم فتنال رضاهم. ونحن في تربيتنا لأطفالنا كل ما نريده هو استنساخ فكري لنا بحيث يصبح مثلنا متآلف مع المجتمع. نعطي الجوائز للطفل كلما قلدنا دون إدراك، لا لشئ لأننا نريده شئ مألوف وغير غريب عن المجتمع. فمثلا لا تجدهم في الصين يكرمون حفظة القرآن ولا تجدهم في مصر يكرمون حفظة التوراة. غاية المجتمع أن يكون أفراده متناغمين، كوبي بيست عقليا حتي يخوض بهم صراع الحضارات. أي طفل أو فرد يشذ عقليا يقابل بعنف مجتمعي عنيف لأنه ليس حرا كما يعتقد فالمجتمع له قواعده التي أن تأثرت ستؤدي إلي حرب عليه. التفاعل الأولي مع المجتمع، بعد وراثة الأفكار يبدأ العقل مرحلة تفاعل مع العالم الخارجي يكون همه فيها أن يكون البناء العقلي الداخلي متناغم مع ما يراه خارجيا، أي الألفة . وأي اختلاف بين البناء الداخلي للعقل والخارجي يصبح مصدر توتر وقلق حتي يتناغمان. نجده عند المتدين عندما يسافر للخارج يبدأ في البحث عن جامع أو كنيسة لأنها موجودة في بناءه الداخلي وان لم يجد يحاول بناءها. يفعل ذلك لا شعوريا لا لشئ لأنه يريد العالم الخارجي كما يراه داخليا وهذا هو سبب محاولات تغيير مظهر المحتمع من جانب الإسلاميين لأنه أن لم يتغير أصبح مصدر قلق عنيف بالنسبة له. ماذا إذا لو لم نستطع تغير العالم الخارجي الإجابة كارثية اكتئاب وحزن قد يصل للانتحار كالفكر الجهادي. الموت هو المثال الحي لذلك فعندما نفقد عزيز يتغير العالم الخارجي لكنه لا يزال موجود في داخلنا نحزن حتي يقتنع الداخل بتغير الخارج. هذا التفاعل الأولي في بدايات حياتك الأولي هو ما يشكل عقلك فان ولدت في بيئة مسالمة بها فن راقي أصبحت ذو حس مرهف وان ولدت في بيئة محاربة أصبحت داعشيا. وان ولدت في بيئة لا تعطيك أي شئ أصبح سهل تشكيلك وتحولك كما سنري.
الترغبب والترهيب، هي من أهم وسائل البرمجة العقلية سواء أوليا أو لاحقا. فالعقل لا يتبع فكرة إلا لو كانت الاثنان تكافئه كلما اخلص لها و ترهبه كلما أنكرها. في طفولتنا كلما زاد ترغيب الأهل وترهيبهم في تربية أطفالهم كلما امتثل الأطفال لهم. غاية الطفل في سنواته الأولي أن ينال رضا أبويه. وعند البلوغ غاية الشاب أن ينال رضا مجتمعه فهي تتحجب أو تتنقب لرضا مجتمعها لأنهم يريدونها مثلهم وهو يطلق اللحية لان أقرانه يفعلون ذلك والنقيض صحيح.
السعي وراء الرضا من الغير هو من أهم الأشياء اللا شعورية التي تجعل الإنسان يلتزم بشئ ما. ثم نأتي لأهم أنواع السيطرة من الدين والدولة وهم يستخدمون الترغيب والترهيب بثلاث أشياء، المسكن والمأكل والجنس، ونضيف للدين للعالم الآخر. لو لم تتبع دين قومك أو وطنهم لن تامن مسكنك ولو تبعته ستعيش منعما. في كل دين هناك صيام، نوع من الحرمان كترهيب وترغيب.
