ما أن اندلعت ثورات الربيع العربي مطلع سنة 2011 م في تونس ومن بعدها مصر … حتى تأثر بها الشعب الليبي بحكم التشابه السياسي ، والجوار الجغرافي .. فكانت ثورته الشعبية العارمة التي انطلقت شرارتها الأولى في 17 فبراير سنة 2011 م .. والتي نجحت في إسقاط أعتى الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة العربية ، وأشدها ظلما ، وعنفا ، ودموية .. وأكثرها تخلفا ، وفسادا ، وهمجية . لكنها انحرفت عن مسارها الوطني فلم تطبق شعاراتها الثورية ولم تحقق أهدافها السياسية .. ولعل تحويل ليبيا الغنية بالبترول والغاز الطبيعي .. من دولة نامية تدار من خيمة بطريقة بدائية .. إلى دولة قوية تدار من قبل مؤسسات وطنية بأساليب عصرية يُعد من أسمى أهداف الثورة الليبية وأكثرها أهمية … لكن فشل هذه الثورة بهذه الكيفية لم يكن مفاجئا للمراقبين للشئون العامة الليبية … نظرا لعدم وجود مؤسسات وطنية حقيقية ، وغياب البديل الجاهز لتولي القيادة في مِثل هذه الظروف الاستثنائية … بسبب سياسة تجريف العقول ، وتهميش الكوادر التي أنتهجها النظام المستبد البائد على مدى أربعة عقود … الأمر الذي دفع ليبيا دفعا نحو العنف ، والفوضى ، والحروب الأهلية ، والاضطرابات المستمرة .. وتصفية الحسابات الضيقة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والمفقودين والجرحى وأدت إلى خسائر اقتصادية جمة .. منذ اندلاع الثورة ، وحتى يومنا هذا .. والتي أدت في مجملها إلى فقدان القوى السياسية القدرة على التسوية السلمية التي تُرضي طموح أغلبية الشعب الليبي ، مما أدى إلى فراغ سياسي والذي أدى بدوره إلى انفلات أمني ، وغياب كامل للاستقرار المجتمعي .
وهكذا كما نرى من الأهمية بمكان تسليط الأضواء على مجمل الأحداث التي وقعت منذ بداية الثورة .. كي نعرف حقيقة ما يدور الآن في ليبيا .. ونضع تصورا لما ستنتهي إليه الأمور في النهاية لذلك أقول ما كانت لتصل الأوضاع الأمنية في ليبيا إلى مثل هذه الحالة المتردية .. لولا محاولة إحدى الجماعات الضالة المضللة التي تسيطر عليها روح الغدر والخيانة ولا تجيد سوى لغة الذبح من الوريد إلى الوريد الاستئثار بالثورة بمنتهى الوقاحة والخسة ، وتلوين ملامحها بصبغتها الخاصة .. رغم أن تلك الجماعة لا تمثل سوى شريحة بسيطة من أبناء الشعب الليبي ، ولا تزيد عن كونها مجرد أداة رخيصة في أيدي أطراف إقليمية عدوة وهي بدورها عميلة لجهات أجنبية مشبوهة ، وخادمة لقوى دولية غاشمة لا هدف لها في حاضر الأيام ومستقبلها سوى نهب الثروات الليبية الهائلة … وتحويل ليبيا من دولة مستقرة إلى قاعدة رئيسية لفرض الهيمنة الأجنبية على الأعماق الإفريقية .. ومن ثم زعزعة الاستقرار في مصر ، وإشعال النيران على حدودها الغربية .. تمهيدا للتدخل في شئونها الداخلية .. وإجبارها على الرضوخ للضغوط الدولية … الأمر الذي أضعف الثورة ، وحولها من ثورة شعبية حالمة ، إلى فصائل متناحرة أدخلت البلاد في حرب أهلية مستمرة من أجل الوصول إلى السلطة ……. فغرقت ليبيا حتى أذنيها في أتون الأطماع الاستعمارية .. والتجاذبات الدولية .. والتدخلات الإقليمية .. التي سعت جميعها إلى كبح جماح الثورة …. ومن ثم تطويع العملية السياسية في ليبيا الجديدة بما يخدم مصالحها الخاصة .. على حساب حاضر ومستقبل الشعب الليبي ، ومصالحه العليا …. ونتيجة لذلك توالت على ليبيا منذ اشتعال الثورة العديد من الكيانات السياسية والحكومات المختلفة في محاولة يائسة لسد الفراغ السياسي والأمني الذي أحدثه سقوط النظام الدكتاتوري .. ورسم مستقبل أفضل للدولة … ابتداء من المجلس الانتقالي .. مرورا بالمؤتمر الوطني .. وصولا إلى عدد من الحكومات الهشة التي لم تُعمر طويلا ، ولم تترك أثرا ، ولم تُحافظ على الوحدة السياسية للدولة الليبية ….. وليس أدل على ذلك من الانشطار السياسي الذي حدث في سنة 2014 م .. المتمثل في انعقاد مجلس النواب في طبرق … وعودة المؤتمر الوطني في طرابلس … وصولا إلى ما يسمى بحكومة الوفاق التي لا تمثل إلا نفسها .. ولا وجود لها على أرض الواقع إلا في طرابلس العاصمة … ومن أجل تثبيت أقدامها النجسة في السلطة تحالفت مع المليشيات المسلحة التي ظهرت عقب الثورة الشعبية ، ولم يسلم من جرائمها الإرهابية أحدا على امتداد الخريطة الليبية .. ولهذه الأسباب مجتمعة ، ولغيرها من أسباب أخرى ، حظيت حكومة الوفاق بدعم قطر رأس الفتنة ، ومن قبلها تركيا راعية الإرهاب الأولى في المنطقة .
