في خطوة تعدّ الأكبر في تاريخ التعليم المصري الحديث، وافق مجلس الوزراء على إلغاء نظام الثانوية العامة التقليدي واعتماد نظام البكالوريا، بهدف إحداث نقلة نوعية في مسار التعليم قبل الجامعي.
يأتي هذا القرار في إطار خطة شاملة لتطوير التعليم، تسعى إلى تعزيز مهارات الطلاب، وتنمية قدراتهم الفكرية والعملية، والارتقاء بمستوى جودة التعليم ليتماشى مع المعايير العالمية.
نظام البكالوريا الجديد يُتوقع أن يُحدث تغييرًا جذريًا في العملية التعليمية، حيث سيركز على التقييم المستمر والمهارات المتكاملة بدلاً من الاعتماد الكلي على الامتحان النهائي.
هذا التغيير يهدف إلى تخفيف الضغوط النفسية عن الطلاب وأسرهم، والانتقال نحو نموذج تعليمي يركز على الإبداع والتفكير النقدي بدلاً من الحفظ والتلقين.
ولكن هناك عدة تساؤلات حول هذا النظام:
♦ كيف سيؤثر هذا النظام على مستقبل الأجيال القادمة؟
♦ ما الخطوات التنفيذية القادمة؟
وأسئلة كثيرة تدور في الأذهان مع بدء تطبيق هذا القرار.. وهذا ما تجيب عنه “بوابة الأهرام” في السطور التالية…
◄ كيف سيؤثر نظام البكالوريا على مستقبل الأجيال القادمة؟
وفي هذا الصدد، يرى الدكتور محمد عبد العزيز أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، والخبير التربوي، أن ما أعلن عنه بشأن نظام البكالوريا يتضح منه أن هناك العديد من النقاط في طرح المقترح وهو عدم وضوح للمعايير الحقيقية وغياب للإطار العام للمنظومة والإطار النوعي للمنظومة.
وأوضح أن المشكلة ليست في المسمى، لكن تكمن في المضمون والرؤية وغياب الإطار العام والنوعي للمنظومة “لا يمكن أن يتم إقرار نظام تعليمي في غياب الإطارين، منوهّا أننا لو قمنا بتحليل ما تم إعلانه ينبغي أن تكون هناك مراجعة حقيقية.. ووفق المعايير للبناء المعرفي للطالب خلال مرحلتي التعليم الأساسي؛ لأنها هي التي يبنى عليها المقترح الجديد للثانوية العامة – كان لا بد من مراجعة معاييره وبناءه المعرفي – وأن نكون على تواصل من خلال إطار عام ونوعي للمناهج التي تلقاه الطالب الذي سيطبق عليه هذا المقترح.
أما بالنسبة للمرحلة التمهيدية (الصف الأول الثانوي)، وفق هذا المقترح فهي مرحلة تأسيسية يتلقى فيها الطالب مقررات تعمل على استثارة قدراته وتأسيسه لما هو قادم حتى لا يستطيع اختيار المسار الذي يريد أن يسير فيه في المرحلتين الثانية والثالثة “التي سيحصل من خلالها على التقييم للدخول الجامعة.”
مادة العلوم المتكاملة
ولفت عبد العزيز إلى أن هناك مشكلة حقيقية نالت من الطلاب بسبب وجود مقرر أطلق عليه “العلوم المتكاملة”، هذا المقرر لم يكن له معايير وفق العلوم المتكاملة المتعارف عليها عالميا.. كما أنها أفقدت الطالب أساسيات في العلوم الثلاثة “فيزياء وكيمياء وأحياء” فأطاحت بقدرات الطالب الراغب في العلوم وأطاحت بشغف الطالب الذي كان يرغب في دخول المسار العلمي وستجبره على الاتجاه في المسارات الأخرى والتي قد لا تتفق مع قدراته.. لذا لا بد من إلغاء هذا المقرر واستبداله بالعلوم المدمجة.
