الشيخوخة هي حقيقة بيولوجية لها طريقتها المعينة في الحدوث خارج نطاق التحكم البشري. يصل البعض إلى عمر السبعين وهم يتمتعون بصحة جيدة، بينما البعض يحتاجون إلى رعاية الآخرين. توجد عدة عوامل تؤثر على صحة كبار السن، قد تكون فردية أو بيئية. تتنوع المشاكل الشائعة التي تصيب المسنين ما بين الجسدية والاجتماعية والنفسية. تكمن أهمية الشيخوخة الصحية في استمرار الاستقلالية عند أداء الاحتياجات اليومية.
مقدمة:
تحدث الشيخوخة على مستوى التغيرات الجسدية كنتيجة لتراكم كميات كبيرة من نواتج تفاعلات الجزيئات والخلايا بمرور الوقت؛ مما يؤدي إلى تضاؤل تدريجي في القدرات الجسدية والنفسية، وزيادة احتمالية الإصابة بالأمراض، والموت في النهاية، ولكن هذه التغييرات ليست حتمية، فقد يصل بعض الأشخاص إلى عمر السبعين وهم يتمتعون بصحة جيدة، بينما بعضهم يصيبهم الوهن ويحتاجون إلى رعاية الآخرين.
تعريف الصحة:
“الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا، وليست مجرد انعدام المرض أو العجز” -منظمة الصحة العالمية.
تعريف الشيخوخة:
“عملية الشيخوخة هي حقيقة بيولوجية لها طريقتها المعينة في الحدوث خارج نطاق التحكم البشري، وبالطبع يختلف تعريفها من مجتمع لآخر، ففي الدول المتقدمة يعتبر العمر مؤشرًا على الشيخوخة، حيث إن 60-65 عامًا هو عمر التقاعد وبداية الشيخوخة، وفي عدة مناطق أخرى لا يؤخذ العمر بعين الاعتبار لتحديد شيخوخة الشخص، فهنالك عوامل أخرى تحدد سن التقاعد مثل: القدرة على أداء الأعمال الموكلة إليهم، أي أن الشيخوخة تبدأ عند عدم قدرة الشخص على المشاركة بشكل فعال في المجتمع”.جورمان 2000.
العوامل التي تؤثر في صحة كبار السن:
عوامل فردية: العادات والتصرفات. التغيرات المتعلقة بالتقدم في العمر. عوامل جينية. الإصابة بالأمراض. عوامل بيئية: البيئة المنزلية. التقنيات المساعدة. المواصلات. المرافق الاجتماعية.
المشاكل الصحية الشائعة لدى كبار السن:
أولًا: المشاكل الصحية البدنية:
الأمراض المزمنة مثل: داء السكري، ارتفاع ضغط الدم، سلس البول، هشاشة العظام، ضعف البصر والسمع، السرطان.
أمراض القلب.
حوادث السقوط والكسور.
أمراض الجهاز العضلي والحركي مثل: التهاب المفاصل، فقد التوازن، اضطراب المشي، صعوبة الحركة أو عدمها.
سوء التغذية (الهزال أو السمنة).
أمراض الجهاز التنفسي مثل: الأنفلونزا، والتهاب الرئتين.
أمراض الجهاز العصبي مثل: الجلطة الدماغية، والرعاش (باركنسون).
مشاكل الجهاز الهضمي مثل: ضعف حاسة التذوق، انخفاض قدرة المعدة والأمعاء على هضم وامتصاص الطعام، الإمساك.
الجفاف.
مشاكل الفم والأسنان مثل: سقوط الأسنان.
ثانيًا: المشاكل العقلية والنفسية:
الأمراض العقلية والنفسية مثل: الخرف، الزهايمر، الاكتئاب، الهذيان.
اضطراب النوم.
ثالثًا: المشاكل الاجتماعية:
العزلة الاجتماعية.
انخفاض مستوى الأداء الوظيفي.
الشيخوخة الصحية:
هي القدرة على القيام بالأنشطة اليومية الأساسية مثل: تناول الطعام، وارتداء الملابس، والاستحمام، والمشي، واستخدام دورات المياه بدون مساعدة الآخرين لأطول فترة عمرية حتى وإن كان يستخدم أدوات مساعدة للمشي والتنقل مثل: العصا، ومشاية كبار السن.
أهمية الشيخوخة الصحية:
إطالة متوسط العمر الصحي النشط.
المحافظة على القدرة الوظيفية خلال مرحلة الشيخوخة واستمرار الاستقلالية في أداء احتياجاتهم اليومية.
خفض الوفيات المبكرة.
رفع الروح المعنوية والشعور بالعافية لدى كبار السن.
زيادة عدد الناس الذين يتمتعون بنوعية حياة إيجابية ويشاركون بأنشطة اجتماعية وثقافية.
خفض تكاليف العلاج الطبي وخدمات الرعاية.
