هناك سؤال يطرح نفسه وهو هل يحق لشعب خاضع للاحتلال اللجوء إلى المقاومة من أجل التصدي لهذا الاحتلال؟ وإن كان الجواب نعم، فما هو الإطار القانوني الذي يدعم وينظم حق المقاومة ومشروعيتها؟
تعتبر الحروب العدوانية في القانون الدولي المعاصر من اكبر الجرائم ضد السلام ترتكبها الدولة المعتدية ضد سيادة و استقلال و حرمة الدولة أو الإقليم المعتدى عليه .
تحظر المواثيق و العهود الدولية و مبادئ القانون الدولي الحروب العدوانية و تنص على معاقبة مرتكبيها كمجرمي حرب و ملاحقتهم مهما طال الزمن , حيث أقرت الأمم المتحدة عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب و الجرائم ضد السلام و ضد الإنسانية. و أصبح منع الحروب الوقائية و الاستباقية و الغزو و تحريمها بعد الحرب العالمية الثانية و بعد تأسيس الأمم المتحدة من أهم سمات القرن العشرين .
يتضمن ميثاق الأمم المتحدة نصوصا صريحة لتحريم الحروب و منع الدول الأعضاء من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية .
و تنص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة على عدم استخدام القوة في غير المصلحة المشتركة , و تطالب المادة الثانية منه بفض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية و منع الدول الأعضاء التهديد بالقوة في العلاقات الدولية . وهكذا يحرم الميثاق الحروب العدوانية و لا يعترف بشرعية الاحتلال .
و تفرض العهود و المواثيق الدولية و مبادئ القانون الدولي و التعامل الدولي على الدولة المعتدية الانسحاب الفوري و دفع التعويضات عن الخسائر التي ألحقتها بالدولة أو الإقليم المعتدى عليه.و خطت الدول الأربع الكبرى في اتفاقية بوتسدام عام 1945 خطوة جديدة متقدمة و قررت سلخ أجزاء من إقليم الدولة المعتدية كي لا تشكل بؤرة لاندلاع حروب جديدة ,ووقعت أيضا في نفس العام اتفاقية لندن لإنشاء محكمة نورنبيرغ لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين و محكمة طوكيو العسكرية لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين , و أقرت الأمم المتحدة بالقرار 95 عام 1946 نظام وقرارات محكمة نورنبيرغ كجزء من القانون الدولي .
و أقرت الأمم المتحدة عام 1948 معاهدة تحريم إبادة الجنس البشري و المعاقبة عليها. و تعتبر هذه المعاهدة الدولية الهامة بمثابة تقنين دولي يمنع جريمة الإبادة الجماعية (هولوكوست) ويحرمها و يعاقب مرتكبيها كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين .
وخطت الأمم المتحدة خطوة متقدمة أخرى و أقرت عام 1949 اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 حيث تتناول الاتفاقية الرابعة حماية السكان المدنيين , مما أعطاها مكانة هامة في القانون الدولي الإنساني. وتنص المادة 49 من الاتفاقية المذكورة على انه ُلا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها ً.
أثبتت حركات المقاومة الأوروبية أن مقاومة قوات الاحتلال النازية وإلحاق الهزيمة بها ضرورة حتمية. وهذا ما حصل ولا تزال الشعوب الأوروبية تفتخر و تعتز بحركات المقاومة وتؤكد على شرعيتها .
اتفقت أراء معظم فقهاء القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية و تأسيس الأمم المتحدة على شرعية مقاومة لاحتلال. وأكدوا أن المقاومة المسلحة للشعوب الأوروبية هي نتيجة منطقية وطنية و إنسانية للاحتلال البغيض, وان عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال النازي هي دفاع عن النفس و الوطن. ويؤيد معظم فقهاء القانون الدولي في العالم شرعية حركات المقاومة الفلسطينية و اللبنانية و العراقية في مواجهة الاحتلالين الإسرائيلي و الأميركي .
فالقاسم المشترك بين حركات المقاومة الأوروبية و حركات المقاومة العربية هو الاحتلال, و الاحتلال هو ذروة الإرهاب. و تستند شرعية المقاومة الفلسطينية إلى عدم شرعية الكيان الصهيوني المغتصب للأرض و الحقوق و المياه و إلى عدم شرعية الحروب العدوانية و التغييرات الجغرافية و الديموغرافية التي نفذها العدو في فلسطين و الجولان .
وتتفق آراء فقهاء القانون الدولي على تأكيد شرعية مقاومة الاحتلال .
