التنمر .. وما ادراك ما التنمر.. واحد من اخطر داءات العصر الحديث.. زادته وسائل التواصل الاجتماعي وطغيانها العاتي تطاولا واتساعا وامتدت اثاره الخطيرة الى جوانب الحياة المختلفة ولم يعد التنمر محصورا في فئة خاصة او جماعة عرقية معينة بل تسلل بفعل الفوضى الاجتماعية والاهمال ايضا الى كل فئات المجتمع تقريبا ولم يعد هناك استثناء من التنمر حتى كبار الساسة والنخب الثقافية والفنية والرياضية وغيرها اصبحت موضوعا سهلا ومفضلا للتنمر السخيف والظريف احيانا..
والحقيقة ان التنمر ظاهرة عالمية خطيرة تعاني منها كل المجتمعات بلا استثناء وتشير اخر الإحصائيات العالمية الى إن 1 من 3 أولاد يتعرض يوميا للتنمر و75% من الأولاد شهدوا تنمرا على الآخرين و70% من المسؤولين في المدارس رأوا تنمر الأولاد على نظرائهم، و57% من حالات التنمر توقفت عند تدخل الآخرين.
وللاسف هذه النسب في تزايد مستمر بصورة تهدد النسيج الاجتماعي وتساعد على نشر كثير من الامراض الخطرة كالاكتئاب والعقد النفسية وتزايد الميل الى الانتحار فضلا عن امراض اخرى عديدة مثل التشجيع على الادمان وانتشار الجرائم بانواعها..الامر جد خطير وليس بالهزل..فقد توصلت دراسة أميركية حديثة إلى أن الأطفال الذين يكونون ضحايا التنمر قبل أن يصحبوا متنمرين هم أكثر تعرضا بستة أضعاف للإصابة بأمراض خطيرة في وقت لاحق من حياتهم.
أجرى الدراسة باحثون من جامعة “وارويك” والمركز الطبي في جامعة “دوك.وشمل 1420 شخصا بين سن التاسعة والسادسة عشرة تابعهم الباحثون حتى بلغوا سن الرابعة والعشرين والسادسة والعشرين من العمر بهدف معرفة آثار التنمر على المتنمرين أنفسهم وعلى ضحايا التنمر وعلى الأشخاص الذين يكونون ضحايا التنمر قبل أن يتحولوا إلى متنمرين.
ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين كانوا ضحايا التنمر قبل أن يصبحوا متنمرين في صغرهم أكثر تعرضا للإصابة بمشاكل صحية في سن الرشد إذ كانوا أكثر تعرضا بستة أضعاف لإصابتهم بأمراض خطيرة أو لأن يدخنوا بشكل مستمر أو لأن يصابوا بمشكلة نفسية بالمقارنة مع الأشخاص الذين لم يتعرضوا للتنمر أو يمارسوه.
قد يسال سائل وما مناسبة هذا الكلام الان؟!
الجواب ببساطة :خطوة مهمة ومقدرة تشهدها مدار القليوبية عبر عنها بيان على الانترنت نشره امس الاول فرع التامين الصحى بالمحافظة تنظيم ندوات «تثقيف صحي» لطلاب المدارس والجامعات بالقليوبية..وعقدت الندوات بمدرسة تصفا الرسمية للغات والمدرسة الإعدادية المشتركة بتصفا ومدارس منطقة الخانكة تناولت التعريف بأهم الإساءات الخمسة وهي اللفظية والتنمر وأنواعه الحسي والمعنوي وأضراره على الصحة الجسدية والنفسية ودور الأهل والمدرسة في منع التنمر المدرسي وضرورة البعد عن هذا السلوك الخاطئ، وتشجيع الطلاب على التعاون والمشاركة لنشر الحب والمودة بين جميع الطلاب وشهدت الندوات التثقيفية تفاعلاَ بين الطلاب والمحاضرين.
الدكتور سيد جلال مدير الفرع اكد أن التنمر بأنواعه يعتبر قضية واسعة الانتشار وخطيرة ولها تأثير سلبي كبير على الجوانب النفسية والعاطفية والاجتماعية للأفراد، وتعد ظاهرة إجتماعية مرفوضة شكلًا وموضوعًا وتتطلب معالجة مشكلة التنمر ضرورة اتباع منهج صحيح من الآباء والمعلمين والطلاب وتضافر جهود الجميع لضمان علاج المشكلة من خلال تشجيع الطلاب وزيادة ثقتهم بأنفسهم، وتقديم الدعم والتوعية، لخلق بيئة آمنة ومحترمة للجميع.