الطريق إلى شيخوخة صحية:
يبدأ الاستعداد للشيخوخة الصحية من عمر مبكر؛ حيث إن هنالك بعض الأمور التي تساعد الشخص على المحافظة على صحته عندما يتقدم في السن، وتشمل:
- المحافظة على السلوكيات الصحية مثل: النظام الغذائي المتوازن، والنشاط البدني المنتظم، والامتناع عن التدخين والتي تساعد على:
الحد من مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة. تحسين القدرات البدنية والعقلية. المحافظة على الكتلة العضلية. الاحتفاظ بوظيفة الإدراك. تأخير الاتكالية.
- الوقاية من الأمراض المزمنة عبر مراحل الحياة يمنع تراكم الآثار السلبية لعوامل خطورتها؛ مما يؤدي إلى تقليل خطر الإصابة بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم، ويقلل خطر الإصابة بمضاعفاتهما، وأهمها الإعاقة الجسدية والجلطة الدماغية وأمراض القلب والأوعية الدموية.
- الحرص على القيام بالفحوصات الطبية الدورية.
- الحرص على التحكم بالأمراض المزمنة.
- البيئات الداعمة التي تساعد على القيام بالأعمال المهمة لهم بغض النظر عما فقدوه من قدرات، مثل: إتاحة المباني ووسائل النقل المأمونة والتي يسهل الوصول إليها، وطرق يسهل السير فيها.
- أخذ قسط كاف من النوم، حيث يشكو كثير من المسنين من مشكلات في النوم مثل: الأرق، والنعاس أثناء النهار، والاستيقاظ المتكرر أثناء الليل، وهنالك عدة إرشادات للحصول على نوم صحي:
التأكد من أن غرفة النوم هادئة ومظلمة وباردة، والفراش مريح. استخدام قناع العين للمساعدة على حجب الضوء. إيقاف تشغيل التلفزيون والأجهزة الإلكترونية ساعة واحدة على الأقل قبل النوم.
مفاهيم خاطئة عن الصحة والشيخوخة:
• إن الوصول إلى عمر معين سيحد الشخص من ممارسة الأنشطة التي اعتاد على ممارستها، ويصاب بالضعف، وسيصبح عبئًا على أهله.
في الواقع ليس جميع كبار السن بنفس المستوى الصحي، فالذي ما زال في قوته يجب منحه الحرية لممارسة الأنشطة التي يستطيع القيام بها، واستغلال قوته بما يعود عليه بالنفع.
• فقدان الذاكرة جزء من مراحل الشيخوخة.
فقدان الذاكرة ليس نتيجة حتمية للتقدم في السن، فيمكن أن يقوم الشخص بتدريب الدماغ، وتعلم كل ما هو جديد في أي سن.
على الرغم من المشاكل الصحية المُتعدِّدة التي ترتبط تدريجيّاً بتقدُّم المرء في العُمر مع تجاوز مرحلة الشباب، والتي تزداد مع مرحلة الشيخوخة، وفق اقترابات البعض، فإن تجارِبَ أخرى تُظهِرُ عكس ذلك، بأن الأمراض المُصاحبة للتقدم في العُمر يمكن تفاديها باحتماليات عالية في حال المُواظبة على الرياضة والأكل الصحي بشكل مستمر طوال العمر حتى مع وصول المرء للثمانين من عُمره.
إن “تعاطينا مع مرحلة الشيخوخة غير مُلائم على الإطلاق. الشيخوخة ليست مرضاً، وأمراض الشيخوخة ليس لها علاقة الوراثة. المشاكل الحقيقية مُرتبطة في الأساس بنمط الحياة، وإذا واظبتَ على مُمارسة الرياضة والأكل بطريقة صحية طوال حياتك فإن احتمالية إصاباتك بأحد أمراض الشيخوخة ضئيلة للغاية، وإذا أُصبت بأحدها فإن احتمالية تعافيك تكون أعلى”، وفق ما نقلت عنه صحيفة “التايمز” البريطانية.
وبحسب الصحيفة ذاتها، فإن لازاروس، البالغ من العُمر 84 عاماً، والذي لا يزال قادراً على العمل دون أي عائق صحي، كان يُعاني زيادة كبيرة في الوزن، وأمراضاً عدَّة، وهو في الخمسين من عُمره أبرزها، السكري، ومشاكل في القلب، وارتفاع ضغط الدم، مضيفةً، نقلاً عنه، أنه “في أحد الأيام، وأثناء تناول الغداء مع زوجته نظر إلى وزنه الزائد، ووضع شوكته، وقرَّر أن هذا يكفي”.
تقول “التايمز”، إنه “بعد لقاء الغداء الذي قرَّر فيه الأستاذ الجامعي أن (هذا يكفي)، بدأ في مُمارسة الرياضة، وتمكَّن من فقد كثير من وزنه، وأحبَّ الحياة، والآن وهو في عُمر الـ84، لا يزال يعمل أستاذاً في جامعته، ولا يُعاني من أي أمراض مرتبطة بتلك المرحلة العمرية، وغير مُواظب على أي أدوية”، وفضلاً عن ذلك، تقول الصحيفة “توصَّل إلى نظريته الخاصة المبنية على عقود من البحث، مفادها أن التقدم في العُمر ليس أمراً خارج أيدينا، كما أنه ليس مسألة جينات، أو حظاً سيئاً، ولكن الأمر كله متروك لنا، إذ عند بلوغنا منتصف العُمر يمكننا اختيار أن يكون التقدم في العُمر بشكل حكيم وجيِّد”.
