دعي الرئيس السيسي الي الوعي الوطني هو إدراك الإنسان وحفظه وفهمه وقبوله الحقيقة في محيط بيئته الذي يعيش فيه، وهو مفتاح سر الحداثة وأساس البناء والتنمية. وقال حب الوطن يعني الوعي به وبالمواطنة الحقيقية التي تشكل نقطة البدء الأساسية في تشكيل نظرة الفرد إلى نفسه وإلى شركائه في الوطن. الوعي الوطني مصدره العقل إنه يحرك أفضل ما في الإنسان من سمات الحكمة والاتزان، ومن عنوانه فإنه ليس وطنياً بحتاً بل هو مبني على قاعدة الإنسانية، ويتضمن الآتي:
• قبول مبدأ الوحدة في ظل التنوع والاختلاف الذي حبانا به الخالق عز وجل، واستغلاله في بناء وتنمية الوطن. • احترام الكرامة الإنسانية والولاء لحريتها في الاعتقاد، والفكر والرأي. • عدم المساس بشرف الناس وممتلكاتهم واعتبار كل معتدٍ شر وآفة المجتمع.
• أعظم تجليات هذا الوعي يكمن في حب الخير للآخرين، وتقديم الخدمة لجميع البشر دون أدنى تعصب أو تمييز. • الإيمان بنبل جوهر الإنسان وعدم الطعن في نيات القلوب لأنها تنبع من عرش الرحمن.
• الإيمان بأن الأحاسيس المتدفقة، التي تميز الإنسان عن أي كائن حي، ووجودها أشبه بالعلاقة الفيزيائية (الثابت والمتغير)، فالأصل هو الفطرة الإنسانية النبيلة والتربية السليمة، والمتغير هو مشاعر الحب أو الكراهية، لذلك فإن الوعي سيجعل محور هذه التربية في الأسرة والمدرسة والمجتمع هو حب الآخرين والتعاطي معهم بروح من التعاون المبني على رغبة صادقة في التعايش والتسامح.
ما نراه اليوم من حروب وصراعات عديمة الجدوى، إنما هي مرتبطة بانحرافات فكرية في اكتساب هذا الوعي سببها الغوص في مستنقع الأنانية وحب الذات وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، ونتيجتها عدم تحقيق أي نهضة وتقدم ليبقى التخلف سيد الموقف.
إذا كان الوعي يحرك أفضل ما في الإنسان من سمات الإيمان والعقل والحكمة والاتزان، فإن التعصب يستدعي أسوأ ما فيه من نزاعات المكايدة والمشاحنة وخيبة الآمال.
وخطورة «صراع الأفكار» أنَّ فكرةً واحدةً صحيحةً قد ترتقي بأمَّة، وأنَّ فكرةً واحدةً فاسدةً قد تضرُّ بأجيالٍ كاملةٍ، وذلك أنَّ تحضُّر أيِّ أُمَّة يبدأ بفكرةٍ إيجابيَّة متفائلةٍ تنطبع في أذهان أبنائها حتَّى تصل إلى درجة الاعتقاد الجازم المفضـي إلى الحركة الواقعيَّة الفاعلة في الحياة، وأنَّ تخلَّف أيِّ أمَّة يبدأ بفكرة سلبيَّة قاتلة تستقرُّ في نفوس النَّاس حتَّى تعزلهم عن الكون، وتمنعهم اكتشاف أسراره، وسبر أغواره.
والنَّجاة من هذا الصِّراع بل الفوز فيه لا يرتبط بالأسلحة مهما كانت فتَّاكة، وإنَّما يتوقَّف على مدى وجود الوعي ونضجه لدى المجتمع أفرادًا ومؤسَّساتٍ.
وإذا كانت أوطاننا قد خاضت معارك متنوِّعة فإنَّ أخطرها على الإطلاق هي «معركة الوعي»، خاصَّة أنَّنا نعيش مرحلةَ تزييفٍ متعمَّدٍ، تحاول أن تُخِلَّ بميزان الحلال والحرام، ومعاييرِ الصَّواب والخطأ؛ وأن تعبث بمكوِّنات هويَّتنا الَّتي تأصَّلت عبر سنين متطاولة، وكأنَّها تريد منَّا باختصار أن نُخرج ذواتِنا منَّا ونُدخل مكانها ذواتٍ أُخَر غريبةً عنَّا في العقل والإحساس والشُّعور والأحكام! فهو تزييف متعمَّدٌ يخلط كلَّ شيءٍ بكلِّ شيء، فلا يتبيَّنُ شيءٌ من شيءٍ.
