بحضور أئمة وعلماء دولة تنزانيا
وزير الأوقاف في خطبة الجمعة بمسجد السيدة نفيسة :
شكر المعروف معروف وديننا قائم على التراحم والتكافل
والوصية بالضعفاء أصل راسخ في ديننا
كما يؤكد : الأيام دول وطلاقة القدرة الإلهية لا حدود لها
كتب عادل يحيى
في إطار الدور التثقيفي والتنويري الذي تقوم به وزارة الأوقاف، والتوعية بقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان، وغرس القيم الإيمانية الصحيحة، ألقى معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف خطبة الجمعة اليوم 10 فبراير 2023م بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بالقاهرة، تحت عنوان : “حسن العشرة وحفظها”، بحضور أئمة وعلماء دولة تنزانيا المشاركين في الدورة المتقدمة بأكاديمية الأوقاف الدولية، ولفيف من قيادات الوزارة، وجمع غفير من المصلين.
وفي خطبته أكد أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن الحياة الإنسانية الرشيدة إنما تقوم على الرحمة والتكافل والتراحم، فالإنسان أخو الإنسان، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، وبخاصة في التعامل مع الضعفاء، وحفظ العهد، وحسن العشرة، فالكبير كان صغيرًا يومًا ما، والأستاذ كان طالبًا يومًا ما، فإن كنت أستاذًا فتذكر يوم أن كنت طالبًا، وإن مكن الله لك على جماعة من الناس في حرفة أو مهنة أو صنعة فصرت رئيسًا في عمل ما فتذكر يوم أن كنت مرؤوسًا فيه، وتذكر قول الله تعالى: “كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ”، واعلم أن صغير اليوم سيكون كبير الغد، وضعيف اليوم قد يكون قوي الغد، وأن فقير اليوم قد يكون غني الغد، “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ” فالأيام دول، وطلاقة القدرة الإلهية لا حدود لها، وتذكر قول النبي (صلى الله عليه وسلم): “هلْ تُنْصَرونَ وترزقون إلا بضعفائِكمْ”، ثم إذا أحسن إليك إنسان في أي موقف من المواقف فعليك بحفظ العهد، وحسن العشرة، وعدم التنكر لمن أحسن إليك، فلا يحفظ الود إلا كريم.
وقد علمنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) ذلك في أسمى صورة، فكان أحسن الناس وفاء لأزواجه، وأصحابه، والناس أجمعين، تأتيه (صلى الله عليه وسلم) امرأة عَجُوزٌ فيحسن إليها أعظم الإحسان، ويكرمها أشد الإكرام، وعندما تسأله السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن ذلك، يقول (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومَالِهِ أبو بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ، إلَّا بَابُ أبِي بَكْرٍ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “ما لِأَحدٍ عندَنَا يَدٌ إلَّا وقَدْ كافأناهُ، ما خلَا أبا بكرٍ، فإِنَّ لَهُ عِندنَا يَدًا يُكافِئُهُ اللهُ بِها يَومَ القيامَةِ، ومَا نفَعَنِي مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِني مالُ أبي بِكْرٍ، ولَوْ كنتُ متخِذًا خَلِيلًا، لاتخذْتُ أبا بكرٍ خلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ صاحبَكُمْ خليلُ اللهِ”، وهذا تطبيق عملي لقوله (صلى الله عليه وسلم): “من صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه فإنْ لم تَجِدوا ما تكافِئونَه فادْعُوا له حتى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه”.
وأشار وزير الأوقاف خلال خطبته إلى أن بعض الناس لا يحسب المعروف إلا إذا كان مالًا، بل المعروف معروف في كل شيء، فمن قال في حقك كلمة طيبة فقد صنع إليك معروفًا، ومن دفع عنك الأذى يومًا ما فقد صنع إليك معروفًا، ومن شهد إلى جانبك شهادة حق فقد صنع إليك معروفًا، من سلمت من أذاه فقد صنع إليك معروفًا، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) خير الناس في حفظ العهد وحسن العشرة، وكان (صلى الله عليه وسلم) قد تربى في بيت عمه أبي طالب، فلما ماتت زوجة عمه فاطمة بنت أسَدِ بنِ هاشمٍ أم سيدنا عليٍّ (رضِيَ اللهُ عنه) دخَل عليها رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) فجلس عند رأسها، فقال : “رحِمَكِ اللهُ يا أمِّي، كنْتِ أمِّي بعدَ أمِّي”، وكفنها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قميصه وقال: “لم نلق بعد أبي طالب أبر بي منها” ونزل قبرها واضطجع فيه ليكون رحمة لها.
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ”، فشكر المعروف معروف، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “من سأل باللهِ فأعطُوه، ومن استعاذ باللهِ فأَعِيذُوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تَجِدوا ما تكافِئونَه فادْعُوا له حتى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه”.
كما أكد أن ديننا قائم على التراحم والتكافل، والوصية بالضعفاء أصل راسخ في ديننا، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): “الراحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ”، وقائم على حسن المعاملة، وحفظ العهد، حيث يقول سبحانه: “هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ”، وعندما نقرأ قول الله تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”، فإياك أن تظن أن حسن معاملة والديك هو تفضل منك عليهما، بل هو رد لبعض جميلهما، وعن المعاملة بين الأزواج يقول سبحانه: “وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ”، وعن معاملة الجيران يقول (صلى الله عليه وسلم): “خيرُ الجيرانِ عندَ اللهِ خيرُكم لجارِه”، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ”، ولا خير في من لا خير فيه.
فالمؤمن سهل هين لين يألف ويؤلف عفيف وفي، ولا سيما مع الضعفاء وعن معاملة من كانوا في خدمتك يقول (صلى الله عليه وسلم): “هُم إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تحت أيْديكم، فمَن كان أخُوه تحت يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يَأكُلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كَلَّفتُموهم فأعينُوهم”، هذا هو ديننا دين التراحم وتذكر قول النبي (صلى الله عليه وسلم): “هلْ تُنْصَرونَ إلا بضعفائِكمْ”، فالله الله في الضعفاء، الله الله في الوالدين، الله الله في الأزواج والجيران، الله الله فيمن صنع إليكم معروفًا، ولو بكلمة طيبة، وكل إناء بما فيه ينضح.