لا نعرف الإقصاء ونؤمن بالتنوع والاختلاف.
الطرق الصوفية قوة ناعمة لم تستفد بها الدولة حتى الآن
لنا اتباع في كل العالم ونحتاج اتحادا يوظف جهودنا .
لسنا متواكلين أو أصحاب لحمة وفتة كما يقولون.
أعداء
أطعام الطعام سنة نبوية ..وليست عيبا يعيرونا به
حوار فريد ابراهيم
أصبحت الحاجة إلى التصوف كمنهج حياة محور دعوة كثير من رموز الفكر في العالم خاصة وأنه منهج عالمي موجود في كل التيارات والأديان كما أنه منهج حيياة يعتمد على استيعاب الآخر وقبوله إيمانا منه أن الاختلاف سنة إلهية ستظل قائمة إلى أن تقوم الساعة ورغم أن التصوف موجود في مصر منذ القدم وله شيوخ ومجلس أعلى يضمهم إلا أنه ليس فاعلا وشهد تراجعا كبيرا أمام تيارات التشدد الوافدة والغريبة على المجتمع المصري
لذا كان حوارنا مع الشيخ علاء ابو العزائم شيخ الطريقة العزمية أحد أقطاب التصوف في مصر ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية ليغير لنا سر تراجع التصوف في مصر ولماذا لم
*التصوف لا أثر له في مجتمعنا رغم أنه وسيلة كثير من المجتمعات لإصلاح الفرد والجماعة؟
** التصوف في مصر قديم وكان اغلب المصريين يتبعون طرقا بعينها بل كل الدول العربية والإسلامية كانت كذلك ولما قامت الحركة الوهابية وحاربها محمد علي بأمر من السلطان العثماني زاد ازدهار الطرق الصوفية ولكن لما قامت ثورة ١٩٥٢م وهاجم عبد الناصر رجال الدين في إحدى خطبه وقال إن بعض الشيوخ يفتون بفرخة ووزة و بطة ظن الناس أن عبد الناصر ضد الدين خاصة وأن الدعوة إلى الشيوعية والاشتراكية كانت قد تبنتها بعض رموز الدولة كما التزم النظام الاقتصادي لدينا المنهج الاشتراكي هنا خفتت الجهود الصوفية خاصة وأن التغيرات الاجتماعية التي صاحبت التغيرات الاقتصادية كان لها تأثيرها السلبي على التصوف مثل توزيع الاراضي وتحول معظم المصريين الى ملاك صغار كما سعى الكثيرون إلى العمل في وظائف لها نظامها ووقتها وكذلك راتبها الذي يكفي المواطن بالكاد كل هذا حد من الحركة الصوفية فلم تعد في قدرة شيخ الطريقة السفر لأتباعه والغياب عن عمله لوقت طويل ولم تعد قدرته المادية التي يحكمها مرتب الوظيفة قادر لدي كثير من الشيوخ على الوفاء بمسئولياته كذلك لم يعد الإتباع أيضا قادرين على الالتقاء بشيخهم والسماع منه .
في ذلك الوقت كانت الوهابية في أوج نشاطها فضلا عما كانت تنفقه على هذا النشاط في شراء الإتباع والدعاة المتفرغين الذين يتم الاتفاق عليهم بسخاء بالإضافة إلى ما كانت تقوم به من بناء مساجد تدعو لفكرها فقط وتجارب التصوف وتكفر اتباعه وتخطط لهدم المساجد التي بها أضرحة وتقيم الفضائيات التي تدعو لفكرها الذي يقصي المختلف في الرأي ولايقبل الا ما يقوله شيوخهم في السعودية وما عداه باطل وبالاضافة للوهابية كان الإخوان الذين حاربوا التصوف أيضا واتهموا تباعه بكل ما ينفر الناس منهم
- لكن لماذا صدق الناس هذه الاتهامات فالمتصور أنه ما دام للتصوف مكانة في نفوس الناس فإن هذه المكانة تحميه من محاولات أعدائه النيل منه ؟
**هذا سؤال مهم لأ ن الإجابة عليه تفسر ما حدث وتوضح للناس الحقيقة ..أما لماذا صدق الناس فأقول لأسباب كثيرة أولها سكوت الصوفية على اتهامات الوهابية هذا الصمت جعل كثيرا من الناس يصدقون ما يقوله الوهابية في الصوفية من انهم قبوريون اي يعبدون الأضرحة وأصحاب بدع فإذا أخذنا في الاعتبار جيش الدعاة المسلحين بالمال والفضائيات والعطاء للفقراء وكذلك العمالة التي سافرت إلى مركز الوهابية بأعداد كبيرة وعادت إلى مصر تحمل هذا الفكر نستطيع أن نفهم ما جرى من عمليات تغييب للعقل فقد سار الكثيرون فيما يسير فيه اصحاب هذه الثروات التي تكونت لمجرد أن يلقي الشيخ الوهابي درسا في مسجد خاصة وأن هؤلاء الشيوخ كانوا يحصلون على مرتبات ضخمة من البلد الحامي للوهابية في ذلك الوقت فيصبح حلم الشباب المتلهف على المال أن يكون شيخا وهابي أو يعمل في الشركات والجمعيات التابعة لهذا التوجه ويكون حريصا حرصا شديدا على أن يقصر ثيابه ويمسك سواكة ويردد ما يقول هؤلاء ليكون في زمرة هذه الرفاهية.