فالمقاومة الأوروبية نتيجة منطقية ومشروعة للاحتلال النازي , والمقاومة الفلسطينية نتيجة طبيعية للاحتلال الإسرائيلي , وعمليات المقاومة هي دفاع عن الوطن و المواطن و التاريخ و الجغرافيا و الديموغرافيا و الحضارة العربية الإسلامية .
ويؤيد معظم رجال القانون الدولي في العالم شرعية المقاومة الفلسطينية و اللبنانية في مواجهة الحروب العدوانية والإبادة الجماعية و الاحتلال و الاستعمار الاستيطاني اليهودي .
وتنبثق شرعية المقاومة من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير , وهو حق غير قابل للتصرف. ويعطي الشرعية للمقاومة المسلحة كوسيلة للوصول إلى حق تقرير المصير .
أن المفهوم المتعارف عليه للإرهاب هو الاستخدام غير المشروع للعنف , أو التهديد باستخدامه بواسطة فرد أو جماعية أو دولة ينتج عنه رعب يعرض للخطر أرواحا بشرية أو يهدد حريات أساسية , وليس كل عنف إرهابا ولكن كل أشكال الإرهاب عنف , وذلك ضروري للتفريق بين مكافحة الإرهاب وشرعية المقاومة .
والإرهاب هو اخطر الوسائل التي مارستها الدول الاستعمارية و الفاشية ضد شعوبها و الشعوب الأخرى عبر التاريخ . ويحظر القانون الدولي إرهاب الأفراد و المجموعات و الدول ويفرق بين المقاومة و الإرهاب وينص على تجريم الإرهاب ويعترف بشرعية المقاومة المسلحة ضد الاحتلال . وميزت الأمم المتحدة بين النضال العادل الذي تخوضه حركات المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني و النظم العنصرية . وأقرت المنظمة الدولية عام 1947 بالقرار رقم 3214 حول تعريف العدوان حق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من اجل الحرية و الاستقلال و حق تقرير المصير.
وبالتالي أجازت الأمم المتحدة المقاومة المسلحة للشعوب و الأمم الرازحة تحت الاحتلال. وأكدت اللجنة الخاصة بموضوع الإرهاب التي شكلتها الأمم المتحدة عام 1989 على الأسباب الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية للعنف (للإرهاب) و جاء منها ما يلي:
◾الاستعمار و التثبت بالسيطرة الاستعمارية .
◾احتلال أراضي الغير و الهيمنة على الشعوب.
◾إنكار حق الشعوب في تقرير المصير.
◾حروب الإبادة و العدوان و انتهاك السيادة و الاستقلال و الوحدة الإقليمية للدول.
◾استخدام الإرهاب للسيطرة على الشعوب و إجبار السكان على النزوح.
◾شرعية مقاومة الاحتلال .
انطلاقا من العهود و المواثيق الدولية و قرارات الأمم المتحدة المذكورة أعلاه.
و نظرا لنكبة فلسطين و اغتصابها و ترحيل شعبها التي و وقعت منذ أكثر من ستين عاما .ونظرا للحروب العدوانية التي أشعلتها إسرائيل على فلسطين و سورية ولبنان و الأردن و مصر .ونظرا لرفضها الانسحاب من القدس بشطريها المحتلين مدينة الإسراء و المعراج ومن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة و الجولان السوري المحتل و مزارع شبعا , واستمرارها في بناء المستعمرات اليهودية في فلسطين و الجولان و تهويد الأرض و المقدسات في الخليل و القدس و بيت لحم و طبريا. ونظرا للاستمرار في ارتكاب الهولوكوست على قطاع غزة و سياسة الأرض المحروقة و تدمير المنجزات الصناعية و الزراعية و العمرانية و الثقافية .
ونظرا لتخاذل الأمم المتحدة في إنهاء الاحتلال ووقف الهولوكوست على الشعب الفلسطيني .
ونظرا لازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة و ألمانيا و بريطانيا و فرنسا و انحيازهم للعدو الإسرائيلي و معاداتهم للعرب و الإسلام .
ونظرا لاستمرار دولة الاحتلال في بناء المستعمرات و جلب قطعان المستعمرين اليهود وترحيل الفلسطينيين. انتفض الشعب الفلسطيني للدفاع عن وطنه و أرضه و أملاكه و منجزاته و مقدساته و حياته بالمقاومة المسلحة و العمليات الاستشهادية و يؤكد أن المقاومة هي خياره الاستراتيجي لقلع الاحتلال الإسرائيلي البغيض , وتفكيك المستعمرات اليهودية و عودة اللاجئين إلى ديارهم و استعادة أرضهم وممتلكاتهم .