وهنا يتأكَّد دورُ المصلحين من العلماء والمفكِّرين والقادة، بل يتأكَّد دورُ كلِّ عاقلٍ في تنمية الوعي الفرديِّ والجماعيِّ لإرشاد الأمَّة إلى مسارات القيادة والرِّيادة والسِّيادة.
لذلك كان تناول الحرية مرتبطا بالوعي، منسجما مع أولويات نقل المجتمع إلى الإنتاجية، والبحث عن المستقبل في قدرات أبنائه وعطائهم المستمر، وتصبح عمليات التكامل بينهما والتناغم في مقتضيات عملهما منطلق لبناء مسارات التوازن في فهم الحالة المجتمعية وتشخيصها وتطوبرها والانطلاقة بها لمرحلة التأثير وتقديم الحلول للمشكلات والتحديات الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والفكرية والتعليمية والاقتصادية وغيرها، لما يمكن أن تسهم به الحريات المقرونة بالوعي من تحويل الأنماط السلبية إلى موجهات إيجابية من خلال من تحمله من أطر وأدوات وآليات تتسم بالمهنية والمصداقية، وما تؤمن به من منطلقات قائمة على النقد البناء والاعتراف بالرأي والرأي الآخر وحرية التعبير في ظل القانون، فالوعي يمنح الحرية مساحة أكبر للبروز والظهور والتأثير والاستدامة في اختيار الفرص وتوظيف البدائل، وتقريب المفاهيم والأفكار والنماذج المحاكية للواقع في فهم الحريات إذ هي بالأساس حريات مسؤولة يكفلها القانون وتحميها الأنظمة والتشريعات وفق ممارسات معتدلة، وأنماط فكرية متزنة واعية بقيمة حس الكلمة ونمط التعبير،
وآلية الوصول للحقوق وطريقة الحصول عليها، وموجهات وأطر وطنية وتشريعية ودينية وفكرية تستجيب لدواعي الضمير الحي المخلص للأوطان، وسلوك منهج القوة المستند على نبوغ أرصدة القيم والأخلاق والهوية، في منح الذات استقلالية التفكير، وإيجابية الفكر في مواجهة الأفكار المحبطة والتدخلات المغرضة، وأصحاب الحسابات الوهمية والأسماء المستعارة عبر منصات الواصل الاجتماعي، إن مسارات التناغم عندما تؤمن بها المجتمعات، وتعمل على تحقيقها الأنظمة، لا شك بأنها قادرة على نقل الإنسان المواطن من الفردانية إلى المجتمعية، ومن سلبية النظرة وعقم التفسير إلى مساحات أوسع من التأمل والتحليل والإيجابية والحيادية المؤطرة
من خلال منهجيات العمل، ورصانة الثقافة، وتنوع الدلائل وقوة الشواهد وتعدد المؤشرات وتوظيف الإحصائيات، وعندها تصبح الحرية المراد تحقيقها الترجمة الحقيقية للوعي، كونها حرية مسؤولة تستهدف بناء الإنسان وتحقيق العيش الكريم له، ومنحه فرص أكبر لابتكار الأدوات المناسبة لطبيعة التحديات الذي يواجهها بتوظيف البحث والابتكار والاختراع كمنصات للحرية داعمة له في هذا الشأن، فإن هذا التنوع في البدائل، واستخدام أدوات مقبولة في التعبير عن الحقوق والمطالبة بها، سوف يضمن الاستفادة من التباينات الحاصلة باعتبارها محطات للالتقاء ومشتركات لأجندة العمل القادمة، والطريق الذي يمكن من خلاله بلوغ الأولويات وتحديد الاحتياجات، وفرصة أكبر للتصالح الذاتي والترابط المجتمعي.
