إن نظرية ” الإمتلاء المالى شرط أساسي لدخول البرلمان” لا مجال لها في دولة يحكمها قائد اسمه عبدالفتاح السيسي، هذا الزعيم الشريف الذى أرسى قواعد دولة نموذجية تسمى في أدبيات السياسة ” الدولة الوطنية الحديثة” بمعنى أنها دولة مؤسسات تستوعب كل مواطنيها بفئاتهم ودرجاتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية إن مقالنا اليوم عن الرأسماليين ورجال المال والأعمال وأهمية دورهم المؤثر فى مجتمعاتهم ، والذى نسلط الضوء عليه من خلال كتاب روبرت دالزيل” جود ريتش – الأغنياء الطيبون ” ، فهناك من يوجه إتهامات لرجال المال والأعمال بالانتهازية والفساد واستغلال النفوذ ، وهناك من يثمن دورهم فى تنمية مجتمعاتهم صناعيا واقتصاديا وإجتماعيا وتنويريا ، من هنا يجب أن نوضح أمرا هاما وهو أنه يجب الفصل بين الرأسماليين النافعين للمجتمع والإنسانية ، والرأسماليين الأنويين الذين لا تعنيهم إلا مصالحهم الأنية النفعية الضيقة ، وفى سبيل ذلك يأتون على فعل أى شيئ دون النظر إلى الأضرار التي سوف تلحق بمجتمعاتهم نتاج ذلك ، وأيضا منهم من لا يقوم بواجباته نحو الوطن ، لذلك وجب التنبية بأن نفرق مابين هؤلاء وهؤلاء.
منذ عدة أعوام صدر كتاب «جود ريتش» (الأغنياء الطيبون) الذي كتبه الدكتور روبرت دالزيل، أستاذ الاقتصاد في كلية وليامز كجزء من المناقشات الأكاديمية والصحفية عن دور الأغنياء في المجتمع الأمريكي، وأثار هذا الكتاب ضجة كبرى رغم أنه لم يكن الكتاب الأول الذي يتناول هذه الإشكالية، وقد زادت المناقشات في الوقت الحاضر حول قضية الغنى والفقر خاصة مع بدء إنتخابات المجالس النيابية التى بدأت بمجلس الشيوخ ويليها إنتخابات مجلس النواب والمحليات، والأسباب عديدة منها الظروف الاقتصادية ( المالية) السيئة التي خلفتها جائحة كورونا وتسببت فى خسائر كبيرة لشريحة كبيرة من المجتمع، فلولا الإصلاحات الإقتصادية التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى على مسئوليته الشخصية فى مصر، لتعرضت أرض الكنانة لكارثة مدمرة أتت على الأخضر واليابس ، والظروف المريرة التى شكلها هذا الواقع الأليم متعددة، من بينها كان أتباع بعض البنوك والمؤسسات المالية لسياسات مصرفية لا تراعى الصالح العام للدولة ومواطنيها، وتستغل عدم نضج الكثير من عامة الناس إقتصاديا وتقوم بمنحهم قروضا لا يقدرون على سدادها، مما جعل الرئيس السيسي يصدر قرارات للتخفيف على أصحاب الديون، فكانت قرارت تأجيل تحصيل الأقساط وتخفيض الفائدة، وغيرها من القرارات بمثابة اليد الحانية على المواطنين المصريين وطوق النجاة لهم ، لذلك ثار كثير من المواطنين عندما تكشفت لهم حقائق الأمور وعلى الأخص الموظفين ومحدودي الدخل ، الذين وجهوا الإنتقادات لكثير من المسؤولين عن البنوك والشركات التجارية العملاقة، وطالت هذا الإنتقادات أيضا السياسيين الذين ساعدوهم.
فالنقاش لم ولن يتوقف عن أخلاقيات رجال المال والتجارة والإقتصاد ، عن البخل مقابل الكرم ، عن الطمع مقابل القناعة، عن الكذب مقابل الصدق ، خاصة مع زحف الكثير من رجال المال والأعمال نحو الحصول على عضوية المجالس النيابية كعادتهم في عقود سابقة، وإنفاقهم ببذخ ملحوظ يثير دائما الكثير من الانتقادات.
وتسابقت التساؤلات على ألسنة الناس، هل نحن أمام رأسماليين وطنيين ؟؟ ، هم كما يقولون يخلقون الوظائف للموظفين والعمال، أو كما يقول ناقدوهم، يضطهدون الموظفين والعمال؟؟، هل هم كما يقولون طموحون وأذكياء ، أو كما يقول ناقدوهم عنهم أنهم أسماك قرش مفترسة؟؟
في مقدمة الكتاب قال “دالزيل ” إن عنده الإجابة على هذه الأسئلة وكتب: «عبر تاريخنا ظللنا نقيم علاقات متأرجحة مع الأغنياء، ظللنا نحاول التوفيق بين الديمقراطية والثروة ، نريد الحرية، ولكن لا نريد للأغنياء أن يبيعوا الناس ويشتروهم، وفي الجانب الآخر ، نريد أن نكون أغنياء ، ولكن لا نريد أن يكون ذلك على حساب حريتنا وكرامتنا » .
ويضيف” دالزيل ” أن الأغنياء في جانب يقدرون على استغلال واستعباد موظفيهم وعمالهم ، وعلى التمتع بثرواتهم بطرق مترفة ، ربما تدعو للاستغراب، أو تدعو للتقزز ، وفي الجانب الآخر ، يقدرون على صرف أجزاء كبيرة من ثرواتهم وأحيانا كلها فى أعمال الخير، الخلاصة : سيحكم عليهم التاريخ بأنهم فاعلو خير ، أو رأسماليون طماعون.
وفي الكتاب خلفية لهذا الصراع التاريخي منذ أن بدأ الإنسان الأول يبيع ويشتري، مرورا بفلاسفة أثينا وروما، والثورة الصناعية ، والتجارة مع المستعمرات، والرقيق والإستغلال ، والنظرية الشيوعية، وانتصار الرأسمالية رغم طمعها وإستغلالها، سماها «هيستوريكال ديل» أو الصفقة التاريخية، حرية اقتصادية في مواجهة قيود سياسية ، يثرى الأثرياء ويثرون الناس، لكن يقدر الناس على السيطرة عليهم، بالطبع يتحدث “دالزيل “عن الولايات المتحدة وأوروبا حيث الحرية السياسية تقدر على مواجهة الحرية الإقتصادية، وحيث الحكومات ليست فقط ديمقراطية ، ولكن أيضا ديمقراطية عريقة ، عمر بعضها قرابة ثلاثمائة عام.