منتصف الاسبوع القادم وتحديدا الثلاثاء بعد القادم سيتم الاجابة علي السؤال الذى يتنظره العالم من هو الرئيس ال ٤٧ لأمريكا ؟ بعد معركة انتخابية هي استثنائية بكل المقاييس رغم أنها بين ترامب رئيس سابق استمر لفترة أربعة سنوات توجهاته معروفة وأفكاره واضحة للعيان وسياساته خارجيًا وداخليا ليست خافية على أحد وبين هاريس نائبة الرئيس الحالى وهى بهذه الصفة جزء من التركيبة الحاكمة مسئولة حتى لو بشكل جزئى عن السياسات الحالية هى الاولى بين امرأة.
قد لاتكون الاولى التى تخوض غمار تجربة الترشح ولكنها أصولها غير أمريكية ورئيس سابق أدين بتهم جنائية كما أنها وفقا لاستطلاعات الرأى هناك تقارب كبير فى حظوظ كل طرف يضاف الي هذا تصويت نحو ٣٠ مليون امريكى بما يعادل الثلث يتم خلالها استخدام كل الوسائل لمزيد من كسب الأصوات حتى فكرة فارق السن بين ترامب ال ٧٨ عاما وهاريس التى أتمت عامها الستين منذ أيام وففى هذا الملف محاولة للاقتراب من عالم الانتخابات الامريكية.
من خلال تقديم رؤية ميدانية ورصد لآخر استطلاعات الرأى والتى كشفت عن تقارب فى النسب وجهود كل طرف لكسب كل صوت متاح بعد قيام ٣٠ مليون أمريكى بالادلاء بأصواتهم مبكرا بالإضافة الى رؤية من قريب من ولاية بنسلفانيا أحد أهم أول الولايات الحاسمة والتى تملك ١٩ صوتا فى المجمع الانتخابى مع تركيز على رؤية المرشحين الابرز من قضايا المنطقة وأبرزها القضية الفلسطينية وبقية الملفات العربية المفتوحة فى السودان وليبيا واليمن ونتوقف بالرصد والتحليل حول إيران باعتبارها أحد الملفات المطروحة والتى تحظى بأهمية استثنائية والمرتبطة بالمنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط.
مع احتدام المنافسة واقتراب موعد الاقتراع فى واحدة من أكثر الانتخابات الأمريكية إثارة وتفاعلا وضجيجا، يسعى كل من المرشحين المتنافسين الجمهورى والديمقراطى للتركيز على ولايات بعينها أملا فى حسم سباق الوصول إلى البيت الأبيض.
على رأس تلك الولايات وفى مقدمتها ولاية بنسلفانيا، والتى تحتل مكانة بارزة فى المشهد الانتخابى الأمريكي، نظراً لأهميتها الاستراتيجية فى تحديد هوية الرئيس القادم.
تعتبر الولاية جزءاً من «الولايات المتأرجحة» التى لا يسيطر عليها حزب معين، إذ تتأرجح نتائجها بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى فى كل دورة انتخابية، هذا التأرجح المستمر جعلها تتحول إلى ساحة رئيسية للمعارك الانتخابية، حيث تستقطب حملات المرشحين موارد ضخمة لحشد الناخبين والتأثير فى الكتل المترددة.
وبنسلفانيا تعد جزءاً أساسياً ومؤثراً مما يطلق عليه الجدار الأزرق الديمقراطي، وهو ثلاثى من الولايات الحاسمة الذى يشمل أيضاً ميشيغان وويسكونسن، وهو أمر حاسم للحزب الديمقراطى للاحتفاظ بحكم البيت الأبيض.
تستمد بنسلفانيا أهميتها من عدة عوامل، أبرزها عدد أصواتها فى المجمع الانتخابى والذى يبلغ ١٩صوتا، ما يجعلها إحدى أكبر الجوائز الانتخابية التى يمكن أن تغيّر مسار النتائج الوطنية فى الماراثون الانتخابي، كما تعكس التركيبة الديمغرافية والاجتماعية للولاية تنوعاً واسعاً، فالمناطق الحضرية الكبرى مثل فيلادلفيا وبيتسبرج تميل إلى دعم الحزب الديمقراطي، فى حين أن المناطق الريفية والمحافظة تميل لصالح الجمهوريين، هذا التنوع يفرض على المرشحين تقديم رسائل وسياسات شاملة لتلبية احتياجات جمهور متنوع ومتناقض فى بعض الأحيان.
