الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والفضل والإنعام، أمرنا بصلة الأرحام، وخص الأخ بمزيد من البر والإحسان
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا).
إن للأخ منزلة كريمة، ومكانة سامية عظيمة؛ فهو عطية من الله تعالى، وهبة منه سبحانه؛ قال عز وجل عن سيدنا موسى عليه السلام:( ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا). وذلك بعدما دعا موسى ربه أن يجعل أخاه هارون معينا له، وشريكا في أمره فقال:( اشدد به أزري* وأشركه في أمري). فالأخ هو الحصن لأخيه والمنعة، ومصدر العون والقوة؛ يقف معه ويؤازره بكل ما استطاع، ويكون ركنه الذي يلجأ إليه في مواجهة أعباء الحياة؛ لتتحقق بينهما الصلة في أبهى صورها، وأرقى تجلياتها؛ ويحققا لأهلهما السعادة والاطمئنان، ولأسرهما الترابط والانسجام، ولمجتمعهما التلاحم والسلام. فما هو واجب الأخ تجاه أخيه؟
لقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأخ سواء كان شقيقا أم لأب أو لأم، أو كان أخا من الرضاعة؛ هو أولى الناس بالإحسان، والبر والإكرام، بعد الأب والأم والأخت؛ قال عليه الصلاة والسلام :«بر أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك». وبر الأخ يكون بالسؤال عنه وعن أولاده وأهله، وتفقد أحواله، والتودد إليه، وزيارته وصلته، ومشاركته في أفراحه وأتراحه؛ فيفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، فالصلة التي تسري في عروق الإخوة واحدة، فقد تربوا في بيت واحد، واجتمعوا على طعام واحد، تجمعهم ذكريات جميلة في طفولتهم، ومواقف لا تنسى في نشأتهم، وصباهم وشبابهم، وتوحدهم علاقات المحبة والتعاون طيلة حياتهم. وإن قوام العلاقة الصادقة بين الأخ وأخيه: أن يحب له ما يحب لنفسه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه :«أتحب الجنة؟» قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم :«فأحب لأخيك ما تحب لنفسك». أي أحب لأخيك من النسب وغيره ما تحب لنفسك من الخير. فالأخ يحب لأخيه الخير، ويعمل على تحقيق نفعه؛ كما فعل الوليد بن الوليد رضي الله عنه، حين أرسل إلى أخيه خالد بن الوليد رضي الله عنه رسالة يدعوه فيها إلى ما فيه رفعته، وبه نجاته وفوزه؛ قال خالد رضي الله عنه: فلما جاءني كتاب أخي… عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وأسلمت.
والأخ مرآة أخيه؛ إذا رأى فيه عيبا أصلحه، وإن وجد فيه نقصا أكمله، وإذا نصحه أخلص النصيحة له، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له»؛ فينصحه بالفضائل، ويدله على المحاسن، ويستشيره فيما عرض له من الأمور؛ فقد سئل عبد الله بن المبارك رحمه الله: ما خير ما أعطي الإنسان؟ فقال: غريزة عقل. قيل: فإن لم يكن؟ قال: حسن أدب. قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ شقيق يستشيره.
إن الأخ الصغير يعرف لأخيه الكبير فضله، فيكن له التوقير والاحترام، وينزله منزلة أبيه في التقدير والإكرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« ليس منا من لم يوقر كبيرنا». وكان أحد أحفاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عالما بالحديث الشريف… وكان كلما سئل عن حديث؛ أحال السائل على أخيه الكبير احتراما له وتقديرا. والأخ الكبير رحيم بأخيه الصغير؛ يشفق عليه، ويوليه اهتمامه، ويرعاه ويعلمه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم :« ليس منا من لم يرحم صغيرنا». وإن الأخ حليم متسامح؛ فإذا وقع بينه وبين أخيه خلاف أو خصومة سارع إلى تجديد الصلة، وتقوية العلاقة، وبادر إلى الصفح والعفو، فإن ذلك من شيم الكرام، وصفات الكبار؛ وما أصدق الشاعر حين قال: ولا تقطع أخا لك عند ذنب
فإن الذنب يغفره الكريم
إن الأخ يتعاون مع أخيه بحب، ويسعى في تيسير أموره بود، ويمده بماله عند حاجته بكرم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك». وإن الهدية تعمق المودة بين الأخ وأخيه، وتعزز بينهما المحبة والإخاء، لذا حرص عليها الصحابة رضي الله عنهم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوبا جميلا، فأهداه عمر رضي الله عنه إلى أخ له. فكان الأخ أول من فكر فيه عمر رضي الله عنه؛ ليؤثره بالهدية على نفسه. ومن أفضل ما يقدمه الأخ لأخيه دعوة صالحة بظهر الغيب، فذلك مما يعود بالخير والبركة عليهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل؛ كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل». فاللهم اجعلنا من الواصلين أرحامهم، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين صلى الله عليه وآله وسلم