شابو لصناع الدراما هذا العام.. من حقهم علينا أن نشكرهم ونشد على أيديهم عندما يقدمون أعمالاً رائعة مثلما ننتقدهم في المقابل إذا حدث العكس وجاءت أعمالهم دون المستوى.
كان من العادي والطبيعي في الأعوام الماضية أن تنطلق سهام النقد للأعمال الدرامية مع قدوم الشهر الكريم والذي أصبح مرتبطاً الى جانب كونه شهراً للعبادة والتقرب الى الله عز وجل، الى موسم لتقديم مالذ وطاب من المسلسلات، وكان الإنتقاد شبه السنوي ينصب ويركز على ضعف السيناريوهات التي تتضمن قصصاً وحكايات لاتتناسب مع جلال شهر رمضان المعظم.
الصورة هذا العام جاءت مغايرة تماماً، حتى لو اختلفنا على مستوى بعض المسلسلات، لكن إجمالاً جاء الموسم ثرياً ومميزاً، ليس لأن صناع الأعمال الدرامية دخلوا في منافسة فيما بينهم لتقديم فن حقيقي فحسب، ولكن لأنهم في ذات الوقت قدموا جرعة مكثفة من الأعمال الوطنية التي نحتاج إليها من وقت لآخر لبث روح الإنتماء في نفوس المشاهدين من ناحية ولكي لا ننسى من ناحية أخرى أين كنا وكيف أصبحنا، فالفن بمثابة ذاكرة للشعوب ترصد وتسجل وتحفظ تجاربنا بكل مافيها من مرارة ودروس مستفادة.
“الإختيار” أصبح أيقونة الأعمال الفنية الرمضانية، وواصل للعام الثاني على التوالي كشف اللثام عن حجم المؤامرة التي يتعرض لها الوطن من خلال التركيز على نماذج حقيقية من عمليات ومهام رجال الظل بالأمن الوطني والقوات الخاصة أو جهاز الشرطة بشكل عام، ودورهم في ملاحقة العناصر التكفيرية وإحباط مخططات حرق البلاد وإشعال الفتن لارباك صانعي.
وإذان كان الجزء الثاني من المسلسل أو الملحمة الدرامية قد جاء امتداداً للنجاح الكبير الذي حققه الجزء الأول، فإن مسلسل “هجمة مرتدة” لم يكن أقل حبكة وتميزاً في إلقاء الضوء على المؤامرة بشكل أوسع وأشمل عبر التركيز على جهود جهاز المخابرات في تتبع خيوط المتأمرين واختراق عدد من الأجهزة المعادية بالخارج وبالتحديد في أوروبا الشرقية حتى نفهم أبعاد المخطط.
في حين غاص مسلسل “القاهرة ــ كابول” في أعماق التكفيريين وقدم عرضاً واضحاً ومهماً لفكرة الولاء المطلق وقدرة قادة التنظيمات الإرهابية على القيام بغسيل عقول لأتباعهم، فيتحول الشاعر الى قاتل بأمر أمير الجماعة والضابط الذي يتولى مهمة الدفاع عن الناس الى قاتل يحرق ويخرب باسم الدين، وهو مايلفت الأنظار الى خطورة تلك الظاهرة وعدم الإستهانة بما يقوم به هؤلاء القتلة من تزييف للأفكار واستغلال الدين لتحقيق أهدافهم الشيطانية.
لقد تعرض الوطن في فترة زمنية استثنائية لما يشبه الإختطاف، وفي الوقت الذي بدأ الخوف والإحباط يتسللان الى نفوس المصريين، كان “رجال الظل” يعملون بلا كلل ويقدمون أرواحهم حتى لانسقط في هوة اليأس التام ومن ثم ينهار ويسقط الوطن.
كل التحية لأرواح شهدائنا الذين قدموا دماءهم ليحافظوا على تاريخ وحاضر ومستقبل “أم الدنيا”.. وكل التحية لمسلسلات رمضان وعلى رأسها “الإختيار 2” و “هجمة مرتدة” و “القاهرة ــ كابول” التي ألقت الضوء على تلك المرحلة الفارقة من تاريخنا، لكي تكون نبراساً أمام الأجيال الجديدة وشبابنا الصغير الذيين ربما لم يدركوا حقيقة ــ وطورة ــ ما جرى في وطنهم، وأيضاَ لمواجهة حملات التزييف وغسيل العقول التي لم تتوقف ــ ولن تتوقف ــ بإعتبارها وسيلة الأعداء والخونة للقفز الى المشهد عندما تتاح الفرصة للتشكيك في كل شيء ولو عبر ارتداء ثوب الوطنية والدفاع عن مصالح البلاد والعباد.
تذكروا دائماً أننا مازلنا ندفع ثمن المؤامرة الكبرى التي استهدفت وطننا.. وتذكروا أن هناك من يدفعون بسخاء حتى نظل نقف على قدم واحدة ولاتقوم لنا قائمة وهي فرصة للعبث بالمنطقة وتغيير معالمها الجغرافية والتاريخية.. وتذكروا أيضاً أن أبناءكم بالجيش والشرطة ما زالوا يقدمون دماءهم بطيب نفس حتى لاتعود تلك الأيام السوداء.
aymanabdalgawad@yahoo.com