منذ الأزل كانت مصر بموقعها الجغرافي الفريد وتاريخها العريق لاعبا محوريا في رسم معالم الاستقرار في المنطقة. ومع تعقد الملفات الإقليمية وتداخل الأجندات الدولية برزت مصر كصوت العقل، الحارس الذي يوازن بين الاعتبارات الأمنية والإنسانية ، والرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط.
في خضم الأزمات التي شهدتها المنطقة ، ومنها العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة وقفت مصر بموقف ثابت لا يعرف التردد رغم التحديات الهائلة والضغوط المتزايدة. فمنذ اللحظة الأولى أعلنت القاهرة لاءاتها الحاسمة: لا لتصفية القضية الفلسطينية ، لا لتهجير الفلسطينيين.ولا للمساس بالأمن القومي العربي والمصري.
هذا الثبات لم يكن مجرد شعارات ، بل كان تجسيدا لسياسة واضحة اتسمت بالدبلوماسية الحكيمة والمبادرات البناءة. فمنذ اندلاع العدوان ، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي جميع الأطراف إلى الحوار ، مؤكدا أن كل صراع لا يفضي إلى السلام هو عبث لا طائل منه. لم تكتف مصر بالدعوة إلى العقلانية ، بل تحركت على كافة الأصعدة، بدءاً من المسار الدبلوماسي وحتى الدعم الإنساني المباشر.
تحركات مصر أثمرت عن تهدئة، ولو مؤقتة، رغم التعنت والصعوبات. ما يميز الدور المصري في مثل هذه الأزمات أنه لا ينبع من اعتبارات أنانية أو مصالح ضيقة، بل من قناعة راسخة بأن استقرار المنطقة يبدأ من معالجة جذور النزاعات، وليس بإدارة أعراضها فقط. ومن هذا المنطلق، ظلت القاهرة تقدم رؤى وحلولاً تستهدف تقريب وجهات النظر، حتى في أصعب الأوقات.
دور مصر لم يكن بمعزل عن التحديات الداخلية والخارجية. ففي ظل بيئة إقليمية متشابكة، تعرضت القاهرة لحملات تشكيك ومحاولات ابتزاز سياسي من بعض الأطراف التي أرادت توجيه البوصلة المصرية لخدمة أجنداتها الخاصة. لكن مصر، كما كانت دائما رفضت الانسياق وراء هذه الضغوط، وواصلت التزامها الثابت بالقضية الفلسطينية كجزء أصيل من أمنها القومي.
ما يجعل مصر مختلفة في تعاملها مع القضايا الإقليمية هو قدرتها على الجمع بين المبادئ الثابتة والبراغماتية السياسية. فبينما تتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني، تدرك أن السلام لا يتحقق إلا عبر حلول عادلة ومستدامة. وهذا ما أكسبها احترام القوى الدولية والإقليمية، حتى من أولئك الذين قد لا يتفقون معها في بعض التفاصيل.
لا يمكن فصل السياسة الخارجية المصرية عن سياستها الداخلية. فتوجهات القاهرة نحو تحقيق التنمية والاستقرار داخليا تعزز من قدرتها على التأثير في الخارج. مصر وهي تمضي بخطوات ثابتة نحو بناء اقتصاد قوي ومجتمع متماسك، تعي تماماً أن قوتها الناعمة والإقليمية لن تتحقق إلا من خلال نجاحها الداخلي.
في النهاية يظل الدور المصري محط أنظار العالم. هي الكلمة التي قد تكون همسا وسط ضجيج الصراعات لكنها تحمل وزنا يغير المعادلات. مصر ليست مجرد وسيط في أزمات المنطقة بل شريك في صياغة مستقبلها. ومن خلال تاريخها الطويل وحاضرها الواعد ، تظل مصر مفتاح الاستقرار، وكلمة السر في كل معادلة تبحث عن التوازن.
إنها ليست مبالغة حين نقول إن مصر بحكمتها وشجاعتها، تظل دائما في المكان الصحيح ، لتكون صوت العقل وسط جنون العالم.