نجحت قوى الشر والهيمنة الاستعمارية الحديثة في ان تحول الكثير من المصطلحات الجميلة والمعتبرة حضاريا وانسانيا الى مصطلحات سيئة السمعة بامتياز بل ونجحت في اقامة حواجز فظيعة مزعجة ومرعبة بينها وبين الجماهير فما ان ياتي احد على ذكرها الا وينصرف الذهن الى كل مؤلم وقبيح وما يشين ايضا ويذكر برغبات شريرة وتوجهات غير امينة بل وعدوانية ضد الوطن وضد الدين ايضا..والدين والوطن من اكثر القواعد والمحطات استهدافا في خطط وتحركات كل القوى المعادية للحضارة والانسانية عموما..
ولعل ما حدث من معارك مع قضايا مهمة مثل التنوير والاصالة والمعاصرة والتجديد خير شاهد على ذلك.الان مصطلح حقوق الانسان على الطريق وبدأ بالفعل يتاكد للقاصي والداني انه مصطلح سيء السمعة وانه راية تخفي من الشرور اكثر مما تبطن ولا نقول كلمة حق يراد بها باطل.
الامر يتجلى بوضوح بعد ان تمادت قوى دولية بعينها في تحويل حقوق الانسان الى قضية ضغط وابتزاز للدول والحكومات التى ترى انها تغرد خارج سربها والمتمردة والرافضة لتوجهات وسياسات ضارة بالأمم والشعوب هنا وهناك بعيدا عن حسابات المصالح والمكائد السياسية لمن يظنون انفسهم كبارا في هذا العالم..
الاخطر في الموضوع هو استخدام المنظمات التابعة للامم المتحدة وسيلة لفرض تلك التوجهات والسياسات العنصرية البغيضة وجعلها سلاحا مشهرا في وجه الدول المختلفة يستوى في ذلك الدول الضعيفة والهشة والدول القوية ايضا.
ووقائع التاريخ القريب والبعيد تؤكد وتفضح كيف تم استغلال الامم المتحدة لتدمير الدول والشعوب وكيف تم انتهاك مبادئ الامم المتحدة والقانون الدولي..ويا للعار باسم الامم المتحدة وقراراتها والاليات التى تتيحها من اجل فرض الامن والسلم الدوليين!
اصبحت حقوق الانسان سيئة السمعة جدا مع عملية الافراط في سياسات التمييز والانتقائية المقيتة بحيث يتم التشهير بموضوعات ودول بعينها فيما يتم غض الطرف عن دول مجرمة شديدة الاجرام والعنصرية وديدنها انتهاك حقوق الانسان والضرب بقوانين الامم المتحدة والاعراف الدولية عرض الحائط وجرائمها يراها العالم ليل نهار وعلى الهواء مباشرة ولا يتهمها احد ولا يعد لها ملفات ولا تفرض عليها عقوبات وماشابه ذلك.
كان الاجدر والاولى بالامم المتحدة ان تقف بقوة ضد الانتهاكات المرعبة لحقوق الانسان في كثير من مناطق العالم من جانب الدول الكبرى التى تدير وتشارك بنفسها في ادارة الصراعات وتاجيجها في المناطق الملتهبة ومنذ سنوات بلا جدوى ودون ان تطرف عين لاي من تلك المنظمات او الدول المتحضرة..
كان على منظمات الامم المتحدة ان تكشف بصدق وصراحة من ينتهك حقوق الانسان ومن يمول ويزود بالسلاح لقتل الابرياء من المدنيين ومن يفرض حصارا ظالما على الدول لاخضاعها واذلالها الا اذا كانت لاتعتبر ذلك من حقوق الانسان.
كان الاولى ان تكشف من يساند الارهابيين ويخلق ويؤسس الجماعات الارهابية ويقف وراءها ويحرضها دائما على التمرد واختراق القانون والتعدى على الدين والاعراف السائدة والعمل على اسقاط الدول والحكومات الشرعية.
كان الاولى ان تكشف تلك المنظمات الاممية لماذا لم تصل المساعدات الانسانية الى المستحقين ومن يمنعها ومن يستولي عليها ومن يتاجر بماساة الشعوب المغلوب على امرها!
كان الاولى بها ان ترفع عقيرتها ضد عمليات الابادة الجماعية والعرقية ضد اقليات بعينها ترتكبها دول كبرى بالتواطؤ مع دول كبرى اخرى..
كان الاولى ان تحتج ضد الاضطهاد العنصري للمسلمين في اوروبا وامريكا ومن جانب رؤساء تلك الدول بكل وضوح وتبجح ولم يطرف لاحد جفن وتدمع عيناه على حقوق الانسان.