إن طريقة تعاطي البعض مع مفهوم الحريات على أنها حق مكتسب لا يبيح له أن يصنع منها ملحمة بطولية وشهرة لا أخلاقية يصفق لها البعض، ومدخلا للفوضى، ومنطلقا للإشاعة، ودعوة لكسر القانون وتجاوزه، وسقوط في هاوية التنازع والاختلاف، وركون إلى البحث عن السلبيات وإنكار لجهود التنمية، ودعوة للفرد بالانسلاخ من مبادئه وقيمه وأخلاقه وأعرافه، حتى وإن كلف الأمر خراب الأوطان وذهاب قوتها وهيبتها، والتعدي على سيادتها، أو نزوع عن الأخلاق، ونفوق في القيم، وانحراف عن نهج المجتمع وهويته، وإثارة للفتنة وإشغال الناس بأفكار بائسة، وزيادة فجوة الثقة بين الشعوب والحكومات، وما ولدته هذه التوجهات الفكرية من ثقافة الكراهية بين الشعوب، والعداء للحكومات، وما حالة التمزق والتشريد والفتن والحروب ودخول الجماعات التكفيرية والإرهابية على الخط التي تشهدها بعض بلدان العالم، إلا أحد نواتج الحريات المزعومة التي تتملص من أي قيود أو ضوابط أو قيم وأخلاقيات، فإن الحريات التي لم يصادفها الوعي أو تقترن بها الأخلاق أو تحتويها الهويات أو تضمها العقول الناضجة والضمائر الحية والأذواق الراقية، حريات مبتورة تفتقد للوعي الذي يعزز فيها منحى الإنسانية، ويُلبسها ثوب الأخلاق والقيم، ويؤصل فيها أخلاقيات الإنسان وفضيلة الرشد، وهي بيئة أسيرة للفوضى ومساحات خصبة للجراثيم الفتاكة، وموطن لتكاثر روائح المذهبية النتنة والعصبية العرقية البغيضة.
من هنا فإن التأكيد على التكامل بين الوعي والحريات كمطلب اجتماعي وأولوية وطنية لكل الشعوب التي تسعى لأن يكون لها في عالم اليوم حضورا فاعلا ونشاطا مؤثرا ووزنا يرسم لهذا العالم طريق النجاح ومنهج الإخلاص ويؤسس لمجالات أكبر للشراكة والتصالح مع النفس والثقة في الحوار والمصداقية في اللقاء والاعتراف بحق الآخر في العيش والحياة والوجود والتعليم والصحة، فإن الوعي والحريات مسار لتصحيح الواقع وتغيير المسار وتعميق روح المسؤولية وحس التنمية، في ظل حكمة عقل ورقابة ضمير، وشعور إنسان، فيأخذ بمنظور الحرية، ليُعلي من سقف المطالب المشروعة، وفق مبادئ العدالة والمساواة والحقوق،
وتصبح الحقوق نتاجا لقدرة الإنسان على تحقيق أولويات وجوده، والمهام المطلوبة منه نحو مجتمعه ونهضة أمته وقدرته على نقل مساحات التعايش والتمكين والحوار إلى سلوك يومي ومنهج حياتي يظهر في أقوله وأفعاله وردوده وإخلاصه والتزامه وانضباطه وهويته وسلوكه وأخلاقه في حفظ الحقوق وأداء الواجبات والقيام بالمسؤوليات، فيتعامل معها بوعي ومهنية ويحميها ويحفظ توازنها ويوجه مسارها ويضبط آليات عملها ويؤصلها في المجتمع بطريقة تضمن قدرة هذه المساحات من الحريات على تحقيق الأمان النفسي والفكري والجسدي له،
فإن وجود الوعي دليل على وضوح الأهداف ورقي الأدوات ودقة تحقيقها ووجود شراكة مجتمعية من كل الطوائف نحو بلوغ مستويات أعلى من الأمن البشري، فيصبح التوجه إنما هو لصالح التنمية المستدامة وتأصيل منظومة قيمية أخلاقية، والمحافظة على سيادة الدولة ووحدة الوطن وكرامة الإنسان ووضع الحكومات أمام مسار مراعاة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها،
وتوجيه الممارسات نحو انتقاء أفضلها، بما يحفظ لحمة المجتمع وتكاتف أبنائه، وبالتالي تكوين حالة من التريث والتأني في التعاطي مع الأمور، وتجنيب الاندفاع والحكم المسبق على ممارسات الطرف الآخر، وكف اليد واللسان من التطاول على المصالح الوطنية العليا، والعبث بمقدرات المجتمع أو التأثير على الناس بأفكار أحادية.
خلاصة القول: إن الوطن هو وطن القلوب، لا التراب والعفن. والوعي الوطني يوقظ مشاعر الحب ويقوي روح التعايش والتسامح و التحلي بحس المسؤولية ابتداءً من الفرد نفسه ومن ثم الآخرين.