لغتنا العربية الأم جزء لا يتجزأ من شخصيتنا الثقافية ، وركن رئيس من أركان الهوية ، وهي وعاء الفكر ، ووسيلة التواصل والاتصال ، وسوف تظل لغتنا العربية ، حتى وإن زاحمتها لغات أخرى ، تظل هي أقرب اللغات للتعبير عن الوعي الجماعي للأمة ، و الخلجات الدقيقة على اختلاف ميادين الإرسال والاستقبال.
ولغتنا العربية من أكثر اللغات تحدثًا من بين مجموعة اللغات السامية، و هي إحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، ويتحدث بها نصف مليار نسمة تقريبا ، معظمهم في الوطن العربي، وفي بعض المناطق من مثل : تركيا، وتشاد، ومالي، والسنغال، وأرتيريا، والهند، وباكستان، وغيرها من الدول الإسلامية .
غير أن هناك ما يعيق انتشار هذه اللغة الراقية ، ممثلاً آفة تؤثر سلبًا على ازدهار هذه اللغة العليا ، ويمثل تحدياً حضارياً كبيراً يضع هذه اللغة أمام خطر محدق ، من بين ذلك استعمال اللغة الأجنبية في التواصل بين الناس، وكأن اللغة العربية لم تعد صالحة للتفاهم بين أفراد المجتمع ، ومن بينها ما يتصل بقضية المعلم ، وطرائق التدريس ، والمنهج ، فهناك مشكلة يواجهها الطفل العربي في المدرسة ، فهو لا يتعلم في بداية حياته اللغة الأم وإنما يتعلم لغة هجينة في سن مبكرة ،
وقد رأينا في بلادنا اتجاهين متعارضين : أحدهما : يؤكد على ضرورة الأخذ بمظاهر التقدم الحضاري وما يشتمل عليه من تعليم أفراد المجتمع لغة أجنبية أو أكثر ، لأننا نحيا في ظل العولمة (Globalization), ولابد من توسيع مدارك الطفل ، وإثراء تجربته ، والاتجاه الثاني : يرى أن تدريس لغة أجنبية في المرحلة الأساسية, سيؤدي إلى تفتيت الثقافة والهوية القومية والمتمثلة في اللغة الأم , و في حال دراسة لغات أخرى فإن ذلك سيؤثر على الهوية ، لأن اللغات الأجنبية ليست مفردات وقواعد صماء ، ولكنها ثقافة ، وعادات ، وطراز حياة مختلف ، وهوية مختلفة ستؤثر سلبًا على هويتنا العربية التي في المقدمة منها لغتنا العربية الكريمة .
ومن آفات العربية كذلك ، أن القائم على تعليمها غير مؤهل ، فلا يُنتقى بعناية ، ولا يدرب التدريب الكافي الذيب يجعله مزودًا بالمعارف والمهارات اللازمة .
فمهنة التدريس ليست مهنة من لا مهنة له ، فمسئولية المعلم لا تقف عند حدود تزويد طلابه بالمعلومات ، لكنها تتخطى هذا الأمر إلى المشاركة في نمو الطلاب الفكري والعاطفي والشخصي ….. ، واكتشاف الحياة ، وتزويدهم بالمعرفة بمعناها المتسع المطلق.
ولقد رأيت حسًّا وعقلاً أصنافًا من القائمين بعملية التدريس في مدارسنا ، وجامعاتنا العربية والإسلامية على اختلاف درجاتهم العلمية التي تنتهي إلى درجة أستاذ ، أو أستاذ التعليم العالي كما يطلقون عليه في دول المغرب العربي، رأيتهم وهم يمارسون عملية التدريس أصنافًا ستة من حيث تحقيق الاتصال والتواصل مع طلابهم ، وأكرر من حيث تحقيق الاتصال والتواصل مع طلابهم:
الصنف الأول : المعلم – تجاوزًا – الذي لا يملك إلا القليل من المعرفة ، ولم يتعلم ولا يرغب في تعلم استراتيجيات التدريس وطرائقه ، ولا يواكب عصره ، ولا يمتلك السمات الشخصية التي تيسر له تحقيق نوع من الاتصال والتواصل مع طلابه . ( فقير علمًا واتصالاً وتواصلاً ، ويصنف في نظري على أنه من ذوي القدرات الضعيفة )
الصنف الثاني : ذلك المعلم العالم غير أنه غير قادر على تحقيق الاتصال والتواصل مع طلابه ، لأنه لا يوصف بما يطلق عليه ( الشخصية الكاريزمية)، ولا يرغب في تعلم استراتيجيات التدريس وطرائقه ، ويصنف في نظري على أنه من ذوي القدرات المتوسطة )
الصنف الثالث : ذلك المعلم المحاضر الذي لا يملك إلا القليل من المعرفة ، ولا يرغب في تعلم استراتيجيات التدريس وطرائقه ، غير أنه يمتلك بعض السمات الشخصية التي تيسر له تحقيق نوع من الاتصال والتواصل مع طلابه . ( صنف موجود بكثرة ويصنف في نظري على أنه من ذوي القدرات المتوسطة )
الصنف الرابع : وهو المعلم العالم القادر على تحقيق قدر من الاتصال والتواصل مع طلابه ( شخصية كاريزمية)، لكنه لا يرغب في تعلم استراتيجيات التدريس وطرائقه ، ولا يواكب عصره ، ويصنف في نظري على أنه من ذوي القدرات الجيدة )
الصنف الخامس : وهو المعلم العالم القادر على تحقيق قدر كبير الاتصال والتواصل مع طلابه ( شخصية كاريزمية) ، يرغب دائمًا في تعلم الجديد من استراتيجيات التدريس وطرائقه ويواكب عصره ، ويطور من قدراته ، وهو من النوع الممتاز.
الصنف السادس : ويمثله المعلم الملهم فائق القدرة القادر عل تغيير السلوك ، و تحقيق التواصل والاتصال -، الملهم -، ذو الشخصية الكاريزمية ، الذي يواكب عصره ، ويطور من قدراته ، و يقتدي به طلابه ، و يكتشفون عن طريقه الحياة ، و يطابق قوله فعله ، و يعرف كيف يتكلم ، وكيف يصمت، وكيف يتحرك، وكيف يشير، فترى جسده انعكاس روحه ، يقرأ طلابَه – علمًا – من نظرات عيونهم ، وحركات أجسادهم ، ذلكم هو المعلم الملهم .
ففي ملتي واعتقادي أن المعلم الحقيقي ليس فقط هو الذي يلقن علمًا ، أو يفسره ، أو حتى يبرهن عليه ، لكنه في نظري من يخلخل هذه الأفكار التي استقرّت في نفوس معتنقيها، وتغلغلت في عقول عبادها ، هو من يجعلنا متعلمين بحق ، حين تسمو في عقولنا أنماط عليا من التفكير الناقد ، والتفكير الابتكاري، إنه ذلكم الأستاذ الذي يغيرنا إيجابا ، ويستفز عقولنا، ويسمو بأرواحنا إنه باختصار شديد يا سادة ذلكم المُلهم الذي يكاد أن يكون نبيًّا غير أنه لا يُوحى إليه .
الاستاذ ىجامعة قناة السويس