نؤكد – مجددا – أن هذه القراءة الموجزة هي قراءة انطباعية سندها الواقع التاريخي والوقائع الراهنة لما يحدث في منطقتنا العربية من وقائع وأحداث على الصُّعُد كافة، ونكمل فنقول:
إن التخطيط لاستراتيجية تدمير المنطقة العربية وإشعال الحروب الإقليمية حولها، كان حاضرًا دومًا على أجندة السياسة الأمريكية – الغربية – الإسرائيلية، في فترة مبكرة منذ ما قبل انتصار أكتوبر المجيد في العام ١٩٧٣م، لكن هذا الانتصار شكل تغيرًا في هذا المنهج والسياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية ومصر تحديدا، وقد تم ذلك عبر آليات عديدة رسمتها أمريكا وحلفاؤها الغربيون، منها: زرع بذور الانشقاق بين الدول العربية واستقطاب كل منها على حدة من جانب أمريكا والتقرب إليها، وخاصة الدول الصغرى النفطية، وإظهار الالتزام بحمايتها ضد أي أخطار أو تهديدات من جانب أي دولة عربية أو إقليمية أخرى، وذلك عبر إبرام اتفاقيات اقتصادية وعسكرية كان الهدف الأساس لها الترويج للسوق الاقتصادية الأمريكية، وفي المقدمة سوق تصدير الأسلحة الأمريكية إليها بأنواعها كافة، والتي انتعشت بعد ضعف القطب الروسي في فترة ما قبل ولاية فلاديمير بوتين. وقد تجلى ذلك في كثرة تصريحات الزعماء العرب حينما يُسألون في وسائل الإعلام العربية والغربية غن علاقاتهم بأمريكا، فيجيبون بأنها «علاقة استراتيجية ممتازة».
وقد كشفت أحداث «الربيع العربي» التي غذتها ودعمتها أمريكا وحلفاؤها الغربيون -وخاصة إنجلترا- زيف هذه المقولة، بعد أن ثبت احتضان هاتين الدولتين قيادات جماعات الإسلام السياسي المتطرفة، والعمل على دعمهم ليكونوا شوكة في ظهر دولهم، من خلال تغذية وإشعال الصراعات الدينية الفتاكة.
ولعل حرب العراق والكويت (١٩٩٠/ ١٩٩١) وما بعدها كانت أبلغ دليل على ذلك، والتي أدت إلى إضعاف دولة العراق، وتدمير قدراتها الاقتصادية والعسكرية، من خلال العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وقد أسفر ذلك التدخل المشين في المنطقة والعراق عن نتائج كانت عواقبها وخيمة حتى الآن، ومنها:
١- القضاء على القوة العسكرية البازغة في ذلك الوقت لدولة العراق، والذي تم تحت غطاء تحالف دولي مقصود، بادعاء امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ذلك الادعاء الذي ثبت عدم صحته بعد زيارات عدة لفرق التفتيش الدولي للعراق للبحث عن هذه الأسلحة.
٢- إشعال الصراعات العرقية والدينية في العراق والمنطقة العربية، بعد إضعاف هيبة الدول وفقدانها السيطرة على الميلشيات السنية والشيعية، وظهور تنظيم «داعش» هناك، وبذلك تضمن أمريكا وحلفاؤها ألا تقوم للعراق قائمة بعد ذلك، وضمان امتداد وتوسع هذه الميلشيات وإنشاء قواعد لها في الدول المجاورة، ومن ثم تدخل هذه الدول في صراع تدمير ذاتي بينها وبين هذه الميلشيات والتنظيمات التي يتم إمدادها بالعتاد والسلاح والتكنولوجيا الحديثة من جانب أمريكا وحلفائها الغربيين.
إن الارتماء في أحضان الأمريكان من جانب كثير من الدول العربية، كانت له عواقب وخيمة ستظل هذه الدول تدفع ثمنها غاليًا جدًا على مدى تاريخها، فهو:
أولًا: ارتباط مشروط ومحسوب حسابه جيدًا من جانب الأمريكان، بحيث تبدو التبعية لهم في كل شيء، وفي حدود ما يقدرونه لقوة هذه الدول، في مقابل السماح لإسرائيل بالتعملق في المنطقة لتنفيذ مخططاتها هي وأمريكا.
ثانيًا: عدم السماح بالتفوق العسكري والاقتصادي لهذه الدول التابعة، حتى تظل سوقًا رائجةً للمنتجات الأمريكية، وسبيلًا من سبل ازدهار الاقتصاد الأمريكي، وضمان عدم قيام صناعات وطنية استراتيجية – خفيفة وثقيلة في آن- لبعض المنتجات بالغة الأهمية، كالأدوية والأسلحة النوعية، وذلك أيضًا في مقابل السماح لإسرائيل بالتفوق في هذا المجال وإمدادها بكل ما تحتاج إليه.
ثالثًا: ضمان عدم قيام تحالف عسكري عربي قوي، على غرار التحالفات الدولية والغربية التي تقودها أمريكا ، والحيلولة دون قيام سوق عربية مشتركة للتصنيع وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية، وبذلك يتم تكريس التبعية للغرب مدى الحياة، وترهيب الدول التابعة بورقة ضغط التفوق العسكري والاقتصادي لأمريكا وحلفائها الغربيين؛ حتى لا تصبح الدول العربية قادرة على المنافسة في السوق العالمية بقوة، وكل ذلك يضمن التفوق النوعي لإسرائيل.. وللحديث بقية.