النظام الدولي “القائم على القواعد”.. مهدد بالانهيار..!!
“الفيتو” .. يهدر العدالة وينشر الظلم .. ويغذي “الإرهاب” ..!!
بلينكن يتغاضى عن الانتقادات الموجهة لبلاده .. في “مجموعة العشرين”
البرازيل: الأمم المتحدة غير مؤهلة للتعامل مع التحديات الحالية ..!!
كيف تمد واشنطن إسرائيل بالمال والسلاح.. ثم تقول: المستوطنات غير شرعية؟!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
صادف السبت الماضي الذكرى السنوية الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا. وقد دمر الصراع الذي أعقب الغزو مساحات واسعة من الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية، وأدى لمقتل عشرات الآلاف، وتشريد الملايين، وتكدير صفو السياسة العالمية. أدى ذلك للقطيعة بين روسيا و الغرب، وتعزيز التضامن عبر الأطلسي والجهود التي قادتها واشنطن لتسليح ودعم أوكرانيا، حيث استنزفت تلك الجهود الترسانات العسكرية على الجانبين وتطلبت عشرات المليارات من دولارات دافعي الضرائب الغربيين.
في الوقت نفسه، يشهد العالم ما يجري من مذابح وتدمير وعمليات إبادة عرقية وتجويع وحرمان من أبسط مقومات الحياة للعرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة على أيدي قوات الكيان الصهيوني، واستمرار كل هذه الانتهاكات دون أن يتمكن العالم، بدوله ومنظماته الدولية، من وقف العدوان السافر وإنهاء الاحتلال الذي دمر الحجر والبشر.
مع ذلك، بالنسبة للعديد من الزعماء الأوروبيين والمسؤولين الأميركيين، فإن قيمة دعم أوكرانيا لا تقدر بثمن. ويجادلون بأن “الديمقراطية الوليدة” يجب الحفاظ عليها. وأنه لا ينبغي السماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتن بأن يعيد كتابة قواعد الطريق ويتجاهل حقوق أوكرانيا كدولة ذات سيادة، ويعيد رسم الحدود ويستهزئ بالقانون الدولي.
وحذَّر الرئيس بايدن، بعد شهر من الغزو الروسي، من أن الحرب في أوكرانيا هي “معركة بين الديمقراطية والاستبداد، بين الحرية والقمع، بين نظام قائم على القواعد ونظام تحكمه القوة الغاشمة”.!!
لكن هذه التحذيرات بدت جوفاء. وكانت هذه وجهة نظر الكثيرين خارج الغرب في أعقاب الغزو الروسي، وتعمقت هذه الرؤية مع اندلاع الحرب الموازية في غزة، حيث تتضح بجلاء ازدواجية الغرب في التعامل مع الأزمات، الأمر الذي يعد انتهاكا صارخًا للشرعية الدولية ويهدد بانهيار النظام الدولي من قواعده!!
يرى كثير من المراقبين أن الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة كانت بمثابة تذكير بالمعايير المزدوجة التي طال أمدها على الساحة العالمية. لقد دمرت إسرائيل قسماً كبيراً من غزة بعد الصدمة النفسية في 7أكتوبر، وقتل الاحتلال عشرات الآلاف من المدنيين، وصنع أزمة إنسانية مذهلة. وتحذر وكالات الأمم المتحدة وعمال الإغاثة من أن تفشي الأمراض بسبب سوء التغذية الذي قد يودي بحياة عشرات الآلاف من سكان غزة في الأشهر المقبلة.
والتواطؤ الغربي السافر في المعاناة الفلسطينية يعيق الدبلوماسية الأمريكية. ففي هذا الأسبوع، وخلال الاجتماعات الوزارية لمجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل، تغاضى وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن انتقادات نظرائه بشأن آخر مثال على استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) ضد دعوات مجلس الأمن لوقف فوري لإطلاق النار في غزة. وكانت عزلة الولايات المتحدة الظاهرة بشأن هذه المسألة تتناقض تمامًا مع قمة مجموعة العشرين التي عقدت العام الماضي في الهند، حيث استطاعت إدارة بايدن حشد إدانة واسعة النطاق للغزو الروسي لأوكرانيا، حسبما يرى ايشان ثارور وسامي ويستفال في مقالة مشتركة بالواشنطن بوست.