إن كل احتلال يؤدي إلى المقاومة , وكلما ازدادت وحشية الاحتلال كلما ازدادت المقاومة شدة و اتساعا. واستمرار الاحتلال والمستعمرات اليهودية والهولوكوست و العنصرية و الإرهاب يجعل المقاومة بكل أشكالها و في طليعتها المقاومة المسلحة هي الرد الشرعي القانوني والوطني و القومي و الديني و الإنساني على الاحتلال الإسرائيلي . والمقاومة هي الأسلوب العلمي و العملي المتبقي الوحيد الذي يقود إلى إنهاء الاحتلال و إلى الحرية و الاستقلال و عودة اللاجئين إلى ديارهم و استعادة أراضهم وأملاكهم . ويقود أيضا إلى الهدوء و الاستقرار في المنطقة , و القضاء على الكيان الصهيوني كآخر كيان استعمار استيطاني ونظام عنصري في العالم .
خلاصة القول : مقاومة الاحتلال الإسرائيلي عمل مشروع يتماشى مع مبادئ القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة و بقية العهود و المواثيق الدولية ,ومع تجارب الشعوب الأوروبية في مقاومة الاحتلال النازي.
اثبت التاريخ البشري إن مصير النظم الاستعمارية و العنصرية إلى الزوال , زالت النازية من ألمانيا , والفاشية من ايطاليا و العنصرية من روديسيا و البرتغال والابارتايد من جنوب إفريقيا وسيكون مصير كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي و العنصري والإرهابي إلى الزوال , لذلك يجب تشديد مقاطعته ومقاومة التطبيع معه وعزله وتفكيكه تماما كما حدث مع نظام الابارتايد في جنوب إفريقيا .
من الجدير بالذكر أن للمقاومة أثرا بارزاً وفعالاً في تطوير أحكام قانون الاحتلال في مجالات عديدة كالحفاظ على سيادة الدولة وحق الدفاع المشروع عن النفس
. لا توجد قاعدة في القانون الدولي الإنساني تحول دون قيام سكان الأراضي المحتلة بأعمال المقاومة الوطنية المسلحة والغير مسلحة. ولا تشترط المقاومة، من أجل اكتساب الشرعية، قيام الشعب بأكمله بها، فقد تقوم بها فئات معينة منه.
وعلى العكس نجد في البروتوكول الإضافي الأول، الذي أتى ليسد الفراغ القانوني الذي ظهر في تطبيق اتفاقيات جنيف، ينص صراحةً على حق الشعوب في حمل السلاح لمقاومة الاحتلال والعدوان من حيث المبدأ، وكذلك العديد من المصادر والوثائق القانونية الدولية، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام ،1998 واتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد لعام 1997 واتفاقية حظر استخدام بعض الأسلحة التقليدية التي تحدث آلاما مبرحة في الجسم الإنساني لعام ،1980 وغيرها من الاتفاقيات والقرارات الدولية، مما يدف للاستنتاج بأن القانون الدولي الإنساني يقر بحق كل الشعوب في مقاومة العدوان والاحتلال دفاعا عن حريتها وسيادتها وتقرير مصيرها، هذه الحقوق التي تعتبر من الحقوق الأساسية التي تتمتع بها شعوب العالم أجمع
. ورغم ذلك فإن قواعد القانون الدولي الإنساني تحظر أية اعتداءات تستهدف بشكل متعمد السكان المدنيين أياً كانت قوميتهم، وبصرف النظر عن الأسباب التي زجت بهم في أتون الصراع المسلح. في النهاية، ليس لاعتراف إسرائيل أو عدمه تأثيراً على وضع القانوني للأراضي المحتلة الفلسطينية، فموقف القانون الدولي واضح: “الأراضي التي تم احتلالها عام 1967 وهي القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة هي أراض محتلة”، ولكن هذا الاعتراف يؤثر على مدى إمكانية أو سهولة تطبيق القانون الدولي الإنساني، سواء العرفية أو التعاقدية، على الأراضي الفلسطينية؛
ومن هنا فإن اعتراف الدولة بكونها سلطة احتلال يكون عادة بمثابة “إظهار حسن النية” لتطبيق المعاهدات الدولية على السكان والأراضي التي وقعت تحت سلطتها. إن اعتراف الدولة المعنية إذاً يصبح ضرورياً لتطبيق القانون الدولي الملزم في نظامٍ عالمي يخلو من سلطة مركزية تطبقه بالقوة إن لزم الأمر؛ وإن وجدت بعض الوسائل لفعل ذلك، مثل مجلس الأمن، إلا أن تلك تتأثر بالقواعد السياسية والمصالح المشتركة والعلاقات بين الدول أكثر مما تتأثر بالقانون الدولي، ما يتسبب في ازدواجية المعايير في التعامل مع المخالفات الواضحة للقانون الدولي الإنساني.