(أما كيف بدأت التلحين؟ فإن لذلك ذكرى طريفة أرى إثباتها فيما يلي: كان ذلك فيما بين عامي 1916، و1917 وكنت أحدث نفسي:
لم لا ألج باب التلحين ولو كتجربة أختبر فيها معلوماتي، وأقف على مقدار ما أفدت من السماع والاستيعاب؟ صح عزمي على ذلك، ولكن وقفت في سبيل ذلك عقبة تحتاج إلى التذليل، وهي المؤلف الذي ألجأ إليه ليضع لي القطعة التي أقوم بتلحينها،
فمن هو المؤلف الذي يلتفت أو يهتم لصبي مثلي؟ ومن هو ذلك الكاتب الذي يرضى أن يضيع وقته ليكتب شيئًا يوكل أمر تلحينه لغلام في سني آنذاك؟).
هذا ما كتبه بالنص الموسيقار الأعظم محمد عبدالوهب في مذكراته التي نشرها الرجل بنفسه عام 1938 في مجلة (الاثنين الفكاهة والكواكب) تحت عنوان (مذكراتي… لمطرب الملوك الأستاذ محمد عبدالوهاب).
والسؤال المهم: متى تراود عاشق الموسيقى والغناء الرغبة في التلحين؟ لا أتخيل أن المرء الشغوف بالغناء لا يمكن أن تقتحم عقله (شهوة) التلحين قبل أن يبلغ السابعة عشرة على الأقل.
الأمر الذي يؤكد أن تاريخ ميلاد عبدالوهاب ليس كما كان يزعم في 1910.
الحق أننا يجب أن نتوجه بالشكر الجزيل للكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد دياب مدير تحرير مجلة الهلال الذي بذل مجهودًا كبيرًا في جمع وتحقيق وتقديم هذه المذكرات في كتاب جميل وضع له عنوانا طويلا لافتا منطوقه:
(مذكرات الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب المنشورة في مجلة الاثنين عام 1938 ومجلة الكواكب عام 1954) وقد صدر الكتاب هذا العام 2024 عن دار المرايا للثقافة والفنون.
يقول الأستاذ محمد دياب في المقدمة:
(عمل عبدالوهاب محترفًا منذ مطلع عام 1917 وحتى رحيله منتصف 1991، أي أن مسيرته الفنية امتدت على نحو 74 عامًا، هذه المسيرة الحافلة جعلت عبدالوهاب يصدر مذكراته سبع مرات منذ 1938 وحتى 1986 عبر وسائط إعلامية مختلفة…
أصدر مذكراته للمرة الأولى في مجلة الاثنين الفكاهة والكوكب عام 1938، وفي العام 1954 عاد ونشر مذكرات جديدة في مجلة الكواكب).
بعد ذلك يعدد الكاتب كيف نشر صاحب (الجندول) مذكراته عبر لقاءات عديدة في الإذاعة والتليفزيون والحوارات الصحفية المطولة. ثم يضيف:
(من بين كل هذه المذكرات كانت الأولى والثانية هي الأهم بينها جميعًا).
وبالفعل… تحتشد المذكرات المنشورة في الكتاب بمعلومات بالغة الأهمية عن مصر وأحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. والفنية بطبيعة الحال،
ونعرف من خلال فصول تلك المذكرات معلومات جديدة مدهشة عن الرجال العظام الذين أضاءوا حياتنا بإبداعاتهم المتنوعة أمثال شوقي وطه حسين وسيد درويش وغيرهم.
ولك أن تعرف كيف أقنع طه حسين عام 1926 كلا من شوقي وعبدالوهاب، وكانوا جميعًا في لبنان، أن يغني عبدالوهاب في اليوم نفسه الذي مات فيه والده، وكيف كان بطلا عام 1921 لفرقة سيد درويش مقابل 15 جنيهًا شهريًا.
المذكرات تحتشد بوقائع ومعلومات مثيرة، وأسلوب عبدالوهاب في الكتابة ممتع ولطيف.
حقا… عبدالوهاب أسطورة كما وصفته فاتن حمامة.