لعبة القط والفأر .. في التشويش الإلكتروني..!!
تضليل الأسلحة الذكية والدرونز..”بتشتيت” إشارات الأقمار الصناعية..!!
موسكو تطور تقنيات مكافحة (جي بي إس) ضمن حرب إلكترونية ضخمة
كييف تخسر 10آلاف طائرة شهريًا..حسب وثائق البنتاجون!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
أصبح التشويش الروسي في أوكرانيا فعالاً لدرجة أنه حتى الأسلحة الموجهة الأمريكية الصنع المرسلة إلى كييف لم تعد تصيب الأهداف بدقة، وفقًا للعديد من المحللين العسكريين البريطانيين.
يشير تحليل حديث أجراه معهد رويال يونايتد سيرفيسز إنستيتيوت Royal United Services Institute (RUSI) في بريطانيا إلى أنه في حين أن الفنيين في مجال الحرب الإلكترونية بموسكو لم يتمكنوا من إيقاف ذخيرة الهجوم المباشر المشترك جدام (JDAM) ، فإن مهارات التشويش المحسّنة لديهم تؤثر سلبًا على دقة السلاح.
يقال إن هذا يحدث رغم ذخائر جدام المتطورة التي يمكنها مكافحة التشويش المتعدد.
ووفقًا للتقرير، فإن أنظمة الحرب الإلكترونية الروسية المتطورة تشوش على إشارات التوجيه عبر نظام تحديد المواقع الأرضية (جي بي إس) من الأقمار الصناعية، مما يؤثر على مسار الأسلحة الذكية والطائرات بدون طيار “الدرونز” ويضللها عن أهدافها..!!
قال توماس ويثينجتون، الباحث بالمعهد: “قد تكمن المشكلة في القوة المطلقة لإشارة التشويش المستخدمة”.
إلى جانب أنظمة ذخيرة الهجوم المباشر المسترك، يؤثر التشويش أيضًا على أداء أنظمة الصواريخ عالية الحركة التي توفرها الولايات المتحدة هيمارس HIMARS.
كان للأنظمة المتطورة لمكافحة التشويش المتعدد الأمريكية تأثير كبير في حرب أوكرانيا ضد الروس. وليس بغريب أن تأثير هذه القنبلة الذكية منخفضة التكلفة دفع موسكو إلى تطوير تدابير مضادة.
وأوضح ويثينجتون أن الجيش الروسي يستخدم حاليًا نظامR-330Zh Zhitel ، وهو نظام تشويش مثبت على شاحنة، ضد إشارات نظام تحديد المواقع الأرضية GPS والأقمار الصناعية.
“إشارات الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع الأرضية ، والتي تستخدمها أنظمة جدام الأمريكية يجري بثها على نطاقات موجية من 1.164 جيجاهرتز إلى 1.575 جيجاهرتز”، على حد قوله، مشيرًا إلى أن السلاح يقع داخل نطاق عمل جهاز التشويش.
وذكر ويثينجتون كذلك أن نطاق Zhitel الروسي تمت زيادة مداه إلى 30 كيلومترًا، مع إشارة تشويش تبلغ 10 كيلووات.
يعتبر استثمار روسيا في تقنيات مكافحة نظام تحديد المواقع الأرضية جزءًا من حملة حرب إلكترونية ضخمة لتعطيل الاتصالات اللاسلكية الأوكرانية وعمليات الطائرات بدون طيار.
ذكرمعهد RUSI أن موسكو استخدمت الآن منظومة حرب إلكترونية EW رئيسية بمعدل جهاز تشويش واحد لكل 10 كيلومترات من الجبهة.
وساهمت هذه التغطية الموسعة في وصول معدل الخسائر في الطائرات بدون طيار الأوكرانية إلى 10000 طائرة شهريًا.
وتظهر الوثائق الأمريكية المسربة أن الحرب الإلكترونية الروسية لها تأثير سلبي على ذخائر الهجوم المباشر المشترك التي قدمتها الولايات المتحدة.
بدأ استخدام ذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM) ، خلال عملية عاصفة الصحراء التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق عام 1991. وشملت الدروس المستفادة من الحملة الأمريكية، الحاجة إلى ذخيرة دقيقة في جميع الأحوال الجوية. ويستخدم هذا المفهوم كوكبة الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع الأرضية والملاحة والتوقيت (PNT) في الولايات المتحدة. كان أداء نظام تحديد المواقع الأرضية مذهلًا في عاصفة الصحراء. استقر نظام تحديد المواقع الأرضية، الذي استخدمه التحالف في الوعي العام، حيث ساعد الأسلحة في تحديد أهدافها والوصول إليها وإصابتها. منذ ذلك الحين، أصبح هذا النظام من السمات القياسية للحياة العسكرية والمدنية.