وجد بلينكن، في اجتماعات “العشرين بالهند، جمهورا أكثر تقبلا عندما استشهد بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ السيادة لانتقاد استيلاء موسكو على الأراضي”. “لكن في البرازيل، استشهد الدبلوماسيون بنفس المبادئ لانتقاد الحرب المستمرة في غزة، حيث قدمت واشنطن لإسرائيل غطاءً سياسيًا وقنابل ومعدات عسكرية بمليارات الدولارات”.
ولا شك في أن استخدام حق الفيتو يهدر العدالة وينشر الظلم .. ويغذي “الإرهاب” حول العالم..!!
ويمكن القول إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فشل في كلا الصراعين، حيث أدى استخدام حق النقض من كل من الولايات المتحدة وروسيا، بشكل منفصل، لإحباط العمل الدولي الجماعي. أعرب وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا، عن أسفه “للشلل غير المقبول” الذي يظهر في الأمم المتحدة، وقال إن “المنظمات الدولية المتعددة الأطراف القائمة حاليًا، ليست مؤهلة بشكل مناسب للتعامل مع التحديات الحالية”.
وقال لي ريتشارد جوان، مدير مجموعة الأزمات الدولية التابعة للأمم المتحدة: “الولايات المتحدة تستخدم الفيتو بشكل متكرر في المجلس وهذا يجعل من الصعب انتقاد الفيتو الذي تستخدمه روسيا”.
وأضاف جوان أن الروس يشعرون بوجود فرصة واضحة للإشارة إلى نفاق الولايات المتحدة. ويُعَد “النظام القائم على القواعد” مفهومًا مهمًا لدى الزعماء الغربيين، وخاصة بايدن، ويستشهدون به باستمرار في الشؤون العالمية. وقد يرون في تأييد أوكرانيا دفاعاً عن “النظام القائم على القواعد” ضد الوحشية الروسية، ولكن في الكارثة المستمرة في غزة، لا نظام ولا قواعد!!
ويقول عمال الإغاثة وجماعات حقوق الإنسان إن هناك أزمة غير مسبوقة، مكنت لها الولايات المتحدة بإجهاض جهود الأمم المتحدة لفرض وقف إطلاق النار. وقال كريستوفر لوكيير، الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود، أمام مجلس الأمن: “إن الاستجابة الإنسانية في غزة اليوم مجرد وهم -وهم مريح بادعاء أن هذه الحرب تتماشى مع القوانين الدولية !!
إسرائيل في قفص الاتهام بالفعل في المحكمة العليا التابعة للأمم المتحدة بسبب ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية بغزة. بدأت هذا الأسبوع جلسات استماع بشأن تحقيق منفصل في شرعية احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها عام 1967. وقالت لانا نسيبة، سفيرة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، أمام المحكمة: “القانون الدولي لا يمكن أن يكون انتقائيًا”. وأضافت: “يجب أن يطبق القانون على الجميع بالتساوي، وهو أكثر أهمية في ظل الاحتلال الطويل للأراضي الفلسطينية والظلم المستمر منذ أكثر من سبعة عقود”.
ويضيف ثارور: لكن الواقع هو أننا نعيش في عالم “انتقائي” يتسم بتراجع نفوذ الولايات المتحدة، وتحول التحالفات، والتآكل المستمر للقانون الدولي وكذلك المبادئ العالمية التي يقوم عليها.
وكتبت أنيس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، في مقالة مؤلمة نشرتها مجلة فورين أفيرز: “إن خطر الإبادة الجماعية، والانتهاكات المرتكبة، والمبررات الواهية التي يقدمها المسؤولون في “الديمقراطيات الغربية”، تنذر بتغيير كاسح”. “النظام القائم على القواعد الذي حكم الشؤون الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في طريقه إلى الزوال، وربما لا تكون هناك عودة إلى الوراء”.