علاوة على ذلك، يلعب الناخبون المترددون فى بنسلفانيا دوراً حاسماً، حيث يمكن لتحولات بسيطة فى الأصوات أن تحسم النتيجة النهائية، وكان تأثير الولاية بارزا بقوة فى الانتخابات الأخيرة، حيث كانت محوراً للجدل حول التصويت بالبريد والطعون القانونية المتعلقة بعملية الفرز، هذا الواقع يجعل من بنسلفانيا نموذجاً مصغراً للتحديات الانتخابية الوطنية، ما يعزز دورها كمؤشر قوى على التوجهات السياسية الأمريكية ومستقبل القيادة فى البلاد التى تحولت مسرحا سياسيا مفتوح النهايات. ضحك صديقى الصحفى الأمريكى دانيال كريس الذى اصطحبنى فى رحلة بالسيارة فى جولة بشوارع بنسلفانيا وأنا أسئله لماذا تخلو الشوارع من صور الدعاية للمرشحين،قال إن قصة الانتخابات فى أمريكا مختلفة عن كل دول العالم وآخر ما يفكر فيه المرشح هنا سواء رئاسى أو كونجرس أو مجلس شيوخ هو الدعاية من خلال الملصقات، لكن الدعاية تتم من خلال لقاءات جماهيرية للمرشحين يلتقون فيها مع الناخبين وجهاً لوجه لعرض الخطوط العريضة لبرامجهم والاستماع لآراء الناخبين وأسئلتهم.
المسافة بين نيويورك وبنسلفانيا تستغرق تقريبا ساعة بالسيارة لو كنت تستهدف أولها من ناحية نيويورك أما لو كنت تستهدف آخرها فلن تقل المدة عن سبع وربما عشر ساعات بالسيارة فهى ولاية يبلغ عرضها حوالى خمسمائة ميل اى ما يقرب من ثمانمائة كيلو متر مربع، وبعد جولة استغرقت حوالى عشر ساعات تخللها فترة راحة، توصلت إلى عدة نتائج من خلال الحديث مع عدد كبير من الناخبين الأمريكيين من خلفيات مختلفة .
أهم النتائج أن ترامب وهاريس يتنافسان بشكل متقارب فى بنسلفانيا، وهى جزء من اتجاه أوسع شهد منافسة ضيقة فى الولايات السبع المتأرجحة، التى من المحتمل أن تحدد نتيجة الانتخابات بشكل كبير،وبالنسبة لكلا المرشحين ، اكتسبت بنسلفانيا أهمية كبيرة باعتبارها ولاية ساحة المعركة التى تمتلك أكبر عدد من أصوات المجمع الانتخابي( ١٩ صوتاً)، وقامت حملات ترامب وهاريس الانتخابية بضخ أموال وموارد كبيرة فى الولاية أملاً فى كسب هذه الأصوات.
شهدت الولاية خلال الأيام الماضية عدة فعاليات انتخابية بين هاريس وترامب سعى كل منهما خلالها إلى إقناع الناخبين فى الولاية، بأنه سيكون الأفضل فى إدارة الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع القادمة.
حاول ترامب كسب تأييد النساء والناخبين المستقلين فى ضواحى فيلادلفيا من خلال الإعلان عن برنامج تحفيزى يلغى الضرائب على الضمان الاجتماعى ويحرر صناعة الطاقة ، واعتبر أن القيام بذلك سيفتح باب ملكية المنازل من خلال خفض التضخم وأسعار الفائدة، ووجه للناخبين عبارة قال فى نصها: «لقد تم التهامكم بالتضخم، وكل ما أفعله هو إعادة الأمور إلى نصابها».
أما هاريس، فقد حاولت، ولا تزال، تعزيز مكانتها بين الناخبين السود خاصة الرجال منهم ، حيث زارت محل تسجيل محلي، ومقهى لمناقشة ملكية الأعمال الصغيرة فى منطقة ايرى التى تشهد تجمعا كبيراً للسود وحاولت هاريس أن تكون عملية واقترحت تقديم خصم ضريبى يصل إلى 50٫000 دولار للأعمال الصغيرة الجديدة، كما اقترحت برنامجا جديدا لرواد الأعمال السود وغيرهم ممن عانوا بعض الصعوبات فى التمويل مما قد يوفر مليون قرض وقيمة كل قرض منه تصل لحوالى 20٫000 دولار لبدء مشروعات جديدة، لم يخف القلق الديمقراطى بشأن الناخبين الذكور السود على المتابعين وهو ما دفع هاريس وحملتها لمزيد من التواصل، وقد دارت مناقشات عديدة داخل الحزب عن كيفية مواجهة خطاب ترامب الانتخابى الموجه للسود بشكل أفضل.
لذا وعدت هاريس بالمزيد من الدعم لـ20% من الأمريكيين السود الذين يمتلكون أو امتلكوا أصولاً رقمية، والعمل مع المشرعين على تقنين استخدام الماريوانا الترفيهية، والتأكد من قدرة الرجال السود على المشاركة فى صناعة القنب المتنامية، وتشمل المقترحات الأخرى بناء برامج تدريب وإرشاد لمساعدة الرجال السود فى الحصول على وظائف جيدة الأجر.
كادت هاريس تواجه مأزقاً بعد تصريحات الرئيس الأسبق باراك اوباما التى قال فيها إن الرجال السود لم يتقبلوا «فكرة وجود امرأة كرئيسة»، ويخرجون بأسباب لتبرير هذا الموقف، وأشار المنتقدون إلى أن الرجال السود دعموا بايدن بشكل ساحق فى عام 2020، ولا يزالون يدعمون هاريس بشكل ساحق،وهو ما حاولت هاريس تداركه بالتأكيد على وقوف السود دائما إلى جوار الحزب الديمقراطي.