ما هو نظام JDAM؟
ويقول د. توماس ويثنجتون، في تقرير على موقع rusi.org إن مصطلح JDAM– إلى حد ما -هو مسمى خاطئ، لأنه ليس سلاحًا في حد ذاته. فهذا المصطلح يغطي عددًا من المعدات والأدوات التي تجهز مجموعة من القنابل “الغبية”. تثبت هذه المعدات في الجزء الأوسط والذيل لقنبلة غير موجهة وتحتوي على نظام تحديد المواقع العالمي بالإضافة إلى نظام للتوجيه بالقصور الذاتي (INS)، لا يعتمد على إشاراتGPS PNT ، ويساعد في زيادة دقة السلاح. اليوم، هناك 15 مجموعة مختلفة من جدام في الخدمة، وتقوم بتجهيز مجموعة من القنابل تزن من 225 كجم إلى 900 كجم.
المفهوم الأساسي لعمليات جدام هو تزويد مجموعة التوجيه بإحداثيات الهدف، على الأرجح خطوط الطول والعرض. ويتم نقل هذه الإحداثيات إما من الطائرة أو بإدخال هذه الإحداثيات ضمن البرمجة قبل الطلعة الجوية. يمكن أيضًا إدخال تحديثات على الإحداثيات المستهدفة أثناء المهمة. يتم إطلاق السلاح، وتستقبل وحدة الذيل باستمرار إشارات من كوكبة الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع الأرضية، وهذه الإشارات تحدد موقع القنبلة بالنسبة للهدف. يتم تعديل مسار القنبلة باستمرار بواسطة الزعانف الموجودة على وحدة الذيل أثناء اتجاهها نحو الهدف. تشير الأرقام إلى أن مجموعات توجيه جدام قد تصل إلى مسافة 5 أمتار من الهدف أو أقل. وفي حالة عدم توفر إشارة من جي بي إس يمكن لنظام التوجيه بالقصور الذاتي INS توجيه القنبلة إلى مسافة 30 مترًا من الهدف.
في مارس الماضي، أشاد المتحدث باسم سلاح الجو الأوكراني بدقة القذائف وحث الولايات المتحدة على توفير المزيد منها. بعد شهر واحد تصدرت قذائف جدام الأخبار مرة أخرى، ولكن لأسباب أقل تفاؤلا. كشفت وثائق وزارة الدفاع الأمريكية السرية عن مخاوف بشأن فعالية تشويش الحرب الإلكترونية الروسية (EW) على جدام والأسلحة الأمريكية الأخرى التي تعمل باستخدام نظام تحديد المواقع الأرضية.
أعربت الوثائق عن مخاوف الولايات المتحدة من أن التشويش الروسي تسبب في انحراف بعض هذه الذخائر عن أهدافها.
ودون الدخول في التفاصيل العلمية المعقدة لعمليات التشويش، بذلت الولايات المتحدة جهودًا مضنية للتخفيف من مخاطر التشويش الروسي.
رغم الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة لحماية قذائف جدام من التشويش على نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية(GNSS) ، إلا أن هذه الخطوات لا تزال ضعيفة. نقل ويثنجتون عن أحد كبار خبراء الحرب الإلكترونية، أنه يمكن لإشارة التشويش القوية أن تمنع مستقبل جدام من الحصول على الإشارة المشفرة عبر نظام الملاحة بالأقمار الصناعية. وقد تتضمن أحكام مكافحة الحرب الإلكترونية نظامًا يتعرف على إشارة التشويش واتجاهها. وربما يتمكن جهاز الاستقبال من “حجب” الإشارات القادمة من هذا الاتجاه، مع الاستمرار في استقبال إشارات GNSS من المناطق غير المتأثرة.
سيحتاج مستقبل نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية إلى “رؤية” -أي أن يكون لديه خط رؤية غير متقطع -مع أربعة أقمار صناعية على الأقل. في كثير من الأحيان، يحتوي مستقبل GNSS على عدد من الأقمار الصناعية أكثر داخل هذا النطاق. وبالتالي، فإن حجب اتجاه إشارات التشويش لن يحرم بالضرورة جهاز الاستقبال من القدرة على “رؤية” الأقمار الصناعية الأخرى.
ومع ذلك، يمكن أن تحمي القوات الروسية مواقعها من جدام باستخدام أجهزة تشويش متعددة.
تتمثل إحدى مشكلات الروس في أن إشارة التشويش القوية قد يكون من السهل نسبيًا على خبراء الحرب الإلكترونية الأوكرانيين اكتشافها. بمجرد اكتشاف إشارة التشويش وتحديدها، يمكن معرفة وتحديد خط العرض وخط الطول لموقع جهاز التشويش. ويمكن تمرير هذه الإحداثيات إلى المدفعية والتعامل مع الموقع بالمنصات المتحركة. قد يساعد هذا التكتيك في تفسير بعض خسائر روسيا في معدات الحرب الإلكترونية.
مشكلة أخرى هي أن بث قدر كبير من طاقة التشويش، عبر الترددات المستخدمة من قبل إشارات PNT، يمكنه التتشويش على أي إشارة لاسلكية أخرى أضعف من إشارة التشويش. يشمل ذلك أجهزة استقبال صديقة مثل محطات الاتصالات المتصلة بالأقمار الصناعية وأنظمة GNSS.