وفي ختام مؤتمر ميونيخ للأمن، تصدر الصراع في غزة جدول الأعمال بسبب ظهور رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية.
وهيمنت الحرب في أوكرانيا على الجزء الأول من اليوم السابق، حيث تصدرت جدول أعمال زعماء العالم والوزراء المشاركين.
وسلط الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، الضوء على أوكرانيا والصراع بين إسرائيل وحماس في غزة والجنوب العالمي باعتبارها أولويات جيوسياسية للاتحاد الأوروبي.
وربط بوريل أيضًا بين غزة وأوكرانيا، وقال إن روسيا تستغل “المعايير المزدوجة” التي يطبقها الغرب على الصراعين.
كانت هناك وحدة بارزة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في إدانة روسيا ودعم أوكرانيا، لكنهما لم تكن لديهما الجرأة على إدانة إسرائيل والتأثير على الوضع في غزة، حيث قُتل أكثر من 28 ألف شخص -أغلبهم من النساء والأطفال -خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي.
ودعا بوريل لمزيد من الوحدة في الاتحاد الأوروبي إذا أراد أن يلعب “دورًا جيوسياسيًا” في الشرق الأوسط، حيث يرى “تشتت الأساليب بينما تريد العديد من الدول الأعضاء أن تلعب لعبتها الخاصة”. وقال إنه يجب على الولايات المتحدة أيضا أن تشارك وتدعم “المبادرة العربية”.
وحذر من أنه “بدون منظور واضح للشعب الفلسطيني، لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط” و”لا يمكن ضمان أمن إسرائيل بالوسائل العسكرية فقط”.
وقد افتتح رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، حلقة نقاش حول مستقبل العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية.
وأصر اشتية على حل الدولتين، لكنه قال إن الفلسطينيين لم يجدوا شريكًا راغبًا في التفاوض في إسرائيل، وأنه بعد عقود من المفاوضات غير الناجحة، هناك حاجة إلى حل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
“لقد حان الوقت لإيجاد الحلول. وقال: “نحن بحاجة إلى الاعتراف بدولة فلسطين”. وأشار اشتية إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية –الأكثر يمينية في تاريخ الدولة اليهودية –تعارض بشدة حل الدولتين الذي يدعمه معظم المجتمع الدولي.
“عندما لا يكون لديك شريك، فلا توجد عملية. وأضاف: “نحن بحاجة لتدخل طرف ثالث -أوروبا والأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول العربية -للتوصل إلى حل”.
وترك اشتية الباب مفتوحا أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق مع حماس إذا التزمت الحركة الإسلامية بمبادئ منظمة التحرير الفلسطينية، التي قال إنها لا تريد تدمير إسرائيل بل حل الدولتين.
وفي تناقض صارخ مع استمرار الولايات المتحدة في تقديم المساعدات المالية والعسكرية والدبلوماسية لإسرائيل، زعمت إدارة بايدن يوم الجمعة الماضي إن توسيع إسرائيل للمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة لا يتوافق مع القانون الدولي…!!
كذلك، في مؤتمر صحفي، خلال رحلته لحضور قمة مجموعة العشرين في ريودي جانيرو بالبرازيل، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن بلاده تشعر “بخيبة الأمل” من إعلان إسرائيل عن خطط لبناء مساكن جديدة في الضفة الغربية المحتلة، قائلا إنها تؤدي إلى نتائج عكسية تعرقل التوصل إلى سلام دائم !!
وزيادة في النفاق، قال بلينكن: “إنها أيضًا لا تتفق مع القانون الدولي. إدارتنا تتمسك بمعارضة حازمة للتوسع الاستيطاني، وفي رأينا فإن هذا لا يؤدي إلا إلى إضعاف أمن إسرائيل، ولا يعززه”.