◄ توزيع مقررات المرحلة التمهيدية على الفصلين الدراسيين
أضاف عبد العزيز، أن تهميش اللغة الأجنبية الثانية والبرمجة وجعلها خارج المجموع رغم أهمية اللغة الثانية في المسار الأدبي ومسار الأعمال المقترح في المرحلة الثالثة، مؤكدًا على ضرورة جعلها مقررات أساسية ولكي لا يكون الكم كبيرا يتم توزيع مقررات المرحلة التمهيدية على الفصلين الدراسيين مع المعالجة الفنية والاعتماد على الكيف وليس الكم.
◄ ملامح نظام البكالوريا الجديد
واستكمل، عندما ننتقل إلى المرحلة الرئيسية (الصف الثاني الثانوي)، أشار الوزير إلى أن المواد الأساسية في جميع التخصصات تتضمن مواد اللغة العربية والتاريخ المصري واللغة الأجنبية الأولي، بالإضافة إلى المواد التخصصية (يختار منها الطالب مادة واحدة) وهي الطب وعلوم الحياة تشمل (الرياضيات/ الفيزياء)، غير واضح ما معنى يختار مادة واحدة ؟ وهل سيختار الطالب مقررا واحدا لو حدث هذا سيكون هناك مشكلة خطيرة في بنائه المعرفي سيتسبب في مشكلة في المرحلة الثالثة. كما أن طالب المسار الطبي وعلوم الحياة لم يدرس أحياء في أولى ثانوي فكيف يتم إلغاء مادة الأحياء في الصف الثاني ثم يصطدم بأحياء مستوى رفيع في الصف الثالث.
كما أن تعبير مستوى رفيع لم يتضح المقصود به هل هو أحياء متقدم أم كتاب إضافي لكتاب أحياء آخر كما عاهدتنا الوزارة باستخدام مصطلح مستوى رفيع، متسائلا ما هي المعايير التي سيتم على أساسها تحديد منهج المستوى الرفيع؟، مضيفًا أن نفس الأمر ينطبق على المستوى الرفيع للكيمياء والفيزياء.
المسار الهندسي في نظام البكالوريا الجديد
وتساءل الدكتور محمد عبد العزيز: بالنسبة للمسار الهندسي وعلوم الحاسب في المرحلة الثانية شمل (الكيمياء/ البرمجة)، أين الفيزياء؟ وهي مادة أساسية في البناء المعرفي لهذا المسار وخاصة أنه لم يدرس فيزياء في أولى ثانوي، وفي المسار الهندسي وعلوم الحساب تشمل (الرياضيات مستوي رفيع) و(الفيزياء مستوي رفيع)، أين الكيمياء وهي أساسية في كليات الهندسة ؟ وفي مسار الآداب والفنون تشمل (علم نفس/ لغة أجنبية ثانيه).. لم أجد هنا أي مقرر يختص بالفنون ويحتاج إلى مقرر تأسيسي للآداب.
◄ مواد المرحلة الرئيسية لـ “الصف الثالث الثانوي”
ولفت أستاذ العلوم والتربية، إلى أنه عند انتقالنا للمرحلة الثالثة أين اللغة الإنجليزية؟ هل من الممكن لطالب ينهي مرحلة مؤهلة للجامعة دون أن يدرس أساسيات للغة الإنجليزية تؤهله للجامعة وفق تخصصه؟
وأما مسار الأعمال تشمل (الاقتصاد مستوي رفيع) (الرياضيات)، والآداب والفنون تشمل (جغرافيا مستوي رفيع) و(إحصاء).. فما علاقة الجغرافيا والإحصاء بالآداب والفنون؟ فالجغرافيا ممكن مع الدراسة الأدبية لكن بالنسبة للإحصاء؟ وأين المقررات المؤهلة لدراسة بالفنون؟
ولفت عبد العزيز إلى أن التساؤل سيظل مطروحا: متى سيتم إعداد المقررات خلال هذا الوقت الضيق ومجلس الوزراء قد أعلن تطبيق النظام العام القادم؟ وكيف ومتى سيتم الحوار المجتمعي ولم يتم عمل إطار عام ونوعي للمنظومة؟ ومتى سيتم تدريب المعلمون على هذه المناهج وهذا النظام؟… لذا لا بد أن تحتاج لدراسة هذا القرار.
