**ولدته أمه تحت عجلات سيارة مهملة تركها صاحبها في الشارع أسفل المنزل ..ضاق عليها وأولادها المكان
فأطلقت أصواتا التفت إليها المارة ورفعوا السيارة لتخرج الكلبة الأم ومعها الجراء السبعة إلى الحياة الفسيحة وكان من الطبيعي أن يحاول الصغار التخفيف من العبء على الأم النفساء فمضوا بخطوات متعثرة هنا وهناك ..باحثين عن اللقمة والماء ونجح أحدهم في دخول العمارة القديمة المجاورة للسيارة المهملة حيث أطلق نباحا ضعيفا للاستغاثة استجاب له أصحاب القلوب الطيبة من السكان فأخرجوا له طبقا به قليل من الطعام وآخر مملوء بالمياه..
لكن الصغير -فيما يبدو- ولد متمتعا بحاسة قوية للاستطلاع فغامر صاعدا السلالم المائة للعمارة وتسلل من فتحة في السطح إلى المكان الفسيح ولكنه لم يدرك أن السطح صحراء مهملة يخشاها الإنسان والحيوان..
**انتهت النشوة ومعها انتابت الجرو الصغير الحيرة واكتشف الحل الغريزي ونعني به ذلك الحب الفطري الذي يربط المولود بالأم مهما كان الجنس أو النوع أو الزمان ..
بدأ الجرو ينبح كالبكاء وبالمقابل وصلت إشارات الحب هذه إلى الأم المكلومة التي تعتبر نفسها مسئولة عن رعاية الصغار حتى مرحلة الاعتماد على النفس والاستعداد لمقابلة مصاعب الحياة ..تبادلت لغة التفاهم مع كلاب الشارع الآخرين وقدموا معا إلى البيت القديم فيما يشبه المظاهرة وأرادوا اقتحام المنزل والصعود على غير هدى ..ينبحون هنا وهناك ..مما أصاب السكان بالرعب وكثفوا الجهود لطرد هؤلاء الغزاة وإغلاق الباب الحديدي للعمارة ولكن ذلك لم يجدي شيئا أمام إصرار قبيلة الكلاب على إتمام الغرض المجهول..في الوقت نفسه تصادف وجود كلبين أليفين نادرين تربيهما إحدى الأسر بالمنزل فدخلا في المعمعمة بنباح وعواء يفطر القلوب ويجلب الدموع ..
**الابنة الكبرى -حصيفة ذكية- أحست أن الأمر يتعلق بشىء عزيز لدى هذه الشرذمة التي تناست كل هواجس الشر إلى محاولة العثوى على شىء مفقود يحبونه ويخافون عليه فطلبت من السكان ترك الكلاب يواصلون الصعود ..قادتهم الغريزة إلى السطح وهنا زاد النباح والعزاء فقامت الابنة المحترمة بفتح الباب وغامرت بحمل الجرو التائه الذي ارتاح إلى رائحة سرية اكتشفها في مقدمها وفهم منها أنها رفيقة بالحيوان ولها تجارب في هذا الميدان..استكان إليها..حملته في صندوق ونزلت به السلالم وخلفها مظاهرة الكلاب وما أن شاهد الجرو الشارع حتى قفز جريا عبر الطريق ..لم يلحق به أحد وتحول إلى علامة استفهام !
صالح إبراهيم
ملحوظة : الصورة حقيقية للكلبة الأم -بطلة قصتنا – في اليوم التالي وقد ارتضت بالنوم تحت حرارة الشمس تاركة الظل تحت للسيارة للجراء الصغار!