قِلمَا يجود الزمن المعاصر بضرغمٍ يجمع بين الوطنية والفدائية في نواحي صفاته، وطنية مشبوبة، وفدائية مشهودة، وطنية مواضيها باسقة، وفدائية قطوفها دانية…
هاتان خلتان عنونت سيكولوجية عبقري مصري في الميدان الحربي، ذلكم الفريق العريق سعد الدين الشاذلي…
يطل اسمه من مشكاة الخالدين في ذاكرة التاريخ الحديث ، مصريهِ، وعربيهِ، وعالميهِ، كأحد القادة العسكريين المغاوير قيادةً وبسالةً، وتؤدةً وبطولة..
ذلكم المقاتل المصري الذي تحل ذكرى وفاته الثالثة عشر في هذه الليلة، ومعها يكون المخاض…
أجزم هاهنا بالأيمان الغلاظ، أن قلمي لا يعرف محاباة في غير موضعها، ولا مجافاة يأثم عليها، فذاك هو المُتحَيد الصَارم المُتجَرد، بنبضه الحيي المُتجَدد… فلا رفعت رجلاً فوق قدره تملقاً، ولا أبخست رجلاً دون حقه تجهماً… ليمضي حديثي عن سعد الدين الشاذلي من هذه الزاوية التي ارتأتها الأقلام النزيهة سلفاً وخلفاً عدلاً وإنصافاً،،
وصاحبُ بيت القصيد هنا رجلٌ كان منحة الأقدار لمصر، في عصيب فتراتها الكالحة، بعد نكسة السابع والستين ، فكأنما أراد الله لمصر استرداد كرامتها المسلوبة، عبر رجال وأرتال ، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فبينما هم جحافل كُثر، فإذا بأفتكهم حرباً، وأحلمهم عقلاً، وأخلقهم وصفاً، وأخلدهم ذكراً… الفريق سعد الدين الشاذلي، حجر الزاوية في ترجيح مصر على عدوها في نصر أكتوبر الميمون… بهمته القعساء، ودابته الجدعاء، وروحه الوثابة، وجسارته البراقة….
ولعل دواعي فضولي هي التي ألهبت دواعي سروري، للحديث عن هذا العلم المصري المتشمخ بلواء العسكرية، والتي بلغ تحت ألويتها مبلغاً عمرياً فائقاً، جندياً ، ضابطاً ، قائداً، مؤسساً لسلاح المظلات، ومستصحباً له في وطيس أكتوبر…
وبينما تناهت صور الرجال الخُلص الذين سطروا ملحمة نصر أكتوبر المبين، بغزارة كفاحهم وجسارة صمودهم الحصين، قادة الترسانات وصناديد الدبابات من الخيرة والأساطين، الذين وسعهم التاريخ بين دفتيه ، فحسبنا والصنديد الأغر سعد الدين الشاذلي القائد الأحوذي…
هو مهندس النصر في يوم أكتوبر المكين، وباثث الأمل وباعث العمل في كتيبة المقاتلين، الذي كوفيء باثنتين من أعظم النياشين، قلادة نجمة سيناء وقلادة النيل العظمى أرفع وأسمى وسامين كل في آن….
سعد الدين الشاذلي هو أحد أعظم العسكريين المصريين، الذي داهم خط الدفاع البارليفي لبني صهيون، فدكه دكاً ومزقه إرباً إرباً في الأذلين؛،
ولا غرو أن تُكلل سيرورته في جل ذروته بقلادة حقبة الدبلوماسية الخارجية، فكان سفيراً نجيباً في انجلترا والبرتغال…..
ورغم تاريخه المُشرق والمُشرف، والحافل بالصولات والجولات، في ميادين القتال والاستبسال، من أجل مصر تراباً ووطناً، وتأسيسه وتطويره لسلاح المظلات، وارتقائه بالمفهوم الأشمل والأعمق للجندية أيما ارتقاء، حُجبت عنه وسائل الإعلام، وظل مهيض الجناح مُثخن الجراح، على اتساع الرقعة الزمنية لحكم مبارك، فلاذ بالفرار إلى الجزائر، ليجد فيها مندوحة البوء بأدق أسرار الحرب الأكتوبرية، وخلافه مع القيادة الرأسية للجيش آنذاك، وعدم نزولهم على سدادة رأيه في أهم مجريات الحرب، وما بعد الحرب بتذمره وزمجرته من القبول بمعاهدة السلام، وسُحبت منه قلادتي نجمة سيناء والنيل العظمى، ليستعيدهما مُلقياً عليهما آخر نظرات الكمد والكبد، ثم يرحل عن عالمنا في نفس اليوم الذي تنحى فيه مبارك …. في مفارقة قدرية فريدة ….
رحم الله سعد الدين الشاذلي وكل شهداء مصر في يوم أكتوبر….