أما الجيش الليبي فهو الرقم الأصعب في المعادلة السياسية بلا منافسة …. حيث كان وما زال حاضرا بقوة في المشاهد السياسية كافة … منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة ، وحتى هذه اللحظة .. ونستطيع القول بمنتهى الحيادية لو وضع الجيش الليبي في كفة … ووضعت جميع الأطراف السياسية الأخرى المتناحرة على السلطة في كفة …. لرجحت كفة الجيش الليبي بلا أدنى مبالغة ….. ذلك لأنه لولا قيام الجيش بواجبه الوطني في رعاية المرحلة الانتقالية …. ومشاركته المحورية في تحديد ملامح الرؤية المستقبلية التي تليق بليبيا ما بعد الثورة .. ولولا دوره في تطهير المدن الرئيسية من قبضة المليشيات المسلحة التي انتشرت في البلاد كالضباع الضالة ، ولولا دوره المعروف في إنهاء الخصومات الثأرية بين القبائل الناتجة عن الصراع السياسي في دولة تلعب فيها القبيلة دورا مهما في الحياة السياسية قبل الثورة وبعدها .. وإجمالا نستطيع القول بأنه لولا الدور الوطني الذي يقوم به الجيش الليبي .. لتقسمت ليبيا إلى أشلاء متناثرة ، وساءت الأوضاع الأمنية في ربوعها أكثر مما هي عليه الآن … وهذا ليس غريبا على الجيش الليبي الذي يدافع منذ اللحظة الأولى للثورة الشعبية عن مشروع الدولة الوطنية .. ويتصدى الآن بمنتهى البطولة والتضحية للغزو التركي وسط صمت عربي إلا ما رحم ربي ، لذلك لا يختلف أحد قبل هذا كله وبعده على أن الجيش الليبي هو الضلع الأقوى في العملية السياسية القائمة ، وهو الفصيل الوطني الأقرب إلى سُدة السلطة ، وهو الأقدر على بسط الأمن ، وتحقيق العدالة .. وهو الأكثر قدرة على حماية الهوية ، وتوحيد الكلمة ، وتحقيق الاستقرار في جميع أرجاء الدولة ، وحماية وحدة أراضيها .. وتحويلها مما هي فيه من فوضى عارمة إلى دولة مؤسسات وطنية مستقلة … وهذا ليس كثيرا أو جديدا على هذا الجيش البطل .. الذي يسيطر على 90% من التراب الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر … صاحب التاريخ النضالي الطويل .. المعروف بقبضته الحديدة ، والذي يتمتع بكاريزما عالية .. ويحظى بتأييد شعبي ، وعربي ، وإفريقي ، وإقليمي ، ودولي كبير .. والذي لا يقل أهمية عما سبق أن المشير خليفة حفتر يحظى بدعم مصري ليس له نظير .
بينما في المقابل نجد حكومة الوفاق الإرهابية العميلة … بقيادة فايز السراج ذيل الفتنة … الذي تحالف مع تركيا العدوة القديمة العفنة ……. التي كانت وما زالت تناصب الأمة العربية العداء وتتعامل معها بمنطق الغزو والهيمنة والغدر والخيانة ، وتحاول جاهدة استعادة الإمبراطورية العثمانية البائدة ولديها من الرواسب القديمة ، والأحقاد المتجددة على الدول العربية …. وخصوصا مصر وعلى رأسها خير أجناد الأرض …. ما يجعلها تتحين الفرصة تلو الأخرى للتآمر على الأمة ، وزعزعة استقرار دولها ، والتدخل في شئونها الخاصة …… وهكذا كما نرى تركيا لا تبث سمومها القاتلة إلا في الدول العربية المشتعلة .. لذلك بعدما نهبت الثروات السورية ، وفرغت من تدمير بنيتها التحتية تارة بالتدخل المباشر ، وتارة أخرى بدعم الجماعات الإرهابية …. غيرت وجهتها إلى ليبيا لتزويدها بالخارجين عن القانون والمرتزقة .. بعدما وجدت ضالتها المنشودة في حكومة عميلة هزيلة معتقلة هي والميليشيات المسلحة التابعة لها في طرابلس العاصمة …. فكان نتيجة لهذا الزواج المحرم بين حكومة عميلة ودولة متآمرة إبرام عدد من الاتفاقيات عنوانها الغدر والخيانة .. ذلك لأنها أبرمت بين من لا يملك ومن لا يستحق .. حيث قدمت من خلالها حكومة الوفق تنازلات كارثية .. والتي على أثرها أعلنت تركيا أنها عما قريب ستبدأ التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية الليبية .