وإذا كان الأمر كذلك، وكانت واشنطن بالفعل ترى أن التوسع الاستيطاني لا يتفق مع القانون الدولي، فلماذا لا تتحرك بموجب القانون الدولي الذي تتحدث عنه وتفرض عقوبات على مسؤولي الكيان الصهيوني لعدم التزامه بـ”القانون الدولي” الذي تتخذه واشنطن مطية، سواء بالحق أو بالباطل، ضد كل دولة لا تسير في ركاب العم سام؟؟
في نوفمبر 2019، أعلن وزير خارجية ترامب، مايك بومبيو، أن واشنطن لم تعد تنظر للمستوطنات الإسرائيلية بأراضي الضفة الغربية التي استولت عليها في حرب 1967، على أنها “تتعارض مع القانون الدولي”، وكان ذلك تراجعًا عن السياسة الأمريكية (المعلنة) التي استمرت أربعة عقود.
ويرى الفلسطينيون والمجتمع الدولي أن نقل المدنيين في الأراضي المحتلة إلى أي دولة أمر غير قانوني بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وقرارات مجلس الأمن الدولي. ومع ذلك لم تتخذ واشنطن والغرب أي إجراء لإثناء الكيان الصهيوني عن خططه المدمرة في المنطقة والتي يمكن أن تعرض المصالح الأمريكية نفسها للخطر؟؟
وتقول وكالة رويترز، في تقرير لها، إنه منذ توقيع اتفاقيات أوسلو قبل أكثرمن 30 عامًا لم يتم إحراز تقدم يذكر نحو إقامة الدولة الفلسطينية، ومن بين العقبات التي تعوق ذلك توسيع المستوطنات.
الأنكي من ذلك هو إعلان وزير مالية الكيان الصهيوني، بتسلئيل سموتريتش، اليميني المتطرف أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراء آخرين اتفقوا على عقد مجلس تخطيط للموافقة على بناء حوالي 3300 منزل في المستوطنات، في أعقاب قيام فلسطيني بإطلاق النار على مستوطنين في الضفة الغربية.
وفي مؤتمر صحفي، كرر المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي مزاعم واشنطن الفارغة بقوله: “نعتقد أنه من المهم إعادة تأكيد التزامنا بحل الدولتين”. “وفي هذه اللحظة، شعرنا أنه من المهم التأكيد مرة أخرى على عدم اتساق الاستيطان مع القانون الدولي”.!!
مزاج قاتم في الغرب
و”يخترع” الغرب مبررًا لدعم أوكرانيا بالمال والسلاح تحت زعم انها “تعرضت لعدوان روسي على أراضيها” وأنها تسعى لتحرير هذه الأراضي وممارسة سيادتها عليها. لكن ما هو المبرر الغربي لدعم إسرائيل بالمال والسلاح والوقوف إلى جانبها سياسيًا ودبلوماسيًا مع أنها هي التي تحتل الأراضي الفلسطينية وتمارس عمليات التهجير القسري والإبادة الجماعية بلا هوادة ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض؟؟ ولماذا يتم توجيه اللوم للمقاومة الفلسطينية التي تمارس حق الدفاع عن النفس والكفاح المشروع لتحرير أراضيها من الاحتلال؟؟
تشير شبكة سي إن إن، في تحليل كتبه نيك باتون والش، إلى أن المساعدات الغربية، التي جدد الاتحاد الأوروبي مواردها الشهر الماضي، لا تزال هزيلة بسبب الخلل الوظيفي الذي يعاني منه الجمهوريون في الكونجرس. لقد ذهب مجلس النواب في إجازة لمدة أسبوعين، دون اعتماد أية مساعدات لأوكرانيا.
وكما هو معروف، لا يوجد لوبي أوكراني مثل اللوبي اليهودي صاحب النفوذ الكبير والذي ترضخ الإدارة الأمريكية دومًا لمطالبه، خصوصًا فيما يتعلق بتقديم الدعم لإسرائيل.