**تحاول الدراما الاقتراب من الواقع خاصة وأن تمكنها من معالجة الأحداث بما يحاكي الطبيعة يمنحها مصداقية تحتاج إليها على مر العصور..
**ولكن بالنسبة لمشاهد الأحزان والأفراح على الشاشات-ورغم تعددها وكثرتها – إلا أننا نلاحظ إما أنها تحرص على نقل الواقع الملاحظ في تلك الفترة أو تبتكر صورة مختلفة وتوفر لها النجاح لتكون قابلة للتحقيق.
**معروف منذ عرفت الدراما الحديثة فى القرنين الماضيين.. ان صناع هذا العالم الافتراضى اعتمدوا فى قماشة أعمالهم فى مسرح وسينما ومسلسلات على عنصرين مهمين.. الأول التنافس فى خلق حالة حب تتجدد لتكسب المتلقى.. انتباها وربما تقليدا.. والثانى تمثل فى اقتحام السيناريو والحوار عن حالات الموت ذلك القادم النبيل والذى يزور الجميع فى الوقت المعلوم.. بدون تعجل أو تأخير.. «فأينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة».. وبين هذين العنصرين.. دارت الوقائع وتعددت الابتكارات وبالتنافس والاقتباس والترصيد والتعريب.. واللجوء إلى العقد الأغريقية التى رصدها فى مسرحياته بدقة وعبقرية شكسبير تكاملت القماشة.. وانطلق أهل الدراما يلعبون على مشاكل وآمال وسلوكيات البشر مسرحيات وأفلام ومسلسلات وغيرها.. تحت شعار الشعبية والتراث والتجريب وإعادة تناول النص والاخراج بثوب جديد.
**قصص الحب الدرامية أصبحت معروفة للصغار والكبار.. تعاطف معها البعض.. وقاطعها الآخر وحذر منها ثالث.. يصرخ البعض الفن رسالة.. يرد عليه الآخر حاملا راية الابهار والامتاع الخ.. واضطر من يهمه الأمر لوضع ضوابط للمشاهدة والعرض.. مثل سن الصلاحية للمشاهدة.. أو التنبيه إلى جرعات الرعب والجريمة فى العمل.. ولكن المنتقدون يصرخون رفضا.. انها إجراءات للترويج لا الترشيد.
** ولأن الكثيرين كتبوا عن الحب وسنينه فى عالم الدراما باعتبارها السلعة الأكثر رواجا حاولت فى هذا المقال التطرق إلى عالم الجنازات.. دلالة على تناول الموت وتداعياته.. كما ان القبلات هى الباب المبكى لبدء قصص الحب والعشق بكل مراحلها وأنواعها حتى لو انتهت بالفراق بزعم ان الحب ربيعى قصير البقاء.. ونجد ان معظم حالات الرحيل فى الدراما.. تجرى على سرير المرض بلقاء يجمع المريض المشرف على الموت وأهله المقربين.. قد ينتظر قليلا حتى يحضر شخص عزيز يودعه.. أو ليعلن وصاياه للأبناء ربما اتساقا لما ورد فى قصص التراث فى حكم خالدة جاءت على لسان الراحلين فى عظاتهم الأخيرة.. وتتميز ملامح الصورة قليلا إذا ما كانت الوفاة- فى حادث- أو وقعت خارج الوطن.. وتحفل دائماً بالمفاجآت- مثل الزواج السري- أو ابن أو بنت من زوجة أخرى.. بعدها تتزامن جلسات الوصية والميراث مع السرادق المرتبط فخامته واتساعه مع مكانة المتوفى وأسرته (وهو نفس السلوك الذى يحدث عند الاحتفال بالزواج) وبين ذلك وذاك.. منظر الجنازة المهيب.. الخارجة من دار العبادة إلى المقابر.. وخلال هذه المسيرة ينشط الرصد الدرامى لصور ومشاعر الحزن وربما الترقب.. بين الحضور ويفاجئ المشاهد بابن عاق.. أو كان مقاطعا لأسرته.. وربما كان نزيلا فى السجن بين المشيعين.. ويلقى المزيد من الضوء على هذا التواجد الدرامى.. يجعله ينزل إلى القبر.. يشارك فى ترتيب مرقده الأخير.
**ولأن فى الدراما ما يقترب أحياناً من الجنون.. شاهدنا توظيفا دراميا للقبر نفسه.. وربما النعش نفسه.. لاخفاء رسالة مخدرات بعيدة عن عيون الشرطة.. وربما اتخذ البطل المقابر مخبأ له.. بعيدا عن العيون والأمثلة فى هذا الإطار كثيرة.. كذلك تستفيد الدراما من حدث الموت الجلل.. تفتح ملفات فرعية تثرى حلقات المسلسل.. ويمكن تسميتها بتوابع العمل و مثل وضع أرملة المتوفى تحت الضوء.. وابرازها كمطمع للطامعين.. أو شخصية العم.. أو الأخ الذى يسيطر على الميراث.. ويتحدى حقوق المستفيدين.
**وسط هذه الصور النمطية.. تلمس تفوقا لبعض المخرجين.. مثل ذلك الابداع الذى سجله المخرج عيسى كرامة.. فى فيلمه «حماتى ملاك» أواسط القرن الماضى وأبدع فيه الزوج يوسف فخر الدين والحماه مارى منيب وعبقرى الكوميديا اسماعيل ياسين (فى دور الحانوتي) ومساعده الفنان الذى لم يحصل على حقه.. «حسن اتله» مساعد الحانوتى.. وفى مطاردة ساخنة لدولاب اختفت فيه جثة الزوج وانكر مساعد الحانوتى انه أكلها.. ناهيك عن دويتو الحماه والزوج الذى ظنت بأنه عفريت.. وأبدع حالة نادرة من الضحك الافتراضى فى مناسبة حزينة.. يحيط بها الإطار الأسود.. وبقت علامة مميزة لقدرات وإبداع السينما المصرية على مر العصور.