من ناحيته سعى ترامب وأنصاره إلى التأثير على عدد كافٍ من الناخبين السود لتغيير نتائج المعارك الحاسمة، لكن سجل المرشح الجمهورى المليء بالتعليقات التحريضية حول العرق سابقاً يطارده دائما من قبل الناخبين السود حيث أظهرت آخر استطلاعات الرأي، أن دعم هاريس بين الناخبين السود المحتملين يبلغ حوالى 80%، ويذكر أن الرئيس الحالى جو بايدن قد فاز فى انتخابات 2020 بـأكثر من ٩٠٪ من أصوات الناخبين السود على مستوى جميع الولايات.
التساؤل حول أى المرشحين للرئاسة الأمريكية أكثر إفادة للقضايا العربية يبدو سؤالا مكرراً، يتجدد كل 4 سنوات مع البحث عن ساكن جديد للبيت الأبيض.. إلا أن طرح السؤال هذه المرة يبدو استثنائياً كغيره من العوامل المرتبطة باستحقاق الخامس من نوفمبر، فالشرق الأوسط يشهد حريقاً مستعراً منذ أكثر من عام، طاولت نيرانه الداخل الأمريكى الذى ظل لعقود منكفئاً على نفسه، مغرقاً فى المحلية.
الأدلة على استثنائية انتخابات «ترامب هاريس» عديدة، لعل أهمها الرئيس السابق الساعى للعودة إلى البيت الأبيض يعد من أكثر الشخصيات جدلية فى تاريخ السياسة الأمريكية، بينما هاريس وجدت نفسها فجأة تقود آمال الحزب الديمقراطى بدلاً من السياسى المخضرم جو بايدن الذى لم تسعفه حالته الصحية للاستمرار فى المنافسة، بالإضافة إلى الاستقطاب الحاد فى المجتمع الأمريكى الذى بلغ محاولة اغتيال ترامب على مرأى ومسمع الملايين عبر الشاشات.
العرب لطالما انشغلوا بمصير الانتخابات فى واشنطن، باعتبار أنها الدولة العظمى فى العالم التى تؤثر سياساتها على الجميع.
وفى المقابل لم تكن القضايا الخارجية تمثل أولوية فى أجندة الناخب الأمريكي، الذى ينشغل عادة بموضوعات الهجرة غير الشرعية وارتفاع تكاليف المعيشة والنمو الاقتصادي. لكن الحرب فى غزة شغلت بعض القطاعات فى المجتمع الأمريكى مثل الشباب الذين خرجوا فى تظاهرات الجامعات بعضها يدعم الفلسطينيين والآخر يناصر إسرائيل، فضلاً عن الناخبين من أصول عربية، وتعزز استطلاعات الرأى المتقاربة أهمية كل صوت لصالح أى من المرشحين، فالحسم يبدو أنه سيكون بفارق ضئيل.
وبالنظر إلى رؤية كلا المرشحين الرئاسيين تجاه القضية الفلسطينية نجد اتفاقاً على الدعم المطلق لإسرائيل، بل وتسابق على استرضاء حكومة تل أبيب. ويمكن الحكم على سياسات دونالد ترامب من عهدته الأولى التى منح فيها إسرائيل الكثير من الهدايا غير المسبوقة، فقد اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.
ثم اعترف بضم الجولان السورى المحتل إلى إسرائيل، وتراجع عن السياسة الأمريكية الثابتة باعتبار المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، وقبل عام من خروجه من البيت الأبيض قدم خطته لتسوية النزاع فى فلسطين، التى عرفت بـ»صفقة القرن»، والتى لا تمنح الفلسطينيين الا حكماً ذاتياً فى مناطق محدودة.
ما يعد نكوصاً على حل الدولتين المتوافق عليه دولياً. واستمر ترامب فى تأييد إسرائيل المطلق خلال حملته الانتخابية، حيث أعرب صراحة عن تأييد ضرب إسرائيل المواقع النووية الإيرانية، وكرر دعمه أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلى بـ»إنهاء المهمة فى غزة»، فيما يرى أن هجمات السابع من أكتوبر والحرب فى القطاع لم تكن لتحدث إذا كان رئيساً، وان الحرب ستنتهى سريعاً إذا تم انتخابه، دون أن يوضح كيفية ذلك.
وفى المقابل، لا تعد كامالا هاريس أقل حماساً لإسرائيل، وإن كانت بعبارات مغلفة بالدعوة لحماية المدنيين الفلسطينيين. وعلى الرغم من قلة خبرة هاريس فى السياسة الخارجية، خاصة أنها كانت مكلفة بمهام محلية كنائب للرئيس بايدن؛ وجدت هاريس نفسها مجبرة على أن تبلور رؤية للسياسة الخارجية بعدما أصبحت مرشحة رئاسية، فى ظل تأكيدها أنها لن تكون امتداداً لإدارة بايدن فى حال فازت بانتخابات الشهر المقبل. وعلى أى الأحوال فلا يمكن فصل سياسة إدارة «بايدن هاريس» عن الحكم على توجهات المرشحة الديمقراطية للرئاسة، حيث لم تتخذ تلك الإدارة أى خطوات للتراجع عن ما أحدثته إدارة ترامب من انحياز لصالح إسرائيل.
