مضت سنة الله في الأمم السالفة بإطالة أعمارها وقلة ثوابها، ومضت سنته في آخر الأمم بقلة أعمارها وكثرة أجرها… وهذا ما يدعو للتأمل والتدبر…
عمرٌ طَويلٌ وأجرٌ قصير، وعمرٌ قصيرٌ وأجرٌ كبير، يُجليان الفرق بين سائر الأمم السابقة، وأمة آخر الزمان الحالية..
بسطَ الله في أعمار وأجساد الأولين، فعتوا وبطروا واستكبروا في الأرض بغير الحق، ليصطفي آخر الأمم بقصر الأعمار مع الإبساط في الأجور والإثابة..
عوض الله الأمة المُحمدية عن قصر أعمارها بإسداءات وإغداقات، بين ومضات التضاعف الأجري، وإشراقات التبارك العمري…
فجعل أجر ليلة القدر كألف شهر.. بما يمثل 83 سنة، وفي الحديث من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)..
فمن أدرك ليلة القدر طيلة عشرين سنة متوالية على الوجه الأمثل، فكأنما بلغ عمر سيدنا نوح في العدد والمدد..
وعلى نفس التماهي يتضاعف أجر العشر الأولى من ذي الحجة وحسبُك ويوم عرفة… فليس في سائر أيام السنة أعمالاً صالحة تناظر فضل هذه الأيام العشر….
كما يأتي تعويض هذه الأمة عن قصر أعمارها في هذا الموطن العظيم ، ذلك في تعدد وتنوع مناقب الشهادة، لتشمل المطعون، المبطون، الغريق، صاحب الهدم، والمرأة تموت في نفاسها شهيدة، فضلاً عن المجاهد في سبيل الله.. فإن لم يدرك الجهاد، فكل مسلم مات مبطوناً أو مطعوناً أو غريقاً شهيد بإذن الله ،..
والصلاة في المسجد الحرام تعادل مائة ألف صلاة، والصلاة في المسجد النبوي تعدل ألف صلاة، والصلاة في المسجد الأقصى بمعدل خمسمائة صلاة…
هكذا كانت الحكمة من قصر عمر الأمة بين الستين والسبعين وقليل من يتجاوز ذلك… كي تتقدم الأمة على سائر من سبقوها بأجر عظيم، وولوج إلى متاعٍ أخروي مقيم…