أن “دور مصر مشهود به في أزمات الإقليم مثل فلسطين وليبيا ولبنان والعراق ومنطقة الخليج، فهي تعرف كيفية مواجهة التحديات الإقليمية، وتتبع دبلوماسية متعددة الأهداف في هذا التوقيت”. أن “مصر أصبحت تنفذ مشروعات ضخمة في الخارج مثل تنفيذ أكبر سد في تنزانيا.. كما تقدم المساعدات للعديد من الدول، وهذا تأكيد على دورها الإقليمي”.
“توجد عوامل ساعدت مصر على استعادة دورها، مثل القيادة السياسية وعلى رأسها السيسي، وحسابات القوة الشاملة لمصر، وتنويع مصادر السلاح، وتعامل مصر بندية في إطار العلاقات الدولية والإقليمية، وإقامة علاقات جيدة مع الجانبين الروسي والصيني”.
أن “مصر بدأت تستعيد بقوة دورها الإقليمي، وهذه العودة محمودة، فمصر لعبت دورا كبير جدا في الساحة الليبية، وموجودة على طاولة المفاوضات، ولها كلمة مسموعة، وهذا أمر جيد جدا لمصر، التي تستضيف حاليا اجتماعات القوى الليبية في مدينة الغردقة”.
أن “الدور المصري مهم جدا أيضا بالنسبة لفلسطين، فهي ترعى التوافق بين الفصائل الفلسطينية، كما أنها تقوم بالدور الأساسي في أي تهدئة تحدث بين حماس وإسرائيل”.
يمكن تشبيه دور مصر الإقليمي بالطاقة التي “لا تفنى ولا تستحدث من العدم” بحكم مصدر الدور كموقع مصر الجيوسياسي ومواردها الطبيعية والبشرية ورصيدها الحضاري والثقافي كدولة أمة ..إلخ. لكن يمكن المجادلة في أن هذه المؤهلات مكتسبة بالأساس كعوامل طبيعية. فضلاً عن ذلك، فإن الكثير من الأدبيات السياسية الحديثة
يشير إلى “قوة تأثير الدول الصغيرة” بل إن عوامل الموقع والمساحة والموارد الطبيعية والبشرية أحياناً تتحول إلى “نقمة” وليس “نعمة”، وهناك تجسيد لذلك في العديد من النماذج الإقليمية في كافة مناطق الصراع، فالبعض من تلك الدول إما انهار تماماً أو بات عرضة للتفكك أو مأزوم بشكل عام.
ورغم التحديات التي تواجهها مصر فى هذا المجال، لكن توظيفا ذكيا لهذه الأدوات يُعظم من عائداتها الاقتصادية والسياسية والأمنية. الأمثلة كثيرة على ذلك، أبرزها العمل على تحويل مصر إلى مركز لتجارة الطاقة، وانخراط شركات المقاولات المصرية في بناء السدود في أفريقيا، وانخراط مصر في إعادة إعمار ليبيا، ومشروعات الربط الكهربائي بين مصر ودول عربية وأفريقية وأوروبية، والانخراط في الجهود الدولية لإزالة الأعباء عن الاقتصاد السوداني، والقيام بدور ريادي في إعادة إعمار غزة، وغيرها.
هذه الأنشطة لا تسهم فقط في إعادة هندسة البيئات الاستراتيجية -الإقليمية والمحلية- حول مصر، بشكل يعزز المصالح المصرية، لكنها تسهم في بناء شبكة مصالح حقيقية بين مصر والفاعلين في هذه البيئات. هذه المصالح هي الضمانة الحقيقية لحماية الأمن القومي المصري والمصالح المصرية. هذا التوجه يؤسس لفلسفة مصرية مغايرة في التعامل مع المحيط الإقليمي، جوهرها أن عملية التنمية الجارية في مصر لا تتم بمعزل عن تحقيق الأمن والاستقرار في مناطق الجوار الإقليمي،
لكن الفكرة في قوة الدور تتعلق بالقدرة على توظيف الدولة لمصادر وموارد القوة الشاملة بفاعلية، أو ما يسمى بـ”قاعدة القوة” التي بنتها مصر خلال السنوات السبعة الأخيرة، واستثمارها في مجال السياسة الخارجية، باعتبارها أحد المعايير النظرية للقوة الشاملة،
أو بتعبير آخر يمكن القول إن القوة هي “العملة المتداولة” في العلاقات الدولية النشطة والفعّالة، وهى انعكاس لكفاءة الدولة على توظيف وإدارة مكتسباتها مثل الموقع الجغرافي والتراكم الحضاري بتجلياته الثقافية، وتنمية الموارد الاقتصادية والكتلة البشرية وما تتميز به من قدرات نوعية ومدى تماسك الجبهة الداخلية، بالإضافة إلى دور السلطة في الإدارة ومدى قدرتها على تحقيق الإرادة القومية في تلبية الاحتياجات وتوفير الأمن وحماية المصالح الحيوية للدولة.
ولا شك أن عدم الاستقرار في منطقة حوض النيل والقرن الإفريقي ينعكس سلباً على طريق الملاحة الدولي عبر قناة السويس، ومن وإلى المحيط الهندي وبحر العرب وباب المندب ، وشرق إفريقيا ، وهي مصالح مصيرية دائمة ووثيقة والتي مازالت مهددة بعدم الاستقرار والقرصنة، وكذلك التدخلات الأجنبية التي انتشرت في السنوات العشرين الأخيرة، وأثرت على الأمن القومي المصري، وكذلك على الأمن القومي العربي والإفريقي على السواء.
