في قديم الزمان، عاش أحد الشبان بين الأنام داخل “دولة فوس” والتي تعني باللغة العربية “دولة النور”، إذ نشأ وترعرع هذا الشاب داخل أسرة جد فقيرة، حيث الأب تخلى عن الأسرة نتيجة تطليقه للزوجة، ومن ثم وجد الشاب نفسه أمام وضع أسري مأساوي، واجتماعي كارثي، إذ كان لابد له من إنقاذ أمه وإخوته من التشرد المعاناة والضياع، لذلك فضل التضحية بنفسه في سبيل إنقاذ أمه وباقي إخوته، وهكذا انقطع عن الدراسة وأصبح لا يعلم أين هي الوجهة الصحيحة التي عليه سلكها للعمل وكسب بعض المال من أجل إعفاء أمه من خدمة الناس والأسر داخل منازلهم، وكذا لمساعدة إخوته حتى يتسنى لهم مسايرة تعليمهم، حيث يقول المثل: “عندما يقدم الشاب كل ما لديه لمساعدة أمه وإخوته، فإنه لا يقدم مجرد خدمات، بل يقدم جزءًا من نفسه. هذه التضحية تعكس عمق الحب والإلتزام”.
لقد كان هذا الشاب متصفا بقوة الإرادة والشجاعة المثالية رغم أنه لازال في ريعان شبابه، إلا أنه كان مستعدا لاقتحام المخاطر وركوب الصعاب مهما كلفه ذلك كن أمر، المهم عمده هو العمل على تغيير وضعه الأسري اليوم قبل الغد. وكخطوة جريئة اتخذها هذا الشاب لإبراز شجاعته وفرض شخصيته، تقدم للعمل ضمن الجيش هناك في دولة فوس، أولا لحماية أمن تلك الدولة، ولضمان سلامة مواطنيها الأبرياء، دونما أن يكترث لنفسه أنه لربما قد يكون في طليعة الموتى أثناء الحرب مع العدو، لكنه كان قد جعل نصب أعينه إما العيش بكرامة أو الموت بشهادة، حيث يقول المثل: “أن تعيش بكرامة هو أن تتصرف بما يتوافق مع قيمك حتى في أصعب الأوقات. وأن تموت بشهادة هو أن تظل صامدًا في إيمانك وقيمك حتى النهاية”.
غير أنه للأسف الشديد، لم يتم تجنيده ضمن الجيش، ليس لسبب ما، ولكن بسبب كثرة المتطوعين للخدمة في الجيش وقتئذ بدولة “فوس” هناك، الشيء الذي أثر على نفسيته وجعل يدخل في حالة اكتئاب شديدة للغاية، إذ بكى بكاء مريرا ليس يأسا منه لسوء حظه، ولا يأسا منه حيال تدبير القدر إزاء الناس أجمعين، بحيث كان هذا الشاب مسيحيا معتنقا لديانته بشكل يوحي مدى التزامه الديني، ومدى حرصه على خدمة الإنسانية جمعاء، دونما السعي للظلم أو الفساد، حيث يقول المثل: “الشاب المسيحي الذي يعيش تعاليم دينه بصدق يعكس نبل الإيمان وروحانية الحياة، ويصبح نموذجًا يحتذى به في عالم يسعى إلى الخير والسلام”.
هكذا استطاع الشاب المذكور لملمة جراحه النفسية، واسترجاع لياقته البدنية، ومن ثم خرج على الناس بشخصية أقوى من تلك التي كان عليها بادئ الأمر، إذ جعلته الهزيمة شابا لا يقهر، وصنعت منه المحن والصعاب شخصا لا يتراجع ولا يتقهقر أمام أي موقف كان من مواقف الحياة المتقلبة على الدوام، وبه خرج من المنزل للبحث عن أي عمل حلال يكون له بمثابة مصدر رزق إن لك يكن قارا فعلى الأقل بشكل ظرفي، المهم هو البدء والشروع في أي عمل شريف. ومن محاسن الصدف أنه وجد في طريق سوق العمل منصب عامل بناء، فوافق عليه لتوه وقبله بالأحضان دونما هدر الفرصة، فبدأ عمله بداية من اليوم الموالي رغم ضغوط العمل وصعوبة المهام، لكن الشاب عبر عن شجاعته، وتحمل هاته الصعاب بصدر رحب دونما التشكي أو الضجر، حيث يقول الكاتب الأمريكي رالف والدو إمرسون: “الصبر هو الأساس الذي يبنى عليه أي نجاح حقيقي في الحياة، فالعمل الشاق يتطلب صبرًا وثباتًا”.
… يتبع …
ملحوظة: الصورة أسفله بواسطة الذكاء الاصطناعي تحمل وجها شبيها لوجهي، فيما الزي لا يمثل أي شرطة أو مؤسسة في هذا الكون بأكمله.