حيث لم يعاد فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية، ولم تتراجع واشنطن عن الاعتراف بسيطرة إسرائيل على الجولان، وكان التغير الوحيد هو إعلان الالتزام بحل الدولتين. وبعد اندلاع الحرب فى غزة، قدمت إدارة «بايدن هاريس» دعماً مطلقاً لإسرائيل، سواء بتقديم العتاد العسكرى او الحماية الدبلوماسية باستخدام حق الفيتو أكثر من مرة داخل مجلس الأمن، لمنع أى محاولة لإصدار قرار يدعو إلى نهاية فورية للحرب.
وخلال حملتها الانتخابية، رددت هاريس الدعوة إلى إنهاء الحرب ولكن مع الحفاظ على أمن إسرائيل، إلا أن الدليل الأوضح على عدم ابتعادها عن خط الدعم المطلق لتل أبيب كان عدم السماح لأى ممثل لداعمى الفلسطينيين من داخل الحزب الديمقراطى بالتحدث أمام مؤتمر الحزب الذى تم الإعلان فيه عن ترشيحها.
وفى ظل تلك المقدمات، فإن النتائج تشير إلى أن ترامب سوف يستمر فى نهج عقد الصفقات فى علاقاته الخارجية، حيث من المنتظر أن يدعم سياسات نتنياهو الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، عبر توسيع السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ من الممكن أن يطور ترامب رؤيته بشأن «صفقة القرن» إلى صيغة جديدة لا تحقق هدف الدولة الفلسطينية المستقلة.
وعلى الصعيد الأوسع نطاقاً، من المتوقع أن يزيد ترامب من الضغط على الجماعات المتحالفة مع إيران، وأن يدعم مزيدا من الضربات العسكرية الإسرائيلية على حزب الله فى لبنان، فضلاً عن تكثيف الضغط على طهران، اقتصادياً وسياسياً، بما يحول دون حصولها على السلاح النووي، خاصة ان ترامب كان قد انسحب من الاتفاق النووى عام 2018، وهذا الضغط قد يؤدى إلى التوصل لصفقة جديدة فى صالح الولايات المتحدة وإسرائيل بصورة أكبر، فيما لا يستبعد أن يدعم ترامب ضربة عسكرية إسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية، وهو ما صرح به المرشح الجمهورى بالفعل.
ولا تختلف التوقعات بشأن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط فى حال فوز كامالا هاريس إلا على الصعيد الشكلي، حيث من المرجح أن تكون إدارة هاريس استمراراً لسياسات إدارة بايدن، عن طريق استمرار تقديم الدعم السياسى القوى وتدفق المساعدات العسكرية الأمريكية، وفى نفس الوقت مواصلة الخطاب اللفظى الداعى لوقف الحرب وإقامة الدولة الفلسطينية، دون اتخاذ خطوات عملية لتحقيق ذلك أو الضغط على إسرائيل بصورة فعالة.
قبل نحو أسبوع واحد من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يبدو المشهد الانتخابى شديد الضبابية مع التقارب الشديد بين المرشحين فى استطلاعات الرأي، ومع الأحداث التى تلقى بظلالها على تلك الانتخابات وعلى رأسها الصراع المحتدم بالشرق الأوسط.
وتنعكس آثار تلك الأحداث على وضع المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أكثر مما تنعكس على المرشح الجمهورى دونالد ترمب الذى يستغل الأحداث الداخلية، كالكوارث الطبيعية والخارجية كالتطورات فى الشرق الأوسط لشن المزيد من الهجوم على المعسكر الديمقراطى والنيل من منافسته كامالا هاريس.
وقلبت الأحداث الأخيرة بالشرق الأوسط والتى بدأت منذ أكثر من عام، وامتدت إلى لبنان خلال الأسابيع الأخيرة، من موقف العرب الأمريكيين التاريخى للمرشحين الديمقراطيين وحولته من دعم كامل لبايدن وهاريس فى انتخابات 2020، إلى رفض قاطع للتصويت لهاريس فى انتخابات 2024، وكشف استطلاع رأى حديث أجراه المعهد العربى الأمريكى، أن 46% من الناخبين العرب سيدعمون الرئيس السابق ترامب، بينما قال 42% فقط إنهم سيدعمون هاريس.
ودعت اللجنة العربية الأمريكية للعمل السياسي، إلى عدم التصويت لهاريس أو ترامب، وذلك على عكس ما قامت به عام 2020 عندما أيدت الديمقراطى بايدن.
وقالت المنظمة، إن هاريس وترامب يدعمان بشكل أعمى، الحكومة الإسرائيلية الإجرامية بقيادة المتطرفين اليمينيين، بما فى ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ويتعدى الغضب من الحرب الديمقراطى المجتمع العربى الأمريكى ليشمل العديد من الشباب، ما يجعل النزاع الراهن مسألة بالغة الخطورة بالنسبة للديمقراطيين.
وقد صَوَّت نحو 30 مليون أمريكى حتى الآن سواء عبر البريد الإلكترونى أو من خلال التصويت المبكر، وهو ما يعادل حوالى 30 % من نِسب المشاركة الإجمالية المسجلة عام 2020، ويمكن أن تكون هذه النسبة عاملًا حاسمًا فى تحديد الفائز بالبيت الأبيض.
