72 عامًا على عرض فيلم دهب
ليت علماء الاجتماع لدينا يبحثون في إجابة عن السؤال التالي: لماذا نعشق في مصر منظومة التفخيم والتعظيم، فنهرع لإطلاق المبالغات على الشخصيات المهمة أو الأعمال الفنية المميزة؟
وأظن أن علاقتنا بفقه المبالغات قد يعود إلى ما قبل رمسيس الثاني بقرون، فهذا الحاكم التاريخي أطلق على زوجته الملكة نفرتاري لقب (جميلة الجميلات التي تشرق من أجلها الشمس).
هذا الشغف بالمبالغات اللطيفة ظل مستمرًا من قرن إلى آخر، يطلق المصريون تلك المبالغات على الحكام والكبراء والنوابغ، فهذا ولي النعم، وذاك عميد الأدب، وهذه كوكب الشرق وهذا موسيقار الأجيال وهكذا.
صحيح أن بعضًا من هذه الأوصاف لا تعد مبالغات، بل حقائق خاصة إذا كان الأمر مقترنا بأسماء لامعة في حياتنا الثقافية والفنية أمثال شوقي وطه حسين وأم كلثوم وعبدالوهاب وفاتن حمامة، لكن هناك أيضًا الكثير من الأوصاف والألقاب التي تندرج تحت بند المبالغات الفجة الممجوجة.
لذا عندما عرف الناس الطريق إلى السينما لم يكن غريبًا أن تزين المبالغات وعبارات التمجيد أفيشات الأفلام التي تعلق على الجدران في شوارع مصر وحواريها، من باب الترويج للفيلم وإثارة فضول رجل الشارع.
خذ عندك الدعاية المرافقة لفيلم (خلف الحبايب) الذي أخرجه فؤاد الجزايرلي عام 1939، ولعب بطولته والده فوزي الجزايرلي وابنته إحسان الجزايرلي، وكان فوزي الجزايرلي مشهورًا بتجسيده لشخصية كوميدية اسمها (بحبح)، فكتبوا في أعلى الأفيش هذه العبارة اللطيفة:
(له حق بحبح يتباهى لأنها جابت له خلف الحبايب)!
أما فيلم (دنانير) الذي أخرجه أحمد بدرخاان عام 1940، فقد كتبوا في الإعلانات: (كبيرة مطربات الشرق أم كلثوم في فيلمها الغنائي الجديد دنانير وهو فيلم شرقي يمثل عصر هارون الرشيد بفخامته وترفه).
ولما ماتت اسمهان عام 1944 قبل عرض فيلمها الأخير (غرام وانتقام)، كتبوا في الإعلانات: (نجم مصر الأول يوسف وهبي وفقيدة الفن اسمهان في غرام وانتقام).
وفي فيلم (الهانم) الذي أخرجه بركات عام 1946، كتبوا (فيلم جديد على السينما المصرية مبتكر في قصته الإنسانية النبيلة). وفي العام نفسه جاءت الدعاية المصاحبة لفيلم (الملاك الأبيض) هكذا: (درام عنيف. كوميدي. رقص. غناء. استعراض).
كذلك ازدانت عبارة (إنتاج سينمائي ضخم لم تعهده السينما المصرية من قبل) أفيشات فيلم (غزل البنات) الذي أخرجه أنور وجدي عام 1949 لزوجته ليلى مراد، وكان آخر أفلام نجيب الريحاني.
(حديث العالم العربي… هو الفيلم الجبار الذي يحتوي على كل جديد مبتكر) هذا ما كتب بالحرف في إعلانات فيلم (دهب) الذي أخرجه أنور وجدي عام 1953، كما كتبوا في إعلانات أخرى للفيلم نفسه: (أعظم فيلم ظهر حتى اليوم… فيلم جديد نظيف في عهد جديد نظيف).
من ألطف عبارات الدعاية أيضًا تلك التي رافقت فيلم (بنت باريز) الذي أنجزه حلمي رفلة عام 1950، حيث كتبوا: (ساعتان ونصف في الجنة… مع ملكات الجمال الراقصات في رومانيا وأجمل بنات الدنيا).
حقا… ما أجمل السينما… ومبالغاتها اللطيفة.