شهد شهر مايو مولد فاتن حمامة، كما بكى الشهر نفسه على وفاة إسماعيل ياسين، فالسيدة الفاضلة ولدت في 27 من هذا الشهر عام 1931،
والكوميديان الظريف غاب في 24 منه سنة 1972، وعلى الرغم من أن الفنانة القديرة والكوميديان اللطيف كانا نجمي حقبة الخمسينيات بامتياز، إلا أنهما لم يلتقيا أبدًا على الشاشة إلا في فيلم واحد يتيم، لم يعرض في الخمسينيات، وإنما في عام 1948.
الفيلم اسمه (خلود) أخرجه ولعب بطولته عز الدين ذوالفقار بالاشتراك مع كمال الشناوي، وبعد ذلك بستة وعشرين سنة أعاد المخرج حلمي رفلة تقديم الفيلم باسم جديد هو (الوفاء العظيم)،
حيث تقمص محمود ياسين دور كمال الشناوي، بينما لعب الأخير دور عز الدين ذوالفقار، وقد استحوذت السيدة نجلاء فتحي على دور السيدة فاتن.
في الفيلم القديم، لم يكن اسماعيل ياسين قد حصل على أي بطولة بعد، لذا كان من المنطقي أن يكون دوره صغيرًا ومحدودًا، ولا يكاد يذكر في مسيرة الأحداث،
بينما كانت فاتن حمامة قد اقتنصت أدوار البطولة الأولى أو الثانية قبل (خلود)، وذلك في أفلام (نور من السماء)، و(القناع الأحمر)، و(أبوزيد الهلالي)، و(كانت ملاكا)، و(العقاب)، و(حياة حلوة)، و(المليونيرة الصغيرة).
اللافت أن أول ظهور لفاتن على الشاشة كان وهي طفلة مع عبدالوهاب في فيلمه (يوم سعيد) الذي عرض في 15 يناير 1940،
وقبل ذلك بأقل من شهرين فقط، وبالتحديد في 23 نوفمبر من سنة 1939 ظهر إسماعيل ياسين لأول مرة أيضًا في فيلم (خلف الحبايب).
إذن… هما أبناء فترة فنية واحدة، تألقا على الشاشة في زمن واحد، ومع ذلك لم يشتركا في بطولة أي فيلم، فلماذا؟
قبل أن أجيب يجب أن أذكرك بأن زميلات فاتن من النجمات اللامعات الرومانسيات مثلها شاركن إسماعيل في بطولة الأفلام، مثل ماجدة وشادية وهند رستم وسميرة أحمد،
وقد عشقت كل واحدة منهن الكوميديان المتفرد بطريقتها، لكن الست فاتن، كما كان يتحدث عنها أحمد مظهر، أبت أن تقاسمه الغرام على الشاشة، ولا حتى أن يزاحمها في أي لقطة،
ولم تسمح له بأن يحتل حصة (السنيد الكوميدي)، فقد اقتنص هذه المساحة في أفلامها عبدالسلام النابلسي ثم فؤاد المهندس وعبدالمنعم إبراهيم، فلماذا؟.
في ظني أن الأمر يعود إلى الثقافة، فالفارق واسع جدًا بين الثقافة العريضة لسيدة الشاشة، وبين ضحالة الفكر لدى الكوميديان الجميل،
ففاتن أحاطت نفسها بمجموعة من المثقفين الكبار أمثال أحمد بهاء الدين ورجاء النقاش، والأخير حدثني كثيرًا عن علاقته بالسيدة فاتن،
كما أن المخرج حلمي حليم كان مستشارها الفني، أي الذي يعاونها في اختيار السيناريوهات المناسبة لتقدمها على الشاشة، وحلمي حليم هذا، كان مفكرًا وسياسيًا كبيرًا ذا نزعة اشتراكية، وهو الذي أخرج لها فيلم (أيامنا الحلوة) عام 1955.
أما إسماعيل ياسين، فكان فنانا موهوبًا فحسب، محدود الثقافة، فلم يكمل تعليمه، ولم يطور مهاراته، الأمر الذي جعله صاحب شخصية فنية تكاد تكون واحدة طوال عقدين من الزمان،
فما كان يؤديه في زمن الاحتلال الإنجليزي والباشوات في عهد الملك فاروق، ظل يكرره مع الثورة والتصنيع وانتشار التعليم وشيوع الثقافة في فترة عبدالناصر،
فكان من الطبيعي ألا تستعين به فاتن حمامة في أفلامها، فثقافتها العامة تحول دون اشتراكها في عمل يتكئ على الكوميديا (الساذجة) التي تميز بها إسماعيل ياسين،
ولعلك تلاحظ أن نجوم الكوميديا الذين حظوا بالعمل مع فاتن كانوا يتمتعون بثقافة مشهودة، أمثال النابلسي وفؤاد المهندس وعبدالمنعم إبراهيم.
ومع ذلك، كلما هلّ شهر مايو تذكرنا سيدة الشاشة بإجلال، وترحمنا على الكوميديان الجميل بمحبة.