ومن الأدب مع الله (عز وجل) كمال الإخلاص له وحسن مراقبته
ومن تمام شكر المنعم أن تشكر من أجرى الله (عز وجل) لك النعمة على يديه
كتب عادل يحيى
في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير ، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر ، وإسهامًا في بناء الوعي الرشيد وفي الحلقة الثانية والعشرين من برنامج “رؤية” بعنوان : “الأدب مع الله (عز وجل)” أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن الأدب مع الله (عز وجل) هو أعلى مراتب الأدب وأجلها وأزكاها ، وما تأدب أحد بشيء أفضل من أدبه وتأدبه مع خالقه (سبحانه وتعالى) ، وعندما يتحدث أهل العلم عن الأدب مع الله (عز وجل) يتحدثون عن ما كان من أنبيائه ورسله ، ويبدؤون بما كان من الحبيب (صلى الله عليه وسلم) ، في قول الله (سبحانه تعالى): “مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى” ؛ فقد نظر كثير من أهل التفسير إلى ذلك بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يلتفت جانبًا ولا تجاوز ما رآه ولا ذهب ببصره أبعد مما كان له ، وهذا من كمال الأدب مع الله (عز وجل).
مضيفًا أن العلماء حينما تحدثوا عن كمال الأدب مع الله (عز وجل) ذكروا ما كان من الحبيب (صلى الله عليه وسلم) في مواقف متعددة ؛ ومنها ما كان في قوله (سبحانه تعالى): “مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى” ، ومنها ما كان في قوله (سبحانه وتعالى): “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا” ، حيث كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقلب وجهه في السماء مؤملًا من ربه أن يحول وجهته في الصلاة إلى بيت الله الحرام لكنه لم يسأل ذلك من كمال أدبه مع الله (عز وجلّ) ، ومن ذلك أيضًا ما كان من سيدنا يوسف (عليه السلام) مع صاحبيه في السجن ، عندما قال لهما “لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي” ، ولم ينسب العلم إلى نفسه وإنما نسبه إلى الله (عز وجل).
وأيضا ما كان من العبد الصالح في قصته مع سيدنا موسى (عليه السلام) عندما قال في شأن الجدار: “وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي” ؛ فبما أن الأمر فيه فضل عظيم نسب الفضل فيه إلى الله (عز وجل) فلما جاء عند السفينة قال: “فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا” ، فنسب العيب إلى نفسه من كمال أدبه مع الخالق (عز وجل) ، وأيضا في قصة سيدنا إبراهيم (عليه السلام) عندما يقول : “الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ” ؛ فنسب الفضل في ذلك من هداية والإطعام والسقيا إلى الله (عز وجل) فعندما جاء المرض – وكل شيء بأمر الله وقضائه وقدره – من كمال الأدب مع الله قال: “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” ، ومنه أيضًا ما كان من أدب سيدنا أيوب (عليه السلام) في قوله (سبحانه وتعالى): “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ” ، وفي قوله (سبحانه وتعالى): “وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ” ، فنسب ذلك إلى الشيطان ، ومن الأدب مع الله (عز وجل) كمال الإخلاص له ، وحسن مراقبته ، وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، يقول الحق (سبحانه وتعالى) على لسان نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” ، ومن الأدب مع الله (عز وجلّ) عدم التقديم بين يدي الله ، يقول الحق (سبحانه وتعالى): “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” ، وعندما بعث سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) إلى اليمن قال له: “يا معاذ! كيف تَقضي إذا عرَضَ لكَ قَضاءٌ؟ قال: أقْضي بكِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، قال: فإنْ لمْ تَجِدْ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟ قال: فبِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فإنْ لمْ تَجِدْ في سُنَّةِ رسولِ اللهِ ولا في كِتابِ اللهِ؟ قال: أجْتَهِدُ رَأْيي ولا آلُو . قال: فضرَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صَدْرِه ، وقال: الحمْدُ للهِ الَّذي وَفَّقَ رسولَ رسولِ اللهِ لِمَا يُرْضي رسولَ اللهِ” ، ومنها الرضى بقضاء الله وقدره ، يقول الله (عز وجلّ): “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” ، ويقول (سبحانه وتعالى): “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “ذاقَ طعمَ الإيمانِ من رضيَ باللَّهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليه وسلم رَسُولًا” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ” ، ومنها شكر النعمة حيث يقول (سبحانه وتعالى): “وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ” ، ويقول (سبحانه وتعالى): “وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا” ، ويقول (سبحانه وتعالى): “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” ، ويقول (سبحانه وتعالى): “وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ” ، ويقول (سبحانه وتعالى): “اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ” ، ويقول (سبحانه وتعالى):” مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا”.
مؤكدًا أن لشكر الله (عز وجل) فوائد عديدة منها : أنه يعود بالخير على الشاكر ، يقول (سبحانه وتعالى): “وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ” ، ومنها حفظ النعمة حيث يقول (سبحانه وتعالى): “وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” ، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول للسيدة عائشة (رضي الله عنها): “يا عائشةُ أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ تَعالَى فإنَّها قَلَّ ما نَفَرَتْ من أهلِ بَيْتٍ فَكَادَتْ أنْ تَرْجِعَ إليهِمْ” ، ومنها أن الشكر يأتي بالمزيد حيث يقول (سبحانه وتعالى) : “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” ، ومن تمام الشكر أن تشكر من أجرى الله لك النعمة أو الخير على يديه ، ففي الحديث القدسي: “عِبَدِيْ! لَمْ تشكرني إِذَا لَمْ تَشْكُرْ مَنْ أَجْرَيْتُ النِّعْمَةَ عَلَى يَدَيْهِ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “من صنع إليكم معروفًا فكافِئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافِئوه فادعوا له حتى ترَوا أنكم قد كافأتُموه” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ أُولِيَ معروفًا فَلْيَذْكُرْهُ ، فمَنْ ذكرَهُ فقد شَكَرَهُ ، ومَنْ كَتَمَهُ فقد كَفَرَهُ” ، نسأل الله العليَّ العظيم أن يجعلنا من الشاكرين وأن يجملنا بحسن الأدب معه (سبحانه وتعالى) إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.