يعد الناقد الفيلسوف الفرنسي لوسيان جولدمان (١٩١٣- ١٩٧٠م) – في تقديري – الأكثر حضورا في النقد الأدبي العربي الراهن، ولعل نظرة فاحصة لمؤلفاته من مثل: “مقدمات في سوسيولوجيا الرواية”، أو “الإله المحتجب”، أو “العلوم الإنسانية والفلسفة”، وغيرها، التي تعد تطبيقا عمليا، إلى جانب تنظيراته النقدية والفلسفية، لمنهج “البنيوية التكوينية”، ترشدنا إلى ذلك.
يركز جولدمان في تحليل النص الأدبي على الدراسة السوسيولوجية للأدب، وكذلك البنية الدلالية للنص، ثم علاقة البنية الدلالية هذه بالبنية الشكلية الكلية، فهناك ثلاثة محددات لمنهجه هي:
١- دراسة البنية الدلالية الكلية للنص الأدبي.
٢- دراسة البنية الشكلية للنص (بناء النص).
٣- بيان أثر التحول الاجتماعي (السوسيولوجي) في بناء النص ودلالته.
وهذا ما يلحظه الدارس لجل التحاليل النصية التي يصدر عنها النقد الأدبي العربي الآن، والنقد الأدبي المصري على جهة الخصوص.
وحتى من يقرر أنه يتبنى منهج النقد الثقافي (أو منهجية التحليل الثقافي) تجده لا يخرج في أغلبه عن أطروحات جولدمان، لأسباب منها: عدم وضوح آليات منهجية التحليل الثقافي لدى أغلب النقاد عندنا، وكذلك الافتقار إلى الربط وبيان التأثير والتأثر بين المناهج النقدية وتوالدها من بعضها البعض، وأيضا وقوع البعض من النقاد أسير الانطباع الذاتي في قراءة النص، والتركيز على الشرح والتفسير التقليدي المدرسي للنصوص، بالتركيز على المؤلف، أو البيئة والعصر فحسب.
من هنا، فإن التركيز على جانب واحد من جوانب النص المتعددة يفقد التحليل موضوعيته وعمقه وفلسفته المنبثقة من طبيعة المنهج، وذلك أدعى لإعادة دراسة المناهج النقدية وفلسفتها، بأدواتها وإجراءاتها، حتى يمكن قراءة النص والتفاعل والحوار معه، وذلك ما دعاه باختين بالمبدأ الحواري، على ما يشير بلماحية وذكاء تزفيتان تودوروف في كتابه الذي ورد بالمسمى ذاته، ومن خلال ما سبق يمكننا أن نصل إلى القارئ النموذجي الذي يشير ميكائيل ريفاتير في كتابه “معايير تحليل الأسلوب” إلى أنه المعيار البديل للقراءة الانطباعية الفردية، ما يقودنا إلى التفاعل مع النص بوعي كبير.