وأظهرت بعض استطلاعات الرأى مؤخرًا تقدم ترامب (78 عامًا) وهو المرشح الأكبر سنًا عن حزب رئيسى فى تاريخ الولايات المتحدة- بفارق ضئيل، مع هامش للخطأ، وهذا الأمر لا يعد مريحًا للرئيس السابق الذى يترشح للمرة الثالثة على التوالى للبيت الأبيض.
وتظهر متوسطات استطلاعات الرأى فى ميشيجن وبنسلفانيا وويسكونسن وهى أهم 3 ولايات فى الولايات المتأرجحة، أن نتائج استطلاعات الرأى تظهر تقاربًا يصل إلى حد التساوى بين هاريس وترامب، حيث يقل هامش الفرق عن نقطة واحدة، ومنذ دخولها الحملة الرئاسية بديلًا عن بايدن نهاية يوليو الماضي، لم تعرف هاريس ولا ترامب، التقدم فى هذه الولايات الثلاث الحاسمة بفارق 5 نقاط أو أكثر، وتكررت النِسب نفسها مع الاستطلاعات على المستوى الوطني، وهى المرة الأولى منذ أكثر من 60 عامًا التى لا يتقدم فيها أى مرشح بفارق 5 نقاط أو أكثر فى أى وقتٍ من السباق.
وفى ظل استقطابٍ حاد، يرجح 94% من ناخبى المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس فوزها، فى حين يرى 89% من ناخبى منافسها الجمهورى دونالد ترامب أن مرشحهم الأوفر حظًا للفوز برئاسة أمريكا.
وسعى الملياردير الجمهورى ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع لاستمالة الطبقات الشعبية، فظهر يومًا مع عمال مرتديًا خوذة ورشة بناء، كما قام بتقديم وجبات مع عمال أحد مطاعم ماكدونالدز الذى كانت تعمل به كامالا خلال فترة دراستها الجامعية.
وتضخ الحملتان مئات ملايين الدولارات، فى محاولة أخيرة لكسب تأييد الناخبين المترددين الذين قد يقلبون النتيجة لصالح أحد الطرفين، وأنفق فريق حملة كامالا هاريس 270 مليون دولار فى سبتمبر، مقارنةً بـنحو 78 مليون دولار فقط لمعسكر دونالد ترامب. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، أن المرشحة الديمقراطية جمعت أكثر من مليار دولار منذ دخولها السباق يوليو الماضى بعد انسحاب الرئيس جو بايدن، لكن هذا الفارق لم يترجم إلى رأسمال انتخابي، وفق نتائج استطلاعات الرأي.
وتعتمد المرشحة الديمقراطيةى التى احتفلت بعيد ميلادها الستين نهاية الأسبوع الماضي- على دعم شخصيتين من أكثر ممثلى الحزب شعبية، وهما الرئيس السابق باراك أوباما وزوجته ميشيل. وسيُشارك أوباما وزوجته فى عددٍ من التجمعات الانتخابية خلال الأيام المقبلة، إلى جانب هاريس، فى ثلاث من الولايات السبع المتأرجحة التى تصوت مرة للديمقراطيين وأخرى للجمهوريين، والقادرة على حسم النتيجة.
كما تقوم هاريس بحملتها الانتخابية بصحبة البرلمانية الجمهورية السابقة ليز تشيني، وهى معارضة شرسة لدونالد ترامب انضمت إلى نائبة الرئيس فى محاولة لجذب المحافظين المعتدلين إلى معسكرها.
وبدأت حملة هاريس تكثيف تعليقاتها على قدرة ترامب الذهنية والجسدية على الحكم، وتسعى إلى تصوير نفسها على أنها «محاربة» تهدف إلى طى صفحة ترامب، ونقل السياسة الأمريكية إلى مرحلةٍ جديدة.
ومع دخول الانتخابات مراحلها الأخيرة، يحاول الرئيس السابق دونالد ترامب، جذب ناخبين من أصول أمريكية لاتينية، حيث عقد جلسة نقاش مع قادة جاليات أمريكية لاتينية فى ولاية فلوريدا، أما منافسته كامالا هاريس فشاركت فى مقابلة مع محطة «تيليموندو» التليفزيونية الناطقة بالإسبانية، فى إطار محاولتها لكسب الناخبين من أصول أمريكية لاتينية، وركزت على قضايا الوظائف والإسكان وتكاليف المعيشة.
إن النهج السياسى الذى تتبعه مرشحة الحزب الديمقراطي، نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس، ومرشح الحزب الجمهورى الرئيس السابق دونالد ترمب فى التعامل مع الصراع فى المنطقة يظهر نيتهما المحدودة فى تغيير المسار فى الشرق الأوسط. ويدرك الزعيمان أن سياسات الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتصل بإسرائيل وفلسطين وإيران ــ القضايا الرئيسية التى تتطلب اهتماما عاجلا ــ أصبحت حقل ألغام حزبيا أمريكيا من شأنه أن ينفر الناخبين.