غير أن هناك أكل معين لا يجب أن تقربه كالخنزير والخمر، أما الجنس فهو وسيلة الترغيب الكبري فكل فكرة ترغب إتباعها بالجنس كلما اخلص لها كلما زاد حقه من الإناث. وكلما زاد علوك كلما زاد ملك يمينك وإناثك. وفي المقابل تسيطر الدولة والمؤسسة الدينية علي نظام التزاوج بحيث ما غير ذلك مرفوض لأنه يجب أن يأخذ صك الموافقة الدينية. انك أهل دينيا لذلك وصك موافقة الدولة انك مواطن أهل لذلك. ولهذا تقاوم المؤسسات الدينية أي زواج مدني لأنه يقوض من سلطانها.
ولا تعترف الدولة بأي زواج غير مقيد بها. وأكثر من استخدم الجنس في تجنيد الأتباع هي الديانات العشتارية التي كان بها طقوس البغاء المقدس أو Hogos Gamos. أن تهب القديسة نفسها لأكثر عدد من الرجال في طقس ديني وما يوازيه في عصرنا هو جهاد النكاح الذي استخدمه الإخوان وداعش واستخدمه قبل ذلك الحشاشون والقرامطة وضمنوا به ولاء مطلق لأتباعهم.
الجنس وسيلة ترغيب قوية يستخدم في تجنيد الأتباع كما في الجاسوسية ويستخدم في ضمان ولائهم. إعادة برمجة العقول فبعد البرمجة الأولي يحاول من يريد السيطرة غزو عقلك والسيطرة عليه وإعادة برمجته وهو في ذلك يقوم ببرنامج ممنهج يؤديه بمهارة يعلن فيها الحرب الفكرية علي عقلك وأنت لا تدرك ماذا يحدث وتجد نفسك فجاة تغيرت بعد سنوات وأصبحت النقيض. وفي الحالتين تري انك من يتحكم بنفسك وتردد كلمة عن اقتناع، ولكن مسلوب الارادة مفعول به تنقاد اعمي البصر والبصيره. كيف يحدث ذلك ؟؟؟.
يتكون هذا الهجوم من ثلاث مراحل، مرحلة غسيل عقل ومرحلة زرع الفكرة ومرحلة السيطرة.
غسيل العقل والمقصود به خلخلة ثوابت البرمجة الأولي ويتم ذلك بمهاجمة أدوات البرمجة الأولي. خلخلة الذاتية أو الانتماء إما بجعل انتماءاتك عدة تتصارع مع بعضها أو تحقير الانتماء للجماعة الأم. وهو ما حدث في منطقتنا فبدل انتماءك لدولتك أصبح انتمائك للجامع والكنيسة اقوي وبالتالي أصبح انتمائك لطائفتك اقوي من دينك وتبدأ بذلك حروب الطوائف. فالقليل من يعرف نفسه انه مصري فقط لكن لازم يتبعها الديانة أو الطائفة أو العرق. الصراع بين الانتماءات استخدمه العدو لضربنا في مقتل ونجح تقريبا في معظم منطقتنا إلا مصر لا لشئ إلا لان الإرث الفرعوني اقوي من أي صراعات طائفية. فنحن نضرب في حذور التاريخ ولا يسهل تشتيتنا تحت أي مسمي.
الحالة التانية التحقير من هذه الذاتية وهو ما حدث لنا بالغزو الثقافي في التعليم وتغريب عقلية أجيال وتشويه وتجهيل التاريخ الصحيح. ان تعلم التاريخ هو الدرع الواقي للحفاظ علي ذاتية المجتمع وكلما كان التاريخ موغلا في القدم كلما كانت الذاتية قوية. ما حدث لنا أساسا هو ضرب للتاريخ وتحقير له وإعلاء جزء منه عن الأخر ذلك الحزء الذي يسمح بحروب الطوائف.
وأصبح هناك جيل يري في الثقافات الدخيلة الملجأ المريح الذي يتناغم معه عقله بدله من الصراعات الفكرية في الشرق. من النهاية حدثت خلخلة وأصبحت الذاتية ضعيقة جاهزة للاختراق. بعد خلخلة الذاتية تاتي مرحلة اللا اخلاقية او ضرب الفكرة أخلاقيا وانها لم تعد الفكرة الأخلاقية المناسبة للاتباع.
فالدولة دولة فاسدة ظالمة متجبرة والشرطة باطشة والجيش جيش افراد لا جيش مصر والحكومة عاجزة. هي افكار بسيطة لكن في تاثيرها شديد يجعلك مهيئا نفسيا لتقبل تدمير الدولة بهدف وهم انشاء وطن جديد فيه يوتوبيا. كثير منا من المثالية الذي يحلم بتلك اليوتوبيا التي لم ولن تأتي في اي مرحلة حضارية.
اما الانتماء الديني فحدث ولا حرج وما داعش الا وسيلة لضرب الإسلام أخلاقيا لا لذكائهم بل لانهم استغلوا راياتنا وشعاراتنا وكتب تراثنا واحيوا البغيض فيه. هنا أصبح النشئ مخلخل الذاتيه ناقم علي الوطن وغير باكي علي اي دين واصبحت دفاعاته مخترقة لتبدا المرحلة الثانية. زرع الافكار، تبدأ عملية زرع الأفكار أولا بخلخلة المتلقي نفسيا وماديا وذلك بتقليل الرضا والتكسب من أتباعه للفكرة الأولي. فهي لم تعد تؤتي ثمارها لا نفسيا ولا ماديا ولا جنسيا. ولذا يتم مهاجمة طبقتان تأثرا بتلك الخلخلة الطبقة الوسطي الفقيرة لأنه ليس عندها مخزون لمقاومة هذا التصحر وعندها طموحات اعلي من إمكاناتها، وطبقة النخبة لأنهم عادة لهم طموحات وليس لديهم مؤهلات ويسهل لهم تغيير الانتمائات بمجرد تقليل الترغيب فيبحثون عنه في مكان اخر.
ثم تأتي مرحلة تقديم الفكرة الجديدة وهنا ستصطدم بجدار الألفة لذا يجب تهيئة الأجيال الجديدة لها هنا يأتي دوران مهمان دور رسائل اللاوعي ودور صناعة النجم. رسائل اللا وعي تظهر في الإعلانات والأفلام في الخلفية فقط لتالف هذه الفكرة و تكرارها يجعلها اليفة لك عند تقديمها لك مباشرة للوهلة الأولي.
أما صناعة النجم فهو يختار بعنايه ويتصرف بمنهج معين لانه مجرد قائد لقطيع من المهووسين به يرون يري ويتصرفون كما يتصرف ويلبسون كما يلبس. يستخدمون في ذلك التعلم بالتقليد للنجم وبالتالي ينتج وراؤه جيلا من مقلديه به افكارا مزروعة جديدة. هنا تقدم الفكرة مباشرة بعد الالفة بها ووجود أمثال محبوبين من اتباعها ويسهل التجنيد. السيطرة، مرحلة السيطرة من اسهل المراحل فهي تعتمد علي شيئين، زرع اخلاقية الفكرة الجديدة أولا وهنا ياتي فكرة إنسانية الغرب ووهم حقوق الإنسان والاستعمار العثماني تحت وهم الخلافة. ثانيا الترغيب والترهيب، فكلما زاد ولائك للفكرة زادت دولاراتك وزاد نعيمك الجنسي من مجاهدات النكاح والسبايا وملك اليمين. وكلما قررت الابتعاد تجد من ينحرون أمامك لانهم ضلوا طريقهم. طبعا هذه أمثلة فجة ولكن هناك امثلة في كل فكرة. الأفكار لا تعيش الا بقدرتها علي اشباع معتنقيها وطالما اشبعتهم ضمنت الولاء.
وهنا ياتي توجيه الموارد لاشباع تلك القطعان البشرية سواء ماليا او جنسيا لضمان الولاء. بعد السيطرة تاتي مرحلة الانتشار للفكرة حيث تصبح انت نفسك مبرمجا لنشر الفكرة من جديد اما دعايا لها مثل اسلام يكن او تجنيد افراد او تهب نفسك كمجاهدات النكاح. ان العقل البشري عادة ما يتصرف وهو مغيب لا لشئ الا لانه لا يضع فلتر لتقييم الافكار ولاستغلال تجارة الثقة، هنا تاتي النصيحة فقط اقرا تاريخك احفظ وطنك لا تاخذ اي شئ مسلم به.
عميد طب المنيا السابق