خبراء الصحة النفسية يعرفون التنمر المدرسي بأنواعه بأنه “فعل يتضمن الكلام البذيء، الشتم، التوبيخ، السخرية، وصولاً إلى الضرب، ويروت انه أقوى وأخطر من العدوان.ويشيرون الى العديد من العوامل التى تشعل نار التنمر في مقدمتها الفقر والأساليب الأسرية الخاطئة في التنشئة ووجود الأب المتسلط أو الأم القاسية والتحقير والإهمال وتصرفات الأب العدوانية. بالاضافة الى ان عدم إشباع حاجات الطفل العاطفية والاقتصادية في الأسرة أيضاً لها الدور الواضح وإن كان بشكل غير مباشر الى جانب أن قسماً من المتنمرين يعانون اضطرابات نفسية وهم بحاجة لتداخل طبي لحمايتهم وحماية من حولهم.
وللانصاف فان المسئولية لا تقع على الاسرة فقط ولكن في الاونة الاخيرة اقتحم الساحة لاعبون اشد خطرا في صناعة التنمر بدات بالنلقزيون والمسلسلات الدرامية والافلام السينمائية وبرامج الفكاهة والسخافة الى ابعد الحدود والنكت السريعة وغيرها وكلها كانت تقدم موادا مشحونة بالتنمر والتحريض عليه ..
المتنمرون يرتاحون جدا حين يلحقون الأذى بالآخرين، حيث يتماهى الكثير منهم مغ الأقوياء وتراهم يتابعون باستمرار أفلام الأكشن والمصارعة الحرة.
ثم كانت الطامة الكبرى مع وسائل التواصل الحديثة والانتشار الكبير للفيس بوك واليوتيوب والتيك توك واخواتها وهذه رفعت من وتيرة التنمر وزادت من حدته على الصعيد العالمي وليس المحلي فقط..
وبات هناك ما يعرف بالتنمر الالكتروني وهو اشد خطرا لانه كالسرطان يتسسل ويتسللل ثم ينفجر بصورة صاعقة..فوفقا لما نشرته الامم المتحدة تشير الأبحاث إلى أن ما يصل إلى 7 من كل 10 شباب قد تعرضوا للإساءة عبر الإنترنت في مرحلة ما.فبعد أن أصبحت تكنولوجيا الاتصالات تشكل جزءاً لا يتجزأ من الحياة العصرية فإن بعض الشباب لديهم فرصة ضئيلة جداً للهروب من الإساءة ويبقى العديد منهم في حالة مستمرة من التوتر والقلق. واحد من كل ثلاثة ضحايا للتنمر قد تعرض لاذى ذاتي من جراء ذلك، وأقدم 1 من كل 10 على محاولة الانتحار.
وقد وُجِدَ على نحو دائم أن واحداً تقريباً من كل إثنين من الشباب الذين تعرضوا للتنمر لم يخبر أحداً أبداً بذلك بدافع الخوف أو الحرج أو عدم الثقة بأنظمة الدعم. إن سوء المعاملة سواء كانت على الإنترنت أو خارجها، تترك أثراً مدمراً على الصحة النفسية والجسدية للشباب، وتولد موجات إضافية من الإجهاد.
على مدى فترة استغرقت أربع سنوات وبعد تحليل 19 مليون تغريدة وجد تقرير “Ditch the Label and Brandwatch” أن هناك ما يقرب من 5 ملايين حالة من حالات كراهية النساء على تويتر وحده. وقد وجد أن إثنين وخمسون بالمئة من إساءات كره النساء المسجلة قد كتبت بواسطة نساء وغالباً ما استهدفت المظهر والذكاء والتفضيلات الجنسية للنساء الأخريات. ووجد التقرير أنَّ أولئك الذين يناقشون السياسة والرياضة على الإنترنت هم الأكثر عرضة لتلقي إساءة على تلك المنصة مما يسلط الضوء على ثقافة التعصب وعدم الاحترام تجاه عدم تجانس الآراء.
يقوم الإنترنت بفرض تحديات فريدة فيما يتعلق بسوء المعاملة. فعلى سبيل المثال لا توجد قيود جغرافية على العضوية أو الاتصال؛ فمن الممكن الآن لشخص ما أن يتلقى إساءة تتعدى مجتمعه الواقعي خارج الإنترنت.