وترى مؤسسة تشاتام هاوس أنه على الرغم من خططهما المختلفة، مع ميل ترامب إلى أن يكون أكثر انفرادية، فإنهما سيواصلان اتجاه خفض أولوية إدارة الصراع تدريجيا لصالح تقاسم الأعباء بشكل أكبر من جانب أولئك فى المنطقة.
فبالنسبة للأزمات التى تتعلق بالشرق الأوسط مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق فيبدو أن الإدارات الديموقراطية والجمهورية على السواء لا تمتلك مشروعًا متكاملًا ومتماسكًا وعمليًا لمعالجة تلك الأزمات، ويقتصر انخراطها فيها على بعض الجوانب.
فعلى سبيل المثال، لا تمتلك واشنطن رؤية لحل الأزمة السياسية اليمنية لكن ما يهمها هو أنشطة الحوثيين المهددة للملاحة فى البحر الأحمر، ويتوقع أن تواصل إدارة هاريس النهج الأمريكى الحالى تجاه اليمن الذى يوازن بين تجنب تصعيد المواجهة العسكرية فى المنطقة والحفاظ على الولايات المتحدة قدر الإمكان خارج الانخراط المباشر فى أى ساحة معركة وبين إعادة تأكيد قدر معين من الردع فى مواجهة الحوثيين من خلال الضربات الجوية المستهدفة وإبقائهم على قائمة الكيانات الإرهابية العالمية المحددة بشكل خاص (SDGT).
بينما يُتوقع أن يُعاود ترامب ى حال فوزهى نهجه السابق المتمثل فى إيقاف استنزاف القدرات العسكرية الأمريكية من خلال الضربات الجوية، مقابل تعزيز التدابير التقويضية مثل إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية وقطع المساعدات للعمليات الإنسانية فى اليمن، وربما دعم ضربات إسرائيلية مركزة ضد بنية الحوثي.
أما بخصوص سوريا والعراق، ففى حين يُتوقع أن تحافظ إدارة بقيادة هاريس على حجم القوات الأمريكية الحالية بسوريا وتحقيق إعادة تموضع وانتشار للقوات بالعراق لدعم العمليات العسكرية الأمريكية فى شرق سوريا، ربما تستعجل إدارة بقيادة ترامب تقليل أعداد القوات الأمريكية بالبلدين، وبالأخص سوريا.
كما يرى موقع syria wise أن عودة ترامب تعنى أيضاً عودة الضغوط الأمريكية على الوجود الإيرانى والتركى فى سوريا، لكن هذا قد يعطى روسيا مساحة أكبر للنفوذ والنشاط فى سوريا، إذ ينوى ترامب التفاوض مع فلاديمير بوتن بشأن أوكرانيا مقابل تنازلات فى سوريا، وهذا التفاوض بالتأكيد لن يكون فى مصلحة السوريين، وسيقلل من فرص التوصل إلى حل سياسى يتماشى مع القرار 2254 الذى ترفضه روسيا وتقوضه.
أما بالنسبة لرئاسة كامالا هاريس المحتملة، فمن المرجح أن تزيد الضغوط على دمشق وأنقرة وطهران فى سوريا، وتزيد من الدعم لمجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، فإنها ستظل مدينة ومقيدة بتوجيهات الدولة العميقة.
وهذا من شأنه أن يمنعها من أن تكون عادلة ومتسقة مع مبادئها وقيمها كديمقراطية. ومثل أوباما، سوف تكون حريصة على التحالف مع أصدقاء واشنطن فى حلف شمال الأطلسى والخليج، مما يسمح لهم بإقامة علاقات دبلوماسية مع النظام السورى للحد من أنشطة عصابات الاتجار بالبشر وتجار المخدرات التى تغرق أوروبا باللاجئين ودول الخليج بالكبتاجون.
أما القضية الثانية المتصلة بالعراق فتتعلق بالإعفاءات من العقوبات، ففى حال دراسة هاريس منح العراق إعفاءات جديدة لدعم واردات الطاقة الإيرانية لتوفير إمدادات الكهرباء العراقية، فإن إدارة ترامب الثانية ستكون أقل ميلًا لمنحه إعفاءات على واردات الطاقة الإيرانية كونها سوف تستهدف إضعاف إيران قدر الإمكان وبأسرع وقت ممكن. فيما سيقتصر دور الإدارتين فى ليبيا على محاولات تقويض النفوذ الروسى وتقديم الدعم لسياسة الحلفاء الأوروبيين هناك.
ومن المتوقع أن تتوارى موضوعات مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان كمحرك للسياسة الخارجية لإدارة ترامب تجاه حلفاء واشنطن الإقليميين الرئيسيين لصالح عقلية صانع الصفقات ونهج «أمريكا أولًا» بحيث تُعطى الأولوية للترتيبات الثنائية الاستراتيجية مثل توقيع صفقات عسكرية واقتصادية مربحة، مع تفعيل العلاقات الشخصية مع الزعماء الإقليميين لتحقيق مكاسب محتملة للكيانات الاستثمارية التى يمتلكها وتحديدًا «منظمة ترامب».
