هناك إجماع بين المراقبين للشأن الإسرائيلى على أن الحكومة الجديدة التى يقوم بتشكيلها حاليا بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود ستكون الأكثر تطرفا والأشد عنفا فى تاريخ إسرائيل، ليس فقط بسبب طبيعة شخصية نتنياهو وتطرفه، وليس فقط بسبب الظروف المحيطة التى تشجع هذا التطرف وتنميه، وإنما أيضا بسبب الحلفاء الجدد من تيار الصهيونية الدينية واليمين المتشدد، الذين اختار نتنياهو أن يتعاون معهم بعد أن حققوا نتائج غير متوقعة فى الانتخابات الأخيرة، رفعت من سقف طموحاتهم .
وقد شهدت الانتخابات الأخيرة تعاظم قوة هذه الأحزاب اليمينية المتشددة التى كانت توصف فى إسرائيل وأمريكا بأنها أحزاب إرهابية، كما برزت فى الانتخابات شخصيات كانت ملاحقة بأحكام قضائية واتهامات تتعلق بالتحريض على العنف والإرهاب والعنصرية والخروج على قانون الدولة الإسرائيلية، وهو ما يعكس المزاج العام للمجتمع الإسرائيلى الذى بات يميل بشدة نحو قمة التطرف والتشدد .
ويأتى على رأس حلفاء نتنياهو الجدد تحالف ” الصهيونية الدينية “، الذى يضم ثلاثة أحزاب يمينية متشددة ( حزب تكوما أو الاتحاد القومى، وحزب عوتسماه يهوديت أو القوة اليهودية، وحزب نوعم )، وهذا التحالف يشكل تيارا يجمع بين الصهيونية والديانة اليهودية، ويوصف بأنه متطرف جدا تجاه الفلسطينيين والعرب والأقليات والأجانب بصفة عامة، ويركز على ما يسمى بأرض إسرائيل الكبرى التى تشكل دولة لليهود فقط، ويدعم تعزيز الاستيطان فى الضفة الغربية المحتلة، وتكريس صلاة الجماعات اليهودية فى باحات المسجد الأقصى .
ويرأس هذا التحالف عضو الكنيست إيتمار بن غفير و شريكه بتسلئيل سموتريتش، وقد بدأ بن غفير ـ 46 عاما ـ مسيرته تابعا لحركة ” كاخ ” المحظورة، التى أسسها الحاخام المتطرف مائير كاهانا، والمدرجة على قوائم الإرهاب الإسرائيلية والأمريكية، وكثيرا ما وجهت ضد بن غفير اتهامات بالشغب وتخريب الممتلكات والتحريض على العنصرية وتأييد منظمات إرهابية، وفى عام 2007 أدين بحكم قضائى فى قضية التحريض العنصرى ودعم حركة ” كاخ ” .
ولد بن غفير فى القدس الغربية عام 1976 فى أسرة يهودية عراقية الأصل، ويسكن الآن فى مستوطنة ” كريات أربع ” المقامة على أراضى الخليل جنوبى الضفة الغربية المحتلة، ويفخر دائما بأنه يحتفظ بصورة باروخ جولدشتاين معلقة على جدران بيته، وجولدشتاين هو منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمى فى مدينة الخليل، التى قتل فيها 29 من المصلين الفلسطينيين، وقد انضم حزب بن غفير ( حزب عوتسماه يهوديت أو القوة اليهودية ) إلى تحالف الصهيونبة الدينية مع الحزبين المتطرفين الآخرين بناء على مبادرة من نتنياهو .
أما بتسلئيل سموتريتش فقد نشأ فى مستوطنة ” بيت إيل ” فى مدينة رام الله، ونشط فى مجالس المستوطنات، ووجهت ضده تهم بالتحريض على العنف اعتقل بسببها لعدة أسابيع، وكان من مؤيدى حركة التمرد على خطة إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من قطاع غزة، ويقوم برنامجه ـ مثل بن غفير ـ على الدعوة إلى طرد الفلسطينيين، وضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، وتفكيك السلطة الفلسطينية، واستخدام القوة المفرطة ضد الشعب الفلسطينى .
ويسعى كل من بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إلى الحصول على حقائب حساسة فى حكومة نتنياهو القادمة، كوزارة الأمن الداخلى ( الشرطة ) ووزارة الدفاع، وهو مايقلق الأوساط الأمنية الإسرائيلية، كما يقلق الحلفاء الأمريكيين الذين يعملون على تهدئة الأوضاع فى الشرق الأوسط، والحيلولة دون وصولها إلى نقطة الانفجار .
وقد أفصح بن غفير عن تصميمه على تولى وزارة الأمن الداخلى فى هذه الفترة التى تشهد تصاعد التوترات مع الفلسطينيين فى العديد من المدن، وكتب على تويتر يقول : ” حان الوقت لفرض النظام هنا، حان الوقت ليكون هنا سيد للأرض “، لكن هل سيستجيب نتنياهو لضغوط حليفيه الجديدين فيما يتعلق بدورهما فى الحكومة القادمة وتوجهاتها ؟
لاشك أن نتنياهو سوف يقدم لهما تنازلات لضمان استمرار التحالف معهما، خصوصا أنهما يعدانه بتقييد نظام المحاكم، والحد من سلطات القانون، بما يساعده على الإفلات من ملاحقات قضائية بشأن تهم الفساد التى تهدد وزوجته، لكنه سيكون محكوما فى ذلك بالتوازن الذى يجب أن يحافظ عليه أمام السلطات الأمريكية التى تطالبه دوما بالحفاظ على شكل دولة القانون المدنية الديمقراطية فى إسرائيل، حتى يستمر الدعم الذى تحصل عليه، وحتى يتم تمديد اتفاقات إبراهام للتطبيع مع دول عربية جديدة .