لا يأتي كل التنمّر الإلكتروني من قبل الناس الذين يعرفون المتلقي؛ وغالباً ما يتم إرساله من مجهول، مما يترك مزيداً من الآثار على التحقق من سوء المعاملة خارج الإنترنت أيضاً. يمكن للتنمّر الإلكتروني المجهول أن يقوض إلى حد كبير الشعور بالثقة والأمان بالنسبة لأولئك الذين يتلقونه، لأنه يصعب إثباته دون تدخل السلطات التي نشأ فيها واقعة سوء المعاملة.ويمكن أن يخلق حالة من جنون الشك والاضطهاد.
وفي الحالات الأكثر تطرفاً للتنمّر الإلكتروني تَعَرَّض الأمن الشخصي للمتلقين وخصوصيتهم للخطر من خلال المشاركة غير المصرح بها لمعلوماتهم الشخصية مثل عنوانهم ورقم هاتفهم والتفاصيل الأسرية الحميمة التي تخصهم. “الانتقام الإباحي” هو مصطلح يستخدم لوصف فعل مشاركة المحتوى الإباحي الذي يتضمن شخص ما دون موافقته في محاولة للتشهير به وإحراجه علناً ولدى أصدقاءه وأفراد أسرته المقربين.
على المستوى المجتمعي غالباً ما يتم إلقاء اللوم على ضحايا الانتقام الإباحي بسبب سوء معاملتهم لأنفسهم ويقال لهم أنه لم يكن يتعين عليهم أبداً القيام بإرسال صورهم أو مقاطع الفيديو العارية الخاصة بهم.
اذا كان الامر بهذه الخطورة وقوة الانتشار والتاثير قان المسئولية بالتالي لا تقع على طرف واحد ومن الصعوبة ان يتحملها .. انه مسئولية مجتمع كامل ومتكامل بل مسئولية دولية ايضا يجب ان تحشد لها كل الطاقات والجهود المخلصة لمواجهة الخطر الداهم.
وهنا نشير الى مجموعة من المقترحات والتوصيات التى قدمها مرصد الازهر بعد متابعته لظاهرة التنمر ودراستها وهي توصيات جديرة بالاعتبار يرى انه يمكن من خلالها الحدُّ من ظاهرة التنمر منها:
أن تتبع الأسرة أساليب التربية الإيجابية والبعد عن التعنيف والعقاب الموجه للأبناء، وضرورة الإشراف والمتابعة الأسرية لأي محتوى يقدم للطفل سواء كان مقروءًا أو مسموعًا أو مرئيًّا، وحجب أي محتوى يحث على العنف أو يعزز سلوك التنمر لدى الطفل وأن تتحلى الأسرة بثقافة تعديل السلوكيات السلبية والحد من السلوك العنيف لدى الأبناء وذلك في مرحلة مبكرة.
أهمية اتباع العاملين في المجال التربوي منهجًا تربويًّا يقوم على تنمية حس الإبداع، وتعزيز ثقافة التسامح، وتنمية الفضائل الأخلاقية وتعزيزها، وانتهاج سياسة واضحة للحد من التنمُّر المدرسي، وتفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين داخل المؤسسات التعليمية وعدم اقتصار الرحلات والمعسكرات والأنشطة الطلابية على الجانب الترفيهي فقط وينبغي على المدرسة تحديد توقعات واضحة للسلوك المقبول من قبل طلابها ووضع معايير واضحة وضوابط يتم من خلالها تحديد العقوبة التي سوف تتخذ إذا تم مخالفة تلك الضوابط والمعايير مع التأكيد على ألا تكون العقوبات بشكل مفاجئ للطلاب وأن تكون معلنة لهم وضرورة لوضع برنامج تدريبي يشمل أطراف العملية التعليمية كافة من معلمين وإداريين وسائقين ومشرفين وعمال بما يؤهلهم للتعامل الجيد مع ظاهرة التنمر بشكل صحيح.
تشديد الرقابة على المحتويات الإعلامية والدرامية المقدمة للجمهور لتخلو من أية مظاهر تحث على التنمر بصوره وأشكاله كافة، والاهتمام بالمحتوى الإعلامي الذي يستهدف فئة الأطفال والمراهقين. واستثمار وتوظيف الأنشطة الرياضية بالتشجيع على الألعاب التي تتسم بتعزيز سلوك التعاون والمحبة والإيثار.
ينبغي على المؤسسات الدينية والرسمية وأطراف المجتمع كافة، التصدي للظاهرة باعتبارها ضارة وأحد العوامل الأساسية في تهديد السلم المجتمعي والإضرار بالنشء والأجيال القادمة نفسيًّا وسلوكيًّا وفكريًّا..
والله المستعان ..
megahedkh@hotmail.com