*لكن لم تقل فضيلتكم لماذا سكت الصوفية؟
**كان التيار عاليا فالامكانات الصوفية تكاد تكون معدومة في الفترة الاشتراكية والشيخ أو المريد لا طاقة مادية لديه ولا وقت ليواجه هذا الطوفان الذي تدعمه حكومة غنية ليس في مصر بل في العالم أجمع وقد سافر إليها أعداد كبيرة من الشباب للعمل في وتلك الفترة النفطية التي شهدت ارتفاعا في أسعار البترول بعد حرب اكتوبر وعادوا بأفكار الوهابية ولكي يستمروا في عملهم الذي يدر عليهم دخلا كبيرا لابد أن يكونوا وهابيين وإلا طردوا من العمل ليس هذا فقط وإنما فرض على أساتذة الجامعات المعارضين إلى تلك البلاد أن يدرسوا الفكر الوهابي وإلا فسخ عقدهم وفي ذلك خسارة مادية كبيرة لهم بل عاد بعضهم ينشر الوهابية في الجامعة بتكليف من مصادرها ومركزها - لكن الصورة الذهنية للصوفية عند الكثيرين انهم أناس كل همهم الاكل بل كانوا يطلقون عليهم بتوع الفتة فضلا عن ضعف الثقافة؟
** إذا رددت على السؤال بشكل مباشر فأقول لك أن أعداء الصوفية قلبوا الميزة التي يتميز بها الصوفي أو يحرص على التخلق بها الي عيب فنحن نطعم الطعام كما أمرنا سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وجعل ذلك من اسباب دخول الجنة ولا أدل على ذلك من أن أول ما قاله سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله للناس فور وصوله المدينة :أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ” فإطعام الطعام من أفضل الفضائل وعندما يحرص الصوفي عليها فهو يلتزم سنة سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه والتي كانت سلوكا واضحا في المدينة المنورة بعد الهجرة الأمر الذي دفع المنافقين الذين لا يريدون للإسلام خيرا أن يحرضوا الناس على عدم اطعام الطعام وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله :هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ” ويشير القرآن إلى هذا التحريض الذي يسعى للإضرار بقيمة إسلامية وإنسانية غاية في السمو والنفع الإنساني والنفع الإيمانية فيقول تعالى : “وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين امنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين ” ليس هذا فقط وإنما اطعام الطعام هو الفضيلة التي لم يحذرالقرآن من التخلي عنها وإنما حذر من التخلي عن الحض عليها فيقول تعالى :” أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين “.
*ربما يقصد من يقول إن الصوفية بتوع لحمة وفتة انهم متواكلون ولا يحبون العمل؟
**إذا عدنا إلى التاريخ فالصوفية على مدى تاريخهم أهل عمل وجهاد بدليل أن سيف الدين قطز ذلك البطل العظيم الذي هزم التتار كان معه في جيشه كثير من الصوفية وعلى رأسهم العز بن عبد السلام وصلاح الدين الايوبي في انتصاره على الصليبيين كان أغلب جيشه من الصوفية وهو ما ذكره المؤرخون وكان من اشهر من كان معه عبد القادر الجيلاني من العراق وأبو مدين الغوث من المغرب وعبد الرحيم القنائي من مصر كما شارك سيدي ابراهيم الدسوقي وسيدي أحمد البدوي في المعارك ضد الصليبيين مع أبناء صلاح الدين الايوبي.