◄ مميزات نظام البكالوريا الجديد
ومن جانبه، يوضح الخبير التربوي، الدكتور تامر شوقي أن هذا القرار “تغيير نظام الثانوية العامة إلى نظام جديد تحت مسمى البكالوريا المصرية”؛ يمثل أمرا جيدا بعد أن عانت الأسرة المصرية لسنوات عديدة من ضغوط ومشكلات الثانوية العامة، ولا شك أن الهدف من هذا النظام هو تخفيف العبء على الطلاب وأولياء الأمور في ضوء تخفيف عدد المواد وما يتبعه من تقليل تكاليف الدروس الخصوصية والكتب الخارجية، ويتمتع هذا النظام بعدة مميزات تشمل: وجود مسارات متعددة في الثانوية العامة (٤) مسارات وليس تخصصين فقط علمي وأدبي، وهذه المسارات هي الطب وعلوم الحياة، والهندسة وعلوم الحاسب والأعمال والآداب والفنون، وهذا يتيح للطالب فرصا أكبر لانتقاء المسار الذي يتوافق مع ميوله وقدراته العلمية والدراسية.
وتابع: يشمل النظام الجديد تركيزا أكبر على علوم المستقبل مثل البرمجة وعلوم الحاسب والتي تعتبر مرتبطة بسوق العمل.
كما يضم هذا النظام دراسة مستويات متقدمة من العلوم وهى المستويات الرفيعة في مواد الصف الثالث الثانوي.
وأضاف شوقي أن نظام البكالوريا الجديد، يتيح إمكانية جمع الطالب بين أكثر من مسار بعد الانتهاء من مساره الأصلي، مما يفتح له فرصا أكبر للالتحاق بالكليات المتصلة بكل مسار.
فرص تقييم متعددة للطالب
ونوّه الخبير التربوي، تامر شوقي إلى تجنب مسألة الفرصة الواحدة في التقييم وتعدد فرص تقييم متعددة للطالب لدخول الامتحانات، مما يقلل من الضغوط والأعباء الواقعة عليه.
كما أن دراسة عدد محدود من المواد الدراسية (٧ مواد) فقط في سنتين، مما يتيح فرص التعلم العميق للطالب الجمع بين دراسة مواد من تخصصات مختلفة، هذا بالإضافة إلى الاعتراف الدولي لشهادة البكالوريا، مضيفًا أن التطوير يشمل كافة المناهج الدراسية، بالإضافة إلى تأهيل المعلمين لتدريسها.
◄ إشكاليات نظام البكالوريا الجديد
ويرى الخبير التربوي الدكتور تامر شوقي، أن هناك بعض التساؤلات حول تطبيق هذا النظام منها: كيف سيتم التطبيق على طلاب الصف الأول الثانوي من العام القادم؟ (وهذا يعنى تطوير وإعداد مناهج جديدة) على الرغم من أنه من المخطط إحداث تطوير في مناهج هذا الصف بعد سنتين من الآن؟، وهل العام القادم يشمل تطوير مناهج الصف الثاني الإعدادي والعام الذي يليه تطوير مناهج الصف الثالث الإعدادي، يليها تطوير مناهج الصف الأول الثانوي؟، فضلا عن عدم وضوح التصور بكافة تفاصيله، وعدم التمهيد لوجود هذا المقترح مع سرعة تغيير نظم الثانوية العامة يثير الربكة والأمر يحتاج إلى استقرار أكبر، كذلك شغل الامتحانات في المدارس لمدة ٤ شهور في السنة مايو ويونيو ويوليو وأغسطس، وجعل البرمجة والحاسب الآلي مادة غير مضافة للمجموع رغم تأكيد القيادة السياسية على أهميتها، بالإضافة إلى إدراج التربية الدينية كمادة أساسية وهو أمر غير ممكن بالوضع الحالي.