عبدالوهاب ولقاءاته الممتعة
محظوظ من ينصت إلى أحاديث الموسيقار الأعظم محمد عبدالوهاب المولود في شهر مارس عام 1897 وفقا لما كتبه الناقد الفني كمال النجمي،
فإلى جانب كونه المجدد الأكبر للموسيقى المصرية، بعد سيد درويش، فإنه يتمتع بثقافة عريضة عميقة تجعله يتحدث في أمور الفن والأدب والحياة بذكاء يخطف الألباب.
أزعم أنني شاهدت بتركيز شديد كل لقاءات الرجل التليفزيونية تقريبًا، ومعظمها شاهدتها في حياة عبدالوهاب نفسه برفقة الوالد العظيم المرحوم عبدالفتاح عراق.
لقد علمني هذا الوالد منذ الصغر كيف أنتبه إلى الموهبة الخارقة لصاحب (الجندول) وثقافته وأناقته وذوقه وحديثه الخلاب، كما أزعم أيضًا أنني استمعت إلى جميع لقاءاته الإذاعية المتوفرة حاليًا في يوتيوب.
لذا، أشهد أنه ما من مبدع مصري أو عربي، باستثناء طه حسين، يملك مهارات عبدالوهاب في الحديث والشرح والتوضيح عن طبيعة الفن ودوره وتنوعه وكيفية (إنتاجه) وتطويره، علاوة على براعته العجيبة في استرداد الذكريات الحلوة من كهف الزمن القديم.
أذكر جيدًا أن الإعلامية القديرة ليلى رستم سألته مرة في لقاء تليفزيوني (كيف تصف دور المطرب؟)، فأجاب بحصافة:
(المطرب بالنسبة لي هو رسول يحمل أفكاري الموسيقية ويوصلها للناس، فإذا كان رسولا مجيدًا، فقد ضمنت النجاح لعملي الفني، وإذا كان غير ذلك، فتلك مشكلة كبرى).
هذه الإجابة الذكية تعلي من شأن المطرب، بل تمنحه صفة (مقدسة) وهي أنه (رسول)، بينما ملحن كبير آخر أجاب عن السؤال نفسه للمذيعة نفسها قائلا باستخفاف غريب:
(المطرب بالنسبة لي مجرد آلة.. مثلها مثل العود أو الكمان أوظفها كيف أشاء).
في برنامج (مع المشاهير) الذي يقدمه الإعلامي السعودي الموهوب ماجد الشبل وعرضه التليفزيون السعودي عام 1972، وقبل أن تشدو أم كلثوم بأغنيتها (ليلة حب) التي لحنها عبدالوهاب، قال الرجل:
(إن الموسيقى العربية لن تتطور إلا بالعلم، وعلينا إرسال الموهوبين إلى أوروبا لتلقي أصول الموسيقى على قواعد علمية منضبطة).
أما برنامج (النهر الخالد/ 30 حلقة) الذي قدمه سعد الدين وهبة، فلم يغادر فيه عبدالوهاب كبيرة ولا صغيرة في حياته إلا أحصاها، ولعل تفاصيل علاقته بأمير الشعراء أحمد شوقي تعد نموذجًا لذلك.
أرجو أن تشاهد الحلقة الرابعة من هذا البرنامج، حيث يشرح لنا عبدالوهاب بدقة بالغة اللحظات الحرجة التي تنتاب شوقي حين يتلقى (وحي) الشعر، وكيف يتفاعل مع هذا (الوحي).
أذكر أنني سألت الإعلامي الكبير الراحل أمين بسيوني رئيس الإذاعة المصرية الأسبق، وكنا دعوناه على العشاء في دبي هو والسيدة قرينته.
سألته كيف كنت تجري اللقاءات الإذاعية السريعة مع عبدالوهاب، والتي كانت تذاع في شهر رمضان المبارك؟
فابتسم الرجل وقال لي:
(الأستاذ عبدالوهاب كان بيجنني). ومضى يحكي لي كيف أنه حين يطلب صاحب (الكرنك) ليستأذنه في زيارة عاجلة حالا ليسجل معه حلقة إذاعية لمدة خمس دقائق، لا يجد من عبدالوهاب سوى الرفض، قائلا له:
(يا أمين عدي عليا بعد ثلاثة أيام، حتى أفكر جيدًا فيما أريد أن أقوله للناس).
ليتنا نشاهد لقاءات عبدالوهاب التليفزيونية لنستفيد ونستمتع.