كتب عادل يحيى
في إطار دور وزارة الأوقاف في نشر الفكر الوسطي المستنير، وإسهامًا في بناء الوعي الرشيد، وفي الحلقة الثامنة والعشرين من برنامج: “الأسماء الحسنى” للأستاذ الدكتور/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أكد وزير الأوقاف أن الوهاب اسم من أسماء الله (عزو جل) الحسنى، حيث يقول (سبحانه) معلما لنا كيف ندعوه: “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”، فالدعاء هداية، ويقول (سبحانه): “أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ”، ويقول (سبحانه) على لسان نبيه سليمان (عليه السلام): “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”، فهو يطلب ملكًا عظيمًا من الله العظيم الوهاب القادر على أن يهب ما يشاء لمن يشاء، هو الذي وهب الولد لسيدنا إبراهيم (عليه السلام)، وقد بلغه الكبر فقال (سبحانه): “وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ”، ذلك أن إبراهيم (عليه السلام) عندما دعا ربه أن يهب له من الصالحين ورزقه الولد وجاءت البشرى مع، كانت امرأة سيدنا إبراهيم (عليه السلام) قائمة كما حكى القرآن الكريم، حيث يقول (سبحانه): “امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ” لكن ما هو عجيب عند الخلق ليس بعجيب على قدرة الخالق: “قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ”.
وهذا سيدنا زكريا (عليه السلام) يدعو ربه (عز وجل) كما حكى القرآن الكريم: “قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا”، كل سبب من هذه الأسباب قد يدعو صاحبه إلى اليأس لكن سيدنا زكريا (عليه السلام) لم ييأس ودعا: “فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا”، وهنا تأتي الإجابة: “وَزَكَرِيّا إِذْ نَادَىَ رَبّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىَ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ”، فإن كنت عقيما لا تنجب فلا تيأس والجأ إلى الذي قال في محكم التنزيل: “يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ”، وإن كنت فقيرا فالجأ إلى الوهاب، وإن كنت مريضا فالجأ إلى الشافي الوهاب رب العزة (عز وجل)، فهو القادر الذي يعطي ما يشاء لمن يشاء متى يشاء لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، قال الإمام الخطابي (رحمه الله): كل من وهب شيئا من عرض الدنيا فهو واهب ولا يستحق أن يسمي وهَّابا إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا فكثرت عطاياه ودامت، والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالا أو نوالا في حال دون حال ووقت دون وقت وبمقدار، لكن مَن مِن الخلق يملك شفاء؟ مَن يملك الشفاء؟ إنه الله الذي يهب الشفاء لمن يشاء، مَن يملك أن يعطي الولد لإنسان عقيم؟ لا أحد إلا الله، مَن يملك هداية العاصي؟ لا أحد إلا الله، مَن يملك العافية لأصحاب البلاء؟ لا أحد إلا الله، فالعاطي المعطي الغني المغني الوهاب الحقيقي الذي يعطي بغير حساب هو الله (عزو جل)، وسع الخلق جوده فدامت مواهبه، واتصلت منه عوائده، وأكثر الخلق إنما يهبون من أجل عوض ينالونه، أما رب العزة فهو المتفضل على الخلق بالعطاء، وهو المستحق الشكر لذاته, والحمد والتقديس لذاته، الوهاب المطلق هو الله، هو القادر على أن يهب للإنسان الولد أو صحة أو مالا أو سلطانًا أوجاهًا، يقول (سبحانه): “وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”، يقول(سبحانه): “أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ”، وهذا استفهام استنكاري للاستنكار والنفي، ليس لهم نصيب من الملك الحقيقي، الملك الحقيقي لله وحده: “أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا”.
ويقول (سبحانه) على لسان سليمان (عليه السلام): “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”، دعاه أن يهبه ملكا لا يكون لأحد من بعده فاستجاب سبحانه وتعالى لسيدنا سليمان فقال (سبحانه): “فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، عطاء مَن؟ عطاء الله، مَن يستطيع أن يسخر الريح لأحد؟ من يستطيع أن يسخر الكون؟ “فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً” أي: سهلا تجري بأمره ذلولة، من يستطيع أن يفعل ذلك؟ لا أحد إنه (سبحانه وتعالى): “فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، لقد سخر الله الريح لسيدنا سليمان هبة منه تجري بأمره حيث أراد، تحمله حيث يشاء، وسخر له الشياطين تعمل له ما يشاء من تماثيل ومحاريب وقصور وجفان ويغوصون في البحر ويستخرجون منه اللآلئ فيا له من ملك عظيم يعجز أعظم البشر مالا وسلطانًا بل يعجز البشر جميعًا أن يهبوا شيئا منه، هذا عطاء الله الذي قال: “هذا عطاؤنا”، هذه هبة الله لمن يريد من خلقه.
اللهم إنا نسألك باسمك الوهاب أن تهب لنا علمًا نافعًا وولدًا صالحًا ومالًا حلالًا نافعًا مباركًا فيه، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وهيء لنا من أمرنا رشدًا، “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.