كتب عادل يحيى
يسرنا أن ننشر موضوع خطبة الجمعة القادمة 8 جمادى الأولى 1444هــ الموافق 2 ديسمبر 2022م ، تحت عنوان: “حق الزمالة والجوار”.
مع التأكيد على جميع السادة الأئمة الالتزام بموضوع الخ
طبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة عن عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية.
.. الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}، وأَشهدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّدًا عَبدُه ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
وبعد:
فإن إكرام الجار والإحسان إليه من كمال الإيمان، وحُسن الإسلام، وهو مما يوثِّق أواصر المودة والألفة، ويشيع روح التعاون والتكافل في المجتمع، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (أَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا).
وقد حذر الإسلام أشد التحذير من إيذاء الجار، قولًا أو فعلًا أو بأي صورة من صور الإيذاء، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)، أي: شروره، وقد ذُكر لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) امرأة صوَّامة قوَّامة، تصوم النهار وتقوم الليل، لكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال (صلى الله عليه وسلم) عنها: (هِيَ في النَّارِ).
وللجوار صور متنوعة، حيث يقول الحق سبحانه في بيانها: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}.
ومن أهم صور الجوار جوار الزمالة في العمل، سواء في الدراسة وطلب العلم، أم في العمل العام أو الخاص أيًّا كان نوع هذا العمل، إداريًّا، أم مهنيًّا، أم حِرَفِيًّا، أم قياديًّا، أم مجتمعيًّا أو تطوعيًّا، فهي داخلة في معنى قوله تعالى: {والصَّاحِب بِالجَنْبِ}، والزملاءُ في العمل أصحاب وجيران، ينبغي أن تسود بينهم روح التآلف والتكامل، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ).
ومن أهم حقوق الزمالة التعاون فيما بين الزملاء، ونقل الخبرات، والتناصح، وتبادل المعلومات بما يحقق صالح العمل وإتقانه على أكمل وجه، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (الدِّينُ النَّصِيحَةُ).
ومنها: كف الأذى، والبعد عن أسباب التشاحن، والتباغض، والتحاقد، والغيبة والنميمة، والوقيعة بين الزملاء، فإن الأرزاق مقسومة وفق حكمة أرادها رب العالمين، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يََعبُدَهُ المُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (نَفَثَ رُوحُ القُدُسِ فِي رَوْعِي أَنَّ نَفْسَاً لَنْ تَخرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَسْتَكمِلَ أَجَلَهَا، وَتَستَوعِبَ رِزْقَهَا، فَأَجمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحمِلَنَّكُمْ اسْتِبطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ).
ومنها: تفريج الكربات، والتكافل عند المهمات والملمات، بما يحقق معنى الجسد الواحد الذي أكَّد عليه الإسلام، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَوَاصُلِهِمْ مِثْلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبةً منْ كُرب الدُّنْيا نفَّس اللَّه عنْه كُرْبةً منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومَنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْهِ في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومَنْ سَتَر مُسْلِمًا سَترهُ اللَّه فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ).
**
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن من حقوق الزمالة ضبط النفس وتحمُّل الأذى إن وقع من البعض، واحتساب الأجر في ذلك عند الله (عز وجل)، يقول الحسن البصري رحمه الله: لَيْسَ حُسْنُ الْجِوَارِ كَفّ الْأَذَى، وَلَكِنَّ حُسْنَ الْجِوَارِ احْتِمَالُ الْأَذَى، فتَحَمُّلُ أذى الجار من شيم الكرام، حيث يقول الحق سبحانه: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، ويقول تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
فما أحوجنا إلى الوعي بحق الجوار، بما يقوي أواصر النسيج الاجتماعي، ويحقق الاستقرار والأمن المجتمعي.
اللهم وفقنا إلى فعل الخيرات، واحفظ مصرنا من كل سوء، وسائر بلاد العالمين