ووفق “التايمز”، فإن نصيحة الرجل الثمانيني تكمُن في “تناول كميات أقل من الطعام والتحرُّك بصورة أكبر، والاستمتاع بأنفسنا، مع الاحتفاظ بالبهجة وتحفيز أنشطة أدمغتنا”، مشيرةً إلى أنه، وبحسب لازاروس، فإن “المشكلة الرئيسة تكمُن بالأساس في تلقِّي المرء رسائل مختلطة لسنوات. وتنشر المجلات خططاً تمرينية للمساعدة في إنقاص الوزن، مع التأكيد أن السبيل الوحيد لذلك يبقى في استهلاك سُعرات حرارية أقل، وعليه ينظر إلى التمرينات على أنها فقط السبيل لذلك دون اعتبار أنها أسلوب حياة، وهو السبب الرئيس للمشكلة المُروِّعة في السِّمنة”.ويفسر لازاروس المولود في جنوب أفريقيا مفهومه عن ممارسة الرياضة بالقول “يجب عدم التفكير في ممارسة الرياضة على اعتبار أنهار فرض على المرء، ولكن يجب إدراك أنها من أجل الاستمتاع”.
ويقول الثمانيني الذي انتقل لاستكمال دراسته في الولايات المتحدة قبل أن يقابل زوجته الإنجليزية، في ستينيات القرن الماضي، ثم انتقل معها وطفلهما للعيش في المملكة المتحدة، إن “زوجته البالغة من العُمر 87 عاماً، وبفضل حرصها على ممارسة رياضة المشي والاحتفاظ بوزنها، تتمتع أيضاً بصحَّة جيِّدة”، مشيراً إلى أنه وخلال أبحاثه طوال خمس عشرة سنوات عن الشيخوخة توصَّل إلى أن الفكرة تكمُن في كيف تُريد أنت أن ترى نفسك في العُمر المتقدم؟”.
كيف تتقدَّم في العُمر بصحَّة جيِّدة؟
في كتابه الجديد “استراتيجية لازاروس: كيف تتقدَّم في العمر بشكل جيد وحكيم”، يقول الأستاذ الجامعي بـ”لندن كوليدج”، إن التمرينات الرياضية أمر جوهري لتعريف هُويَّتنا، ويتابع “التمرينات أمر حيوي ليس فقط لرفاهيتنا الجسدية والعقلية والبحث عن شيخوخة جيدة، بل أيضاً مفيدة للغاية لعضلاتنا ورئتينا وأنظمة أجسادنا المناعية والهرمونية ومستويات الكولسترول، وذلك بفضل الدم الإضافي الذي يتم ضخُّه حول الجسم”.
وبحسب “التايمز”، فإنه في عام 2018، نُشر البحث الذي أجراه لازاروس وآخرون في مجلة “Aging Cell”، حيث توصَّلوا خلاله إلى أن ركوب الدَّراجات، الذي يُمارسه لازاروس لمسافات طويلة، أكسبتهم أجهزة مناعية لمن هم في سن العشرين من العُمر، مع معدل حرق دهون كما في أجسام المُراهقين، مشيرين إلى أن “كل شيء لديهم من القلب إلى الهرمونات يعمل بشكل مُمتاز”.
تتابع “التايمز”: “أجرى لازاروس وزملاؤه في كينغز كوليدج، مجموعة الاختبارات على راكبي الدَّراجات من كبار السن، والذين تتراوح أعمارهم بين 55 و79، بمن فيهم هو، حيث اختبروا مدى كفاءة تزويد أجسامهم بالأكسجين عند التمرين، وبنية عضلاتهم ووظائفها، وقُدرة الحركة الذهنية، وذلك مقارنة بالأشخاص الذين لم يُمارسوا الرياضة، حيث وجدوا أن كل شيء كان أفضل؛ لأنهم كانوا يُمارسون الرياضة، وسجَّلوا درجات أعلى بكثير من غير المُواظبين على ممارسة الرياضة في الفئة العمرية نفسها”.
وتُضيف الصحيفة “كان الاكتشاف المفاجئ الإضافي هو أن أجهزة المناعة لراكبي الدَّراجات المُسنِّين كانت محمية من آثار الشيخوخة”. وكتب لازاروس في كتابه “أصبح من الواضح أن سلوكنا ونشاطنا البدني لا يؤثر فقط على أجسامنا بأكملها، ولكن أيضاً على جميع الأنظمة، بما في ذلك القلب والأوعية الدموية والجهاز المناعي والجهاز العصبي، وعليه فالرسالة واضحة. فقط اخرُج، وتحرَّك”.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
Virus-free. www.avast.com