فيما ستحافظ إدارة هاريس على نهج العلاقات البراجماتية الحالية مع المنطقة بحيث تقدم أو تؤخر قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان على أجندة العلاقات حسب المصالح السياسية والأمنية الأمريكية؛ فإذا تطلبت قدرًا واسعًا من التعاون تراجع توظيفها، أما إذا أرادت حمل بعض الدول على تبنى سياسات ومواقف تخدم مصالح واشنطن فإنها تصبح ورقة ضغط وابتزاز جيدة.
كما يُتوقع أن تواصل الإدارة المقبلة سواء ديموقراطية أو جمهورية التفاوض على صفقة أمنية مع السعودية بدأتها إدارة بايدن منذ فترة والتى تتضمن وصول السعودية إلى الأسلحة الأمريكية المتقدمة والتكنولوجيا النووية المدنية والتقنيات المتطورة، مقابل تقديم ضمانات أمنية للمملكة تتعلق بالدفاع عنها فى حالة تعرضها للتهديد. ومع ذلك، يُمكن أن يكون ترامب أكثر ترددًا فى تقديم ضمانات أمنية صريحة لكنه سيحرص على زيادة مبيعات الأسلحة إلى الرياض.
أما بالنسبة للوضع فى السودان فقد ازداد الاهتمام مؤخرا فى الدوائر الأمريكية فى محاولة للتغطية على فشل السياسة الخارجية الأمريكية للإدارة الحالية فيما يتعلق بأزمة الشرق الأوسط.
وفيما تتسم السياسة الخارجية الأمريكية عادة بوجود أركان وقواعد ثابتة فى الملفات ذات الأهمية لا تتغير مع تغير الانتخابات، فإن هذه القاعدة لا يبدو أنها تنطبق على الوضع السوداني. فالتمايز بين مواقف الحزبين الديمقراطى والجمهورى يبدو كبيرا، ويعكس اختلافاً أيديولوجياً آخر بين الحزبين.
فبينما يركز الديمقراطيون عادة على دعم الدفاع عن حقوق الإنسان ودعم جهود التحول المدنى الديمقراطى بشكل أساسي، فإن تركيز الجمهوريين ينصب على الحفاظ على الاستقرار والتعاون بشكل براجماتى مع حكومات الأمر الواقع. ترى صحيفة «الموند» الفرنسية ان التباين بين دونالد ترامب وكامالا هاريس فى هذا الصدد مذهل.
وأن الانتخابات الرئاسية المقررة فى الخامس من نوفمبر هى أيضا استفتاء على دور الولايات المتحدة فى العالم. إنها تصويت على القيم والمصالح الأمريكية، واختيار بين التعددية التقليدية ورؤية لعالم فوضوي، وغابة حيث ينبغى لواشنطن أن تفضل علاقات القوة على التعاون.
بالنظر إلى إرث ترامب وحاضر بايدن فى التعامل مع طهران خلال السنوات الماضية بشأن عددٍ من الملفات أبرزها: البرنامج النووى الإيراني؛ تستحوذ الانتخابات الرئاسية الستون فى واشنطن على اهتمام بالغ من جانب السياسيين والمعنيين، إذ إنها سوف تؤثر فى طبيعة السياسة الأمريكية تجاه طهران فى عددٍ من الملفات الشائكة؛ والاقتصاد المحلى والرضا العام الشعبى عن الحكومة والاستقرار السياسى فى طهران خلال الفترة المقبلة.
ترى هاريس، أن إيران قوة «خطيرة» و»مزعزعة للاستقرار» فى الشرق الأوسط، وأن واشنطن «ملتزمة بأمن إسرائيل ضد إيران والميليشيات الإرهابية المدعومة منها» وتؤكد دائماً أن دعمها لإسرائيل فى مواجهة التمدد الإيراني.
أما المرشح الجمهوري، دونالد ترامب فيُظهر بين الحين والآخر نواياه بالتصعيد مع إيران، وسبق أن انتقد الديمقراطيين على أنهم أتاحوا لإيران الفرصة لبناء قدراتها النووية والعسكرية من خلال الاتفاق النووي.
بشكلٍ عام يمكن القول: إن نهج إدارة ثانية لترامب إزاء طهران سيكون أكثر تشدداً عن الأولى، وذلك على النقيض من نهج إدارة ثانية مُتتالية للديمقراطيين برئاسة كامالا هاريس، والتى يُتوقع أن تكون أقل حزماً مع طهران، فى ظل توقعات بالتوصل لاتفاق نووى مع الأخيرة بدأ الحديث بشأنه علناً فى وقت مُبكر مع فوز الإصلاحى مسعود بزشكيان برئاسة إيران أوائل يوليو 2024.
ومع ذلك، لا ينبغى على أى حال تجاهل العامل الإسرائيلى فى سيناريوهات مُستقبل التعامل الأمريكى مع إيران؛ فهو عامل ضاغط يدفع باستمرار الإدارة فى واشنطن، سواء جمهورية أم ديمقراطية؛ لاتخاذ سياساتٍ أكثر صرامة تجاه طهران. لا يُرجّح الداخل الإيرانى المُرشح الجمهورى ترامب؛ ذلك لأنه اتبع سياسة أكثر حزماً وصرامة تجاه طهران سُميت بـ «الضغوط القصوى». ويُعد ترامب من أشد السياسيين الأمريكيين المُعارضين للاتفاق النووى مع إيران، فى المقابل فى حال قدمت إدارة ديمقراطية، ترأسها هاريس.
