أومأَ القُرآن الكريم في كُلية شُموليته، إلى كثيرٍ من الطغاة والعتاة، وكذلك الكفار والمنافقين، إما تصريحاً وإما تلميحاً، وإنّ كثيراً من هؤلاء وأولئك ، تعرضت لهم بعض الآيات تلميحاً، كالنمرود ونبو خذ نصر ، وذو نواس الحميري في قصة أصحاب الأخدود، وأبرهة وأبورغال في سورة الفيل، وأمية بن خلف وأُبي بن خلف ، وعُقبة بن أبي معيط وأبوجهل، وأبو عامر الفاسق الذي بنى مسجد ضرار، والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، الذي تحدثت عنه عشر آيات كاملة بالتلميح، ومثلُ هؤلاء جاء ذم يهود المدينة بخلالهم الثلاث ( بنو قريطة وبنو النضير وبنو قينقاع ) ككعب بن الأشرف وشاس بن قيس وحُيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وأبي عفك ولبيد بن الأعصم، وكذلك ذُمّ صنوهم المُنافقين عبدالله بن أبي بن سلول ورفاعة بن زيد بن التابوت الذي هبت ريح شديدة عند موته …..
وثمة سبعة كفار ذمهم القرآن الكريم صُراحاً وتبياناً، منهم آزر والد إبراهيم عليه السلام وذُكر مرة واحدة في سورة الأنعام، وأبولهب مرة واحدة، وذُكر جالوت والسامري ثلاث مرات، ليأتي الثُلاثي الأشر ( فرعون وهامان وقارون ) في خط تماهي واحد، ولهم النصيب الأوفر من الذم مُجتمعين ( 84 مرة) منهم أربع مرات لقارون وست مرات لهامان وأربع وسبعين مرة لأكبر طاغية في التاريخ قاطبة فرعون…..
ذُكر فرعون وهامان وقارون في أربعٍ وثمانينَ موضعاً في كتاب الله تصريحاً، وذكروا كذلك في آيات أخرى تلميحاً، وبين التصريح والتلميح علاقات ترادفية ومفارقات تناسبية وتاريخية وتأملية في مناحٍ عدة…
الثلاثة الكفار الوحيدون في التاريخ كله، الذين ذكرهم القرآن الكريم في آيتين من كتاب الله تصريحاً ، هم فرعون وهامان وقارون ، الأولى في سورة العنكبوت ( وقَارُونَ وفرعَونَ وهَامَانَ وَلقَد جَاءَهُم مُوسَى بالبَينَاتِ فَاستَكبَرُوا في الأَرضِ ومَا كَانُوا سَابقين ) العنكبوت 39
والثانية في سورة غافر ( إلى فِرعَونَ وهَامَانَ وقَارُونَ فقَالُوا سَاحِرٌ كَذّاب ) غافر 24
وكان الابتداء مرة بقارون في سورة العنكبوت والأخرى بفرعون في سورة غافر، له دلالات تشريعية رصينة، وإرهاصات تربوية وتأديبية مستقبلية عميقة، بأن المال والسلطة يهلكان الأكاثر من الناس في الدارين، فقارون اغتر بماله وتكبر وتبختر وكفر بواحاً فخُسف به إلى سابع أرضين ، وفرعون أغوته السلطة فاعتسف الطريق ضلالاً، إلهاً كاذباً ماجناً مخادعاً مارقاً فاجراً قاتلاً ماحقاً ، فكان من الغارقين ….
وكان ذكر فرعون وقارون على التخصيص، وتناوبهما في البدء بالسياق القرآني، إنباء وعظي تحذيري ، في الموقف اللحظي والمُضارع المستقبلي ، بعدم المسير على دربهما، فنسج الشيطان على منوالهما في العصر المُحمدي كسرى وقيصر ، وعلى شاكلتهما كثيرون من بني جلدتنا ، غير مكترثين بحديث النبي الكريم ( شقاء أمتي يوم أن يكون فيهم كسرى ويوم أن يكون فيهم قيصر ) ..
وكان فرعون الكافر الوحيد الذي ذُكر ثلاث مرات في آية قرآنية واحدة بسورة هود ( إلى فرعَونَ ومَلَئِه فَاتّبعُوا أمرَ فرعَونَ ومَا أمَرُ فِرعَونَ برَشِيد) هود 97…
وذات فرعون أكثر إنسي ذُكر في القرآن الكريم، إذا ما وقع الاستثناء على نبي الله موسى ، فإنّ هذا الفرعون ذُكر بمفرده باللفظ الصريح ، أربعةً وسبعينَ مرة في سبعٍ وعشرين سورة،….
ونفس فرعون فاق بذكره المذموم في القرآن الكريم ، كل الكفار والمنافقين فُرادى أو مجتمعين، بما في ذلك أقوام يأجوج ومأجوج، وعاد وثمود وقوم نوح وقوم لوط وأصحاب الرس وأصحاب الأيكة وقوم تُبع، وبما في ذلك إبليس المذكور أحد عشرة مرة …
فرعون وهامان وقارون عاشوا في مصر، وقادوا أكبر صراع ضد الحق، المتمثل في دعوة نبي الله موسى وأخيه هارون، ذلكم الصراع الذي سرده القرآن الكريم بدقة فائقة وعناية بالغة، كغريمين متناقضين ( موسى الأكثر ذكراً بين سائر الأنبياء والمرسلين في القرآن 136 مرة، وفرعون أول المتألهين وأكثر الكفار ذكراً في الكتاب المبين 74 مرة ) ليفضي هذا الصراع عن انتصار مبين لموسى وأهل الحق في أجل ومضة ليوم الدين، ومحق مبين لفرعون وجنده ، إذ كانوا من الغارقين ، عليهم اللعنة إلى يوم الدين ……..
وصدق الحق سبحانه ( سَنُريِهِم آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أنفُسِهِم حَتَى يَتَبَينَ لهُم أنَهُ الحَق أوَ لَم يَكفِ بِرَبكَ أنَهُ علَى كُلِ شَيءٍ شَهِيد ) فُصلت 53
فرعون وهامان وقارون والنمرود ونبوخذ نصر وأبرهة والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط والعاص بن وائل وكسري وقيصر ، عقيدتهم واحدة ومسارتهم واحدة ودعوتهم باطلة ونهايتهم واحدة وهي الخزي في الدارين جُملة واحدة …..
وصدق الحق المُبين ( فَاقصُصِ القَصَصَ لعَلَهُم يَتَفَكَرُون ) الأعراف 176
موسى عليه السلام وأسلافه النبيين وأتباعه المرسلين وأولياء الله والموحدين والمستضعفين، دعوتهم واحدة وعقيدتهم ناصعة ونصرتهم مؤكدة في الدارين…..
ومن أراد العظة والعبرة فعليه بالقصص القرآني، فثُلث القرآن الكريم قصص، وأعظم صور العظة والعبرة من سرديات القرآن ، مسالك الظالمين، ونهايتهم في الأذلين، وحسبك والفرعونية الكاذبة والقارونية الكانزة، التي اقتُبست شظاياها في العهد النبوي في شَخصَي كسرى وقيصر، وتكررت من بعدهما بالحيلة والمكر، ولا يزال التكرار مألوفاً بتوق إلى الإقرار، فما أغنتهم موعظة رب العالمين ولا نبيه الأمين ولا اعتبروا بأهوال ريب المنون.