وفي العصر الحديث عندما أعلن بولفر عن وعده لليهود ١٩١٧م بأن يقيموا دولة لهم في فلسطين أفتى الامام محمد ماضي ابو العزائم بأن من يبيع أرضه لليهود من الفلسطينيين كافر وتطلق زوجته ولا يدفن في مقابر المسلمين لأن البيع هنا ليس بيعا عاديا وإنما هدفه تمليك اليهود للأرض وتفريغ فلسطين من أهلها ليس هذا فقط وإنما عندما سقطت الخلافة على يد أتاتورك دعا الامام محمد ماضي ابو العزائم إلى مؤتمر للعالم الإسلامي في مكة أنفق علية من ماله لاختيار خليفة عام ١٩٢٦م لكن المستعمرين البريطانيين وغيرهم أفشل المؤتمر وعندما قامت حرب ١٩٤٨م ارسلت الطريقة العزمية عددا كبيرا من أبنائها ليكون ضمن الفدائيين فاختاروا منهم ١٢٨شابا مات منهم من مات وجرح من جرح وعاد من عاد
*ربما يقصد من يتهم الصوفية بالتواكل صوفية هذا الزمان ؟
** من يقول ذلك لايعلم إن الصوفية في زماننا يشاركون في بناء الوطن والمجتمع فعندما قامت ثورة ٣٠يونية على الاخوان كانت الطريقة العزمية من المشاركين فيها ضد طغيان الاخوان ولما حاولوا استمالتنا رفضنا بشدة وأقمنا ١٨ خيمة في التحرير كتبنا عليها الصوفية يرفضون الاخوان معلنين بلا خوف رفضنا لحكمهم حتى قامت ثورة ٣٠ يونية وأثناء حكمهم أيضا أقمنا الرابطة المصرية وشارك معنا فيها الإخوة المسيحيون وأقمنا قرابة ٢٩مؤتمرا ضدهم أثناء حكمهم . كما أن الصوفية يتولون مناصب كبيرة في مختلف التخصصات والمجالات ولا يخفى على أحد أن غالبية علماء الأزهر صوفية وشيخ الأزهر صوفي ومفتي الجمهورية الحالي والسابق والاسبق صوفي وشيخ مشايخ الطرق له نشاط سياسي كبير وهو عضو بمجلس النواب ورئيس لجنة التضامن وغيرها من المسئوليات الكبيرة وكان قبل ذلك مسئولا كبيرا في العمل المصري ولو عددت لك لما انتهيت والصوفية تؤمن أن العمل جهاد وتؤمن أن اطعام الفقراء هو من أقرب القربات . - هل استعادت الطرق الان قوتها وهل تستطيع أن تقوم بمهمة دعوية في إطار خطة الدولة في تجديد الفكر الديني؟
- من المؤكد أن التصوف بدأ يستعيد عافيته لأسباب كثيرة منها تخلى الدولة التي كانت وراء الفكر الوهابي عن دعمه بعد إدراك خطورة فرض فكر واحد ورأي واحد على الجميع وكذلك خطورة ما كان يقوم به هذا الفكر من إقصاء المختلف في الرأي أو المعتقد وغير ذلك من أمور تخالف التطور الزمني وتركز على الشكل دون الجوهر كذلك فإن اختفاء الإخوان عامل مهم لأنهم تيار لا يؤمن إلا بنفسه وفكره ويرفض ما عداه ومن هنا خلت الساحة له فبدأ يتولى مسئولياته الدعوية لكن لا يزال في حاجة إلى دعم ليعود بطاقته الحقيقية خاصة أن معظم المصريين صوفية وبالتالي اقترح دعم الطرق الصوفية لإقامة الندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية لشباب الشيوخ ..هذا الدعم سيكون له مردوده ليس في مصر وإنما في كل العالم خاصة وأن الطرق الصوفية منتشرة في كل العالم ونستطيع أن نستفيد بقوتها الناعمة في أفريقيا وأسيا بل أوروبا ويبدأ الدعم من خلال مساعدة شيوخ الطرق على التنقل في أنحاء الجمهورية ليلتقي بأتباعه فنيسر عليه مثلا أجرة المواصلات فلا تكون عائقا له في السفر كما ندعم مؤتمراتهم في مصر وخارجها كما نسعي لأن تكون مصر مركزا عالميا للطرق في أنحاء العالم من خلال مؤتمر عالمي ندعو إليه كل شيوخ الطرق الصوفية في العالم ينتهي باختيار مجلس عالمي يضع برنامج عمل عالمي يحقق التواصل بين أبناء الطرق الصوفية في العالم خاصة وأن معظم هذه الطرق لها أبناء في كل مكان.
- وماذا يمنعكم من إتمام هذا المشروع؟
** المشروع موجود وقد تقدمت بهذا المشروع ايام رئاسة الشيخ حسن الشناوي للمجلس الأعلى للطرق الصوفية لكن المشروع توقف بوفاته وحاولت أن أقيم اتحادا عالميا للطرق وتواصلت مع بعض الدول التي وافقت وقمت بتسجيل الاتحاد في فرنسا لكن لم نستمر لأن هذا العمل يحتاج إلى دعم مالي ومعنوي ضخم لتحقيق أهدافه وإقامة المؤتمرات والتواصل المستمر وهو أمر لا تستطيع المشيخة العزمية بل لا تتحمل إمكانيات المجلس الأعلى للطرق الصوفية المادية فالمشروع يحتاج دعم كبير ورعاية من الدولة ليحقق الهدف