ورغم أن أنشطة التشويش على نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية في روسيا قد لا تخلو من الخسائر من منظور “النيران الصديقة الكهرومغناطيسية” ونقاط الضعف الشديدة، فإن الوثائق الأمريكية المسربة تظهر أن لها تأثيرًا. التشويش لا يتسبب في توقف قذائف جدام عن العمل، لكنه يخاطر بدقتها -يمكن القول إنها نقطة بيع رئيسية للسلاح. هذه مشكلة محتملة عندما تكون الأهداف صغيرة نسبيًا. قد يضطر مهندسو GNSS في الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في كيفية حماية قذائف جدام لحروب الغد، بناءً على صراعات اليوم.
وفي تقرير على موقع بيزنس إنسايدر businessinsider يقول مابك بيك، إن هذه الذخائر الموجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أعطت في البداية لأوكرانيا الأمل في تعويض التفوق الروسي في القوى العاملة والأسلحة. في الواقع، أثبتت منظومة صواريخ هيمارس HIMARS أنها حاسمة في الهجوم المضاد المحدود لأوكرانيا في صيف عام 2022، حيث دمرت المقرات الروسية ومستودعات الإمداد.
ويضيف: لم يكن قيام روسيا بتطوير إجراءات مضادة أمرًا مفاجئًا. جميع الأسلحة تفقد في النهاية بعض الفعالية مع تكيف العدو. كما أنه ليس سراً أن الجيش الروسي، مثل سلفه السوفيتي، كرس جهوداً كبيرة لتطوير مجموعة متنوعة من أنظمة الحرب الإلكترونية.
جهود روسيا لمكافحة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) هي جزء من حملة حرب إلكترونية ضخمة أدت أيضًا إلى تعطيل الاتصالات اللاسلكية الأوكرانية وعمليات الطائرات بدون طيار.
وفقًا لتقرير RUSI ، تتمتع وحدات الحرب الإلكترونية الروسية أيضًا بـ “قدرة عالية” على اعتراض وفك تشفير الاتصالات اللاسلكية الأوكرانية. في إحدى الحالات، بدا أنهم تمكنوا من اعتراض وفك شفرة رسالة لاسلكية مشفرة من القوات الأوكرانية التي تطلب مهمة إطلاق النار في الوقت الفعلي، مما سمح للقادة الروس بإرسال “تحذير وقائي” إلى وحداتهم.
وأشار ويثينجتون إلى أن “كوكبة جلوناس للملاحة باستخدام الأقمار الصناعيةGLONASS GNSS الروسية تنقل بعض الإشارات المشابهة لنظام تحديد المواقع الأرضية”. ومعنى هذا أن روسيا ليست بحاجة ولو نسبيًا) لاستخدام نظام تحديد المواقع الأرضية (جي بي إس).
ولا شك في أن التشويش لم يجعل قذائف جدام عفى عليها الزمن أو أصبحت خارج الخدمة. لكنها، مثل الأوجه الأخرى للحرب، لذا فإن الحرب الإلكترونية تشبه لعبة الشطرنج، حيث تتبع الحركة حركة مضادة.
يؤكد ما سبق أيضًا، تقرير لشبكة CNN، حيث نقلت عن العديد من الخبراء إن روسيا تعمل على إحباط أنظمة الصواريخ المحمولة الأمريكية الصنع في أوكرانيا بشكل متكرر في الأشهر الأخيرة، وذلك باستخدام أجهزة التشويش الإلكترونية للتخلص من نظام الاستهداف الموجه بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لجعل الصواريخ تخطئ أهدافها.
اضطر المسؤولون العسكريون الأوكرانيون، بمساعدة الولايات المتحدة، للتوصل إلى مجموعة متنوعة من الحلول المختلفة مع استمرارهم في استخدام نظام صاروخ المدفعية عالي الحركة (HIMARS) الذي ربما كان أكثر الأسلحة فعالية في قتال أوكرانيا. .
يضيف تقرير شبكة الـ “سي إن إن” أنه تم الترحيب بأنظمة الصواريخ متوسطة المدى باعتبارها عامل تغيير في الصراع ولعبت دورًا رئيسيًا بعد وصولها إلى أوكرانيا الصيف الماضي. لكن في الأشهر الأخيرة، أصبحت الأنظمة أقل فاعلية بشكل متزايد بسبب التصدي المكثف لها من قبل الروس، حسبما أفادت خمسة مصادر أمريكية وبريطانية وأوكرانية للشبكة ، مما أجبر المسؤولين الأمريكيين والأوكرانيين على إيجاد طرق لتعديل برنامج HIMARS لمواجهة التشويش الروسي المتطور.
وقال مسؤول في البنتاجون: “إنها لعبة القط والفأر المستمرة” لإيجاد إجراء مضاد للتشويش، وذلك فقط لجعل الروس يتصدون لهذا الإجراء المضاد. وليس من الواضح مدى استدامة هذه اللعبة على المدى الطويل.