الإصغاء لون من الاستماع يختلف عن معاني السمع الأخرى كالانصات أو الانتصات فالاستماع المجرد يعنى وصول أصوات ما إلى أذن المستمع الذي يوجد في مداها والانصات أو الانتصات هو السماع بتركيز إلى الاصوات الواصلة إلى المستمع سواء أكان صاحب هذه الأصوات معروفا للمتحدث أو غير معروف والإنصات هو التركيز لمعرفة حقيقة ما يقال أو ما يصل من أصوات ولا علاقة لهذا بالتكذيب أو التصديق لمصدر الكلام أو الاصوات.
أما الإصغاء فهو الاستماع بتركيز شديد لمتحدث يؤمن به السامع ويصدقه فيما يقول أيا كان القول .وبالتالى فالاصغاء هو الميل السمعي والقلبي معا.
وفي المعاجم أي الميل بالاذن إلى المتحدث كما نفعل مع محديثنا في الأحاديث المهمة أي أنه الإقبال على المتحدث بكل الجوارح
في معجم لسان العرب صغا يعني مال، وصغوه معك أي ميله معك وصاغية الرجل أي الذين يميلون إليه أي رجاله الذين يناصرونه ويتفق هواه مع أهوائهم وميولهم
وفي الحديث النبوي عن يوم القيامة :”ينفخ في الصور فلا يسمع أحد إلا أصغى ” اي مال عنقه من الجنب علامة التركيز.
ذكر الاصغاء في القرآن الكريم. مرتان في موضوعين متضادين بنفس معناه الذي يعنى الميل بالسمع والجوارح والتصديق المطلق،: الاول في سورة الأنعام في حديثة عن الكافرين المعادين حيث يقول تعالى موضحا حقيقة الكافرين الذين يعرفون الحقيقة لكنهم يجادلون : “وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ(١١٣)
والآيات تحدثنا عن أولئك المصرين على التكذيب ومطالبتهم بأدلة لن ينصاعوا لها ابدا ، وفي الوقت ذاته يحدثنا عن ميلهم وهواهم إلى كل دعوات الكفر ودعاته وإصغائهم إلى ما توحي لهم الشياطين سواء أكانوا شياطين الجن أو الإنس من انحراف وغرور إصغاء المحب للكفر المنسجم معه بكل جوارحه
أما الموضع الثاني فكان في سورة التحريم في خطاب الله إلى زوجتي النبي صلوات الله وسلامه عليه حفصة وعائشة رضوان الله وسلامه عليهما محذرا لهما ولكل المسلمين من إغضاب النبي حيث يقول تعالى :إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ. وعندما يكون البديل الله وجبريل والملائكة والمؤمنين فيكون إغضاب النبي وعدم تنفيذ ما أمر به فعل جلل بدليل هذه الموالاة المعلنة له في مواجهة من يغضبه فإذا ما تغير الأمر وصغت القلوب وليس الاذان فقط أي أقبل المؤمن على نبيه بكل جوارحه وليس بأذنه فقط من خلال توبة صادقة وإضغاء القلب معناه تحول الإنسان كاملا تحولا لا تستطيع جوارحه مخالفته أو الخروج عليه حتى لو حاولت .
والآية الأولى نسبت الاصغاء إلى الفؤاد والفؤاد كما يقول العلماء هو العقل والقلب حيث يمتزج الاحساس والحدث والمشاعر بالمنطق المنظم والتفكير فالفؤاد أعلى ملكات الإنسان وعندما يكابر الفؤاد في الحق ويجادل بالباطل فمهما أتيت له من آيات ومعجزات وأدله فلن يدع الباطل ويظل على اصغائه وإقباله على كل باطل حتى يصبح سجية له.
أما الآية الثانية وتتناول التوبة الخالصة “إصغاء القلب”التي تحول كل جوارح الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى وذكر القلب لانه مركز الإنسان الروحي ومسير بقية الجوارح وفي الحديث الشريف ” ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب “.