رغم مرور أكثر من عشرة أيام على انتهاء شهر رمضان المعظم إلا أن أجواء الشهر الكريم وروحانياته وذكرياته لا تزال تسكننا. مرت سنوات طويلة على آخر رمضان كنت قد قضيته فى الحرمين الشريفين. سنوات طويلة مرت ولا أجد فيها لزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة سبيلاً، هذا ما فعلته الذنوب بنا. لم أكن أتخيل يوما أن أقضى العشر الأواخر فى رمضان بعيدًا عن الحرمين الشريفين. كم أفتقد تلك الوجوه الطيبة التى تستقبلك عند دخولك الحرمين وكل منها يحاول أن يفوز بك على مائدة إفطاره. أوحشتنى تلك اللحظات العظيمة التى تمتلئ فيها جنبات الحرمين بالمصلين حول تلك المفارش الطويلة التى يطلقون عليها السفرة. وقبيل المغرب تجد كل سفرة قد رصت عليها التمر بأنواعه التى لا تعد ولا تحصى والقهوة العربى والماء البارد الوارد من بئر زمزم وعلب الزبادى وقطع من الخبز المميز ونوع من «الدقة» لن تجد مثيلا لمذاقها فى أى مكان فى العالم، حتى لو اشتريت بعضا منها من العطارين المنتشرين فى جنبات المدينة فلن تجد لها نفس المذاق وأنت تتناولها فى الحرم النبوى فقد استمدت تميزها من تناولها فى المسجد النبوى على بعد أمتار قليلة من المكان الذى يرقد فيه خير البشر.
اشتقت لقراءة القرآن فى الحرمين والسير وراء الجنازات إلى البقيع الذى هو مدفن أهل المدينة، يارب ارزقنا شهادة فى سبيلك وقبرًا بجوار حبيبك. اشتقت لزيارة قبر حمزة وشهداء أحد والصلاة فى مسجد قباء ومسجد القبلتين. أفتقد تلك الرحلة من المدينة المنورة لمكة المكرمة والتوقف فى «أبيار علي» ميقات أهل المدينة للوضوء وارتداء ملابس الإحرام وبدء التلبية بأحب الكلام، لبيك اللهم لبيك،لبيك لا شريك لك لبيك،إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. أفتقد صلاة التراويح خلف فضيلة الشيخ السديس وفضيلة الشيخ المعيقلى وغيرهما من هؤلاء المشايخ الذين ينقلونا بأصواتهم وقتما وأينما نسمعها إلى الحرمين وأفتقد لشربة ماء زمزم تداوى أمراض القلب قبل الجسد وإلى الجلوس أمام الكعبة المشرفة أتذكر كل احبابى واهلى واصدقائى وزملائى وجيرانى أدعو لهم كل باسمه.
أوحشنى كل شبر أرض فى المدينة وفى مكة وطأة رسول الله بقدميه الشريفتين وكلما وضعت قدمى على أرضها قلت لنفسى لعلها تلامس موضعا وطأته قدم رسول الأمة كما كان يقول صحابته الكرام عندما يمشون فى أرضها وهم على الدواب: لعل الحافر يأتى على حافر دابة الرسول. وأشتاق لنسمة هواء فى بلاد الحرمين قد تنفس مثلها رسول الله يوما. وأشتاق إلى من كان دعائهما كفيلًا بتيسير كل الأسباب. نعم أشتاق لأبى وأمي، فيا ربى ارحمهما كما ربيانى صغيرا وأرزقنى أن اعتمر وأحج لهما مرات عديدة وأزمنة مديدة قبل أن ألحق بهما فأنت ولى ذلك والقادر عليه. اللهم لا تغلق بابك فى وجوهنا بذنوبنا، اللهم لا تحرمنا من زيارة بيتك الحرام وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم لكثرة معاصينا قولوا آمين.
Hisham.moubarak63@gmail.com