وأمام هذا التدخل التركي السافر في ليبيا ، وإبرام الاتفاقيات المشبوهة مع مثل هذه الحكومة العميلة .. جاء الرد سريعا من القاهرة على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي .. بحضور قائد الجيش الليبي البطل المشير خليفة حفتر ، ورئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح .. عندما أطلق مبادرة إعلان القاهرة برعاية مصرية وأممية … لإنهاء الصراع المسلح في ليبيا … والتي ركزت على وحدة ليبيا ، واستقلالها ، وحماية مقدراتها ، وسلامة أراضيها ، وبسط الأمن والأمان في ربوعها ، وعودة الحياة الطبيعية لأبنائها ، واحترام الجهود العربية ، والمبادرات الدولية ، والقرارات الأممية الرامية إلى إنهاء الصراع المسلح على السلطة والتأكيد على أن استقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من استقرار مصر والتزام كافة الأطراف المتناحرة على السلطة بوقف إطلاق النار ، وطرد الخارجين عن القانون والمرتزقة من الأراضي الليبية خلال 48 ساعة .. وإلا سيكون من حق مصر التدخل عسكريا في ليبيا .. وهذا معناه بكل تأكيد .. أن هذه المهلة موجهة لحكومة الوفاق وتركيا … ما حدا بالمستشار السياسي لرئيس النظام التركي ياسين أقطاي أن يدعو لحوار مباشر مع مصر عبر إذاعة الـ بي بي سي … لكن الملاحظ هنا أنه عقب هذه الدعوة مباشرة أذاعت وكالات الأنباء تصريح لرئيس الأركان المصري جاء فيه ما يلي : “القوات المسلحة المصرية على أعلى درجات الجاهزية القتالية لمواجهة كافة المخاطر” ، وكأن مصر العروبة تقول لتركيا المتآمرة لا حوار مع من تآمر وغدر وخان .
الأمر الذي جعل المتابع لمجريات الأحداث يرى حكومة الوفاق ومعها ميليشياتها المسلحة ، وما جلبته تركيا من مرتزقة .. كأنهم يؤدون في طرابلس العاصمة رقصة الطائر الذبيح الأخيرة احتفالا باستعادة المطار والسيطرة على قاعدة الوطية .. لكنني على يقين بأن عملية تحرير المطار .. واستعادة السيطرة على قاعدة الوطية ، وتطهير طرابلس العاصمة من الإرهابيين والعملاء والخونة على يد الجيش الليبي البطل بقيادة المشير خليفة حفتر مسألة وقت ليس أكثر …. وحتى تكتمل أمامنا الصورة … وتتضح لنا الرؤية ، من الضروري أن نعرف ردود الفعل العربية والدولية على مبادرة إعلان القاهرة التي أطلقها الرئيس السيسي .. لوقف إطلاق النار في ليبيا حيث أعلنت كل من السعودية ، والإمارات ، والكويت ، والبحرين ، والأردن ، وأمريكا ، وروسيا ، وفرنسا ….. تأييد المبادرة المصرية …. كما أعلن تأييدها أيضا كل من البرلمان العربي ، وجامعة الدول العربية .
وإني لأعجب أشد العجب !! .. كيف يجرؤ مثل هذا الكلب التركي الأجرب … سليل المحتلين ، وحفيد السفاحين ، وإمام المثليين ، وخليفة المغيبين .. على شن الحرب على أسياده العرب ؟ .. في عقر دار العرب .. واحتلال أرض العرب .. وإذلال العرب .. وسفك دماء العرب .. وزعزعة استقرار العرب وتدمير مقدرات العرب .. ونهب ثروات العرب .. جهارا نهارا أمام أعين جميع العرب .. لكن وكما قالت العرب قديما : “إذا عُرف السبب بَطُل العجب” …. وربما خفت أيضا حدة الغضب … إذا علمنا جميعا بأن هذا الكلب التركي الأجرب ، إنما يحارب العرب ، بمرتزقة من العرب .. وبتأييد أعمى من الجهلة ، وتجار الدين ، والإرهابيين ، والخونة ، والعملاء ، والمأجورين ، من بلاد العرب … وبدعم مباشر ، وغير مباشر بالمال والعدة والعتاد ، وبتأييد سياسي ، وتلميع إعلامي من المنصات الإعلامية المشبوهة التابعة لحثالة الحثالة من العرب .. أما الأعجب من العجب !! .. فهو عندما تقف مصر قلب العرب .. في وجه هذا الكلب التركي الأجرب …. لا تجد أحدا يشد أزرها سوى الشرفاء من العرب .. لكن الأدهى والأمر مما سبق أن الشرفاء أصبحوا عملة نادرة بين العرب !! .