فلم نسمع احتجاجا على مساجد هدمت واخرى اغلقت من الهند وحتى فرنسا تحت دعاوى زائفة واتهامات باطلة وحجج مختلقة لتبرير العدوان والانتهاكات ومسلمون شردوا وطردوا من ديارهم واهليهم ولا جئين يئنون تحت وطأة البرد والثلج في المخيمات تحت العواصف الشديدة ولا يستطيعون العودة الى ديارهم!
حقوق الانسان قضية مهمة للغاية ويجب ان تلقى الاحترام الواجب من الجميع وان تتكاتف كل المنظمات الدولية والاقليمية والمحلية للدفاع عنها بجد وتعمل على ترسيخ مفاهيمها ومبادئها لاسعاد البشرية وحماية المظلومين والمظهدين في كل مكان خاصة والجميع يعلم انه ما من بقعة في العالم حتى في اكثر الدول التى تزعم وتدعي المدنية والتحضر الا وهناك معاناة وهناك فئات تواجه الويلات بسبب الاعتداء على حقوقها الرئيسية وانتهاك انسانيتها وادميتها ايضا .. ولعل وسائل التواصل الحديثة قد فضحت تلك الدول وتستطيع ان ترى تلك الانتهاكات ليل نهار عرض مستمر ومن جهات يفترض انها تطبق القانون حدث ذلك في الولايات المتحدة وفي العديد من الدول الاوربية والاسيوية ايضا وفي الامكان اعداد ملفات اكثر ازعاجا واقوى من ملفات لجان الامم المتحدة بكل سهولة بالصوت والصورة.
المدينة الفاضلة غير موجودة حتى الان على ظهر الكرة الارضية ولم تستطع انظمة الحكم المعاصرة ان توجدها او تؤسس لها حتى الان حتى في اكثر الدول ادعاء بفرض القانون واحترام حقوق الانسان.. سواء في داخل حدودها او في علاقاتها مع دول العالم.
السؤال الجوهري..لماذا هذا الموقف الحاد من حقوق الانسان ولماذا يتم التلاعب بها سياسيا في الداخل والخارج؟!
الجواب ببساطة لانه مصطلح مطاط جدا لايمكن تحديد اطاره ولانه يضم في تكوينه كل شيء يتعلق بالانسان ومع الجهل المطبق بمفهوم حقوق الانسان وغياب هذه الثقافة الحيوية ومعرفة اصولها وفروعها ومتى تكون ومعنى انتهاكها او غيابها او التقصير في فروع منها او اي من فروع يمكن الصمت عليه او غض الطرف عنه واي من الفروع يجوز الاقتراب منه او المساس به ..
هذا الغياب لثقافة حقوق الانسان معناها ومقاصدها هو الذي يمنح كل الفرص للقوى المعادية ان تستغل القضية وتتلاعب بها وتوجيهها حيث تريد فتجعل من الحبة قبة كما يقولون بل من الممكن ان يجعلوها ذريعة للتدخل في شئون البلاد والعباد .. وهي اشبه بورقة حماية الاقليات التى كانت تستخدمها القوى الاستعمارية المحتلة لتبرير الاحتلال والعدوان على الدول وفرض السيطرة عليها لنهب خيراتها وحرمان اهلها من كل شيء..الان يمكن القول ما اشبه الليلة بالبارحة..
التلاعب بقضية حقوق الانسان واشهارها مثل كارت الارهاب في وجه الدول المعاصرة هو دليل على استمرار النزعة الاستعمارية لدى الدول الكبرى ودليل على تحكم التوجهات الاستعلائية وسياسة التفرقة العنصرية البغيضة التى ظن البعض ان العالم الجديد قد تخلص منها.كما يؤكد التلاعب المستمر بحقوق الانسان على وجود الصراع بين قوى عالمية راغبة في الاستحواذ والسيطرة على الدول المحورية على الخريطة العالمية لتبرر وجودها وفرض هيمنتها وسيطرتها والابقاء عليها ضمن مناطق نفوذها.
لو نجحت الدول في ترسيخ المفهوم الشامل لمعنى وحقيقة حقوق الانسان والمراد بها وانها ليست قاصرة على جانب واحد مهما ظن البعض اوتوهم اهميته على غيره من حقوق فانها ستخلق نوعا من الحصانة الفكرية والمجتمعية ضد محاولات استغلال القضية والتلاعب بها لاغراض في نفس يعقوب وعندها يستطيع الفرد ان يقدر الانتهاكات الحادثة بقدرها ويضعها في اطار الفهم الصحيح سواء لاسباب لوجودها والطريقة المثلى لمواجهتها والقضاء عليها او على الاقل الحد منها.
والله المستعان.