بالرغم من الجهود التي بُذلت من جانب الحكومات المصرية على مدى السنوات الماضية في سبيل تحقيق أهدافنا وتأمين مصالحنا وخاصة حقوقنا المائية، إلا أن هذه الجهود قد تعثرت في النهاية، ووضعت البلاد في مفترق طرق تاريخي في منطقة المصالح المصيرية الدائمة للدولة المصرية، وخاصة بين كل من مصر والسودان من جهة، ودول منابع النيل العليا وخاصة أثيوبيا من جهة أخرى، لا سيما حول صيغة توزيع أو إعادة توزيع مياه النيل بشكل عادل ومنصف تحت مظلة مبادرة حوض النيل.
لقد ظل التوجه الإقليمي المصري متجها بثبات نحو الجنوب، أي نحو القارة الأفريقية، خاصة فيما بين (1840م-1952م)، أي نحو أكثر من قرن تقريباً، ومنذ ثورة يوليو كانت المنطقة العربية أكثر المناطق جاذبية للدور الإقليمي المصري، خاصة بعد أن اختار السودانيون الاستقلال عن مصر عام 1956م، لكن الدور الإقليمي المصري كان دوراً فاعلاً سواء على المستوى العربي أو المستوى الأفريقي على السواء.
وإذا كان الدور الإقليمي المصري في أفريقيا بدأ يتأثر منذ عدوان 1967، إلا أنه بدأ يتراجع بشكل واضح منذ منتصف التسعينيات، بحكم عدة عوامل، منها أن القضايا المطروحة على الساحة لم تعد على نفس جاذبية وملاءمة قضايا التحرر الوطني والاستقلال ومناهضة العنصرية، وهي القضايا التي سيطرت على العمل الإفريقي منذ الخمسينات ولعبت فيها مصر دوراً قائداً ورائداً، فقضايا أفريقيا الجديدة تتعلق بالتنمية والتكامل الإقليمي والمديونية والمساعدات الخارجية أو قضايا الأمن والاستقرار وحل الصراعات، ومشكلات التحول الديمقراطي وقضايا التطرف الديني، وهي قضايا كانت تحتاج ومازالت إلى تطوير نظرة أو نظرية للدور الإقليمي المصري من خلال العمل الجماعي العربي الأفريقي، والاهتمام بالريادة الثقافية خاصة في مناطق أفريقيا العربية والإسلامية، والتحرك بشكل واضح ومؤثر في مجال حل الصراعات وحفظ السلام، واستئناف دور الدولة “الرئيسي” أو المحرك للتعاون العربي الأفريقي بشكل مؤسسي، وهي مناطق التميز لدى الجانب المصري، حيث تتمتع مصر بميزة نسبية تنافسيه على الصعيد الإفريقي والعربي.
بحكم العمق والامتداد السوداني داخل الدائرة النيلية ومنطقة القرن الأفريقي، فقد كفل الوجود المصري القوي داخل السودان كفل تاريخيا منذ تأسيس الدولة المصرية في عهد محمد على حيث كانت حدودها مع الحبشة وأوغندا ،
ويمكن أن يكفل في حالة العلاقات المصرية السودانية القوية في ظل وحدة وادى النيل أو التكامل المصري السوداني الحقيقي بعد استقلال السودان , يمكن أن يكفل نفوذاً قويا لدول المصب في مواجهة مجموعة دول أعالي النيل وبصفة خاصة تجاه إثيوبيا ، وعلى العكس فالوضع المتردي بين مصر والسودان يحرم مصر هذه الميزة الفائقة ومن ميزات أخرى.
وتعد الأداة العسكرية هى العامل المحوري في عملية التوازن الاستراتيجي، وليست استثناءاً في الحالة المصرية. فعلى سبيل المثال، تعكس خريطة الانتشار العسكري للقوى الدولية (الولايات المتحدة والصين وروسيا) هذا الأمر.
كذلك في الحالة المصرية، تجسد علاقات التعاون العسكري مع العديد من القوى الإقليمية والدولية، أحد مظاهر فهم هذه التوازنات. ففي شهر مايو 2021، أجرت مصر 5 مناورات عسكرية في مسارح مختلفة برية وبحرية وجوية، من بينها في إطار عملية التوازن الاستراتيجي الإقليمي، على سبيل المثال، المناورات التي جرت بالتزامن مع كل من باكستان والإمارات، أو التي جرت في تونس ضمن 13 قوة مشاركة منها قوة “أفريكوم” والعديد من القوى الأوروبية والإفريقية.
ومن المهم في هذا السياق أيضاً الإشارة إلى فكرة “اتساق المبدأ والعقيدة”، فمصر تدعو إلى الاستقرار وخفض التوتر الإقليمي، وبالتالي لا تندفع إلى الانخراط في الحروب والصراعات، وتواصل تعزيز قدراتها العسكرية من مبدأ دفاعي وليس هجومياً، على عكس قوى إقليمية أخرى تعكس تعزيزات قدراتها العسكرية تطوير نزعاتها الهجومية في ظل استمرار تنامي انخراطها العسكري فى مناطق الصراعات والأزمات.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان