كم منا عندما يستيقظ في الصباح يتذكر أن الله منحة فرصة جديدة للحياة فيشكر الله عليها ويعتزم أن يستثمر هذه الفرصة في عمل يحقق له خير الدنيا والاخرة ؟. وكم منا يتذكر أن هناك الملايين فقدوا حياتهم أثناء النوم ؟!. وتلك حقيقة ذكرها الله سبحانه وتعالى في الاية رقم 42 من سورة الزمر بقوله :” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.
وكم منا يتذكر أنه استيقظ في الصباح بعد نوم عميق يفتقده ملايين اللآخرين بسبب ألم أو مرض يحرمهم نعمة النوم ؟. كم منا يتذكر إذا استيقظ من نومه وتحرك بسهولة من مرقده إلى الحمام كي يقضي حاجاته بيسر وسهولة . بينما هناك ملايين من البشر لا يستطيعون التحرك من السرير إلا بمساعدة الآخرين؟.
كم منا يتذكر عندما يجلس لتناول فطوره وسط أبنائه أن هناك ملايين لا يجدون ما يأكلونه، أو أن هناك الملايين منعهم المرض من تناول ما يتناوله هو بشهية، أوأن هناك الملايين لم يرزقهم الله الأبناء؟!.
كم منا يتذكر عندما ينزل من بيته في دقائق قليلة ليذهب إلى عمله. أن هناك الملايين لا يمكنهم التحرك ويقطعون المسافة بين الشقة وباب المنزل بصعوبة وفي وقت أطول وبمساعدة الأخرين . أو يتذكر أن هناك الملايين الذين يفتقدون لفرصة العمل التي حصل عليها.
كما منا يتذكر عندما يرى منظرا طبيعيا جميلا أن هناك ملايين من البشر مصابون بعمى البصر ؟!. وأن نعمة النظر تمكنه من التحرك بسهولة وإلى أي مكان ، بينما من فقد بصره لا بد من وجود مرافق وتحركاته تكون محدودة. كم منا يتذكر أنه يتنفس بسهولة بينما هناك ملايين آخرين يعانون من صعوبات في التنفس؟!. كم منا يتذكر وهو يثرثر طوال ساعات النهار وبضعا من الليل أن القدرة على الكلام نعمة من نعم الله علينا، وان هناك ملايين من البشر لا يستطيعون الكلام ؟!. بل وأن هناك من نعرفهم كانوا يتحدثون ببلاغة وفجأة عصى عليهم الكلام بسبب مرض أصابهم؟!.
نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى أنعمها الله بها علينا ولكننا نتمتع بها كل لحظة وبشكل روتيني دون أن تذكر المنعم بها علينا كي نؤدي شكرها . وهو ما يسميه العلماء (إلف النعمة ). ولا يدري الإنسان قيمة أي نعمة الا عندما يفتقدها . وقد وصفها الداعية السعودي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله السويدان بـ ” المرض الصامت “، والذي يرى : أن الانغماس في الحياة يحدث نوعًا من التخدير يُنسي النعم والمنعم الجليل”.
وأميل الى تسميتها بـ “مرض الغفلة” الذي ينسينا التدبر والتفكر في نعم الله التي نغرق فيها كل لحظة من لحظات حياتنا . وأكاد أجزم أن غالبية البشر يغفلون عن نعمة كبرى وهي نعمة العقل التي ميز الله بها البشر عن جميع الخلائق ، وبالعقل نستطيع التفكير للتفريق بين الخير والشر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، والخبيث والطيب.
فمتى نشفى من مرض الغفلة ونتدبر في نعم الله علينا كي نشكر المنعم . وحقيقة الشكر ليس ترديدا باللسان لكلمتي ” الحمد لله ” فقط، أو تقبيل الايدي وجها وظهرا، ولكنه كما قال الشيخ العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب ( مدارج السالكين) :حقيقة الشكرهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافا ، وعلى قلبه شهودا ومحبة وعلى جوارحه انقيادا وطاعة”. ويؤكد ابن القيم أن الشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره. فهذه الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها، فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة”.
Aboalaa_n@yahoo.com