فقد تكون تلك الإدارة المُحتملة أقل صرامة بشكلٍ ملموس إزاء إيران؛ لذا فقد يمثل انتخاب رئيس ينتمى للحزب الديمقراطى فرصة لإيران وإن كانت غير مُكتملة؛ إذ لا يُتوقع أن تتبع إدارة أمريكية ديمقراطية سياسة الضغوط القصوى على إيران؛ فى ظل تبنيها مسار المفاوضات مع الأخيرة لحل الأزمة النووية واستئناف المفاوضات ذات الصلة التى تقود لإبرام اتفاق نووى يمنع طهران من التوصل لسلاح نووي؛ مما يدفع الإدارة الديمقراطية القادمة المُحتملة لتجنب خيار فرض عقوبات قاسية ضد طهران؛ بل ويشجعها على قبول بعض المواءمات السياسية معها. وكذلك، لا يُعتقد أن تبدى إدارة ديمقراطية مُحتملة ومع هذا.
فبالنظر إلى القلق الإسرائيلى والأمريكى المُتزايد إزاء برنامج إيران النووى الذى شهد تقدماً لا يمكن إنكاره فى عهد إدارة بايدن الديمقراطية، وأخذاً فى الحسبان أيضاً احتمالية حدوث توافق فى الآراء بشأن إيران بين ترامب وبعض الحكومات الأوروبية فى ولايته الثانية، خاصة مع صعود اليمينيين والشعبويين هناك، فإن خيار العمل العسكرى «المحدود» تجاه البرنامج النووى الإيرانى فى دورة ترامب الثانية قد يكون أمراً وارداً، مع إضافة العامل الإسرائيلى الضاغط فى هذا الاتجاه. خاصة وأن الأخيرة قامت بالفعل بتوجيه ضربات مباشرة لإيران، ومع ذلك، لا يُتوقع شن واشنطن وإسرائيل هجوماً عسكرياً «واسعاً» ضد إيران أو ضد منشآتها النووية الممتدة بطول الأراضى الإيرانية من الشمال إلى الجنوب؛ خشية اندلاع حربٍ إقليمية أو دولية أكثر اتساعاً تنخرط بها روسيا والصين ولن يتحمل المجتمع الدولى تبعاتها فى ظل وجود عشرات الوكلاء الإيرانيين الذين قد يندفعون لمهاجمة العمق الإسرائيلى والمصالح الغربية.
هذه الإدارة ستسعى إلى تقليم أظافر إيران إقليمياً، سواء ما يتعلق بـ «الحوثيين» فى ضوء تهديداتهم لحركة الملاحة والتجارة فى البحر الأحمر المُستمرة منذ أشهر، أو المليشيات الولائية فى سوريا والعراق التى تستهدف القواعد والقوات الأمريكية. وتمثل مسألة تقييد القدرات الصاروخية وصناعة المُسيّرات فى إيران أحد الأهداف المهمة لإدارة ترامب المُحتملة فى التعامل مع إيران. وفى ظل سعيه لمنع تطويرها، يُتوقع أن يعمل ترامب على فرض عقوبات مُشددة على مجالات تصنيع وتصدير مواد تصنيع الصواريخ والمُسيّرات إلى إيران، كما لا يُستبعد تخطيطه لشن ضرباتٍ عسكرية خاطفة ضد مواقع التصنيع العسكرية المعنية فى الداخل الإيراني، سواء أمريكية أم بإطلاق يد إسرائيل فى القيام بهذه المُهمّة المُحتملة.
ويُرجح بشدة أن يوظف ترامب بشكل فعّال وقوى آلية العقوبات الاقتصادية ضد إيران؛ كأداة تهديد وعقاب لطهران، محاولاً إجبارها على قبول توجهاته بشأن برامجها النووية والصاروخية، علاوة على نفوذها الإقليمي. أما فى حال فوز هاريس فإنه يُرجح ألّا يختلف نهجها عن نهج بايدن تجاه إيران؛ إذ ينتمى الاثنان إلى حزب ديمقراطى واحد يتميز بمسار محدد فى التعامل مع الملف الإيرانى برمته.
ويُرجح أن تتوصل الإدارة الديمقراطية المُحتملة إلى اتفاق نووى مع إيران بعد استئناف المفاوضات النووية معها فى فيينا مرة ثانية، والتى كانت قد توقفت فى سبتمبر 2022، وسيعزز ذلك فوزُ الإصلاحيين بالانتخابات الرئاسية الأخيرة فى طهران.
حيث يميل الإصلاحيون بوجه عام فى إيران إلى الانفتاح والتقارب مع الغرب، كما عبّر الإصلاحى بزشكيان أكثر من مرة عن استعداده لاستئناف المفاوضات النووية والتوصل لاتفاق مع الغرب. وسوف تتراجع أولوية العقوبات الاقتصادية على إيران ؛ ذلك لأن اتفاقاً نووياً مُحتملاً يعنى ذوبان بعض الجليد بين الغرب وإيران؛ ومن ثم تخفيف العقوبات المفروضة على الأخيرة وعدم الإغراق فى فرض المزيد منها.