عدة أسباب وطدت أواصر الصداقة بينى وبينى صديقى الأمريكى دانيال رغم أنه يصغرنى بحوالى عشرين عامًا. أولها أننا زملاء مهنة واحدة فهو يعمل محررًا فى «وول ستريت جورنال»، وقد تقابلنا أول مرة منذ سنوات عندما جمعنا برنامجًا تدريبيًا عن التحرير الاقتصادى. وقد تكرر هذا البرنامج عدة مرات منها هذه المرة التى تناقش الصحافة الإلكترونية التى بدأت تحتل مكانةً كبيرة فى عالم الإعلام على مستوى العالم كله. لن أعيش فى الدور وأقول إن شخصية دانيال تذكرنى بشبابى فى عالم الصحافة، لكن حقيقة شخصيته تشبه إلى حد كبير الشخصية المصرية الاجتماعية المحبة للناس، كل الناس حتى من يكن لها العداء بدون سبب. كذلك يعجبنى فى دانيال صفات لم أتصف بها يومًا ما، مثل شطارته الصحفية وعلاقاته الواسعة على مستوى الشخصيات السياسية والاقتصادية وغيرها من صناع القرار والمؤثرين فيه فى داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ثالث هذه الصفات والتى أيضًا لم أنجح فى اكتسابها هى الموضوعية الشديدة فى تقييمه وحكمه على الناس وعلى الأشياء. فشلت كثيرا فى مشوارى الصحفى أن أكون موضوعيًا وكان لهوى النفس وميولها النصيب الأكبر فى تعاملى مع الناس ومع القضايا الخلافية؛ لذا أحب كثيرا النقاش مع دانيال خاصة هذه الأيام التى تدور فيها الحرب التى يشنها العدو الاسرائيلى ضد أشقائنا الفلسطينيين فى غزة. دانيال وهو بالمناسبة ليس يهودى الأصل مثل غالبية من يعملون فى الميديا الأمريكية. لأول مرة أشعر أن هناك تغييرًا حقيقيًا فى إدراك بعض الإعلاميين لحقيقة الصراع العربى الإسرائيلى وطبيعته وتاريخه. وكما فهمت من دانيال أن كثيرًا من إدارات الصحف بدأت تغير من سياستها وتنظر نظرة عادلة بنسبة ما لحقيقة المعاناة التى يعانيها أشقاؤنا فى غزة.
لذا لم أتردد فى قبول دعوة دانيال وأسرته لتناول الديك الرومى بمناسبة عيد الشكر وهو بالمناسبة ليس عيدًا دينيا كما كنت أظن من قبل ولكنها احتفالية ثقافية تكون فيها جميع الولايات المتحدة الأمريكية إجازة رسمية، بل بلغ أهمية هذا العيد أن أحد الرؤساء السابقين وهو ترومان على ما أتذكر قرر أن تكون إجازة عيد الشكر أسبوعًا كاملا واستمرت كذلك عدة سنوات ثم عادت لتصبح يومًا واحدًا يتم خلاله تناول الديك الرومى شكرًا لله على ما أنعم الله به عليهم من استضافة الهنود الحمر للمهاجرين الأوائل الذين سافروا لأمريكا هربًا من اضطهاد الكنيسة. حيث تولى الهنود الحمر تعليمهم الصيد والزراعة وأصبحوا أمريكيين كونوا النواة الأولى للقارة الأمريكية.
بقى أن تعرف عزيزى القارئ أن الديك الرومى فى موسم عيد الشكر يكون رخيصًا جدًا عكس الحال فى بلاد ترتفع أسعار اللحوم والطيور فيها فى المناسبات. قضيت مع دانيال وأسرته سهرة طويلة خرقت فيها الأسرة قاعدة النوم مبكرًا احتفالًا بالديك الرومى وبضيفهم المصرى. وفى نهاية العشاء قال لى دانيال إنه يتمنى زيارة مصر وإنه لو جاء يريدنى أن أعزمه على رومى، فلما رأى الانزعاج على وجهى ضحك قائلا: أعنى جبنة رومى. تذكرت أسعار الجبنة الرومى فى مصر فاكتفيت بابتسامة صفراء بينما كنت أقول له فى سري: عايزنى أعزمك على جبنة رومي؟!إنت بتحلم ياصديقى! وفى تلك اللحظة جاءت أم دانيال بالشاى وسألتنى: هشام، كم أضع لك من السكر، ملعقة أم اثنتين؟فتذكرت ما يحدث للسكر فى مصر وقلت لها: كيلو من فضلك!