قصة قصيرة
في حي المرج، حيث تتداخل أصوات زحام القاهرة مع همس النخيل الذي يلوح في الأفق، ولدت أســـــــــــماء في بيت بسيط، بين أبوين لم تمسك يداهما قلما أو تفتحا كتابا. كانت الحياة في ذلك الحي الشعبي تروي حكاياتها من خلال شرفات البيوت المتلاصقة، وأصوات الباعة الجائلين، وصراخ الأطفال الذين يلعبون في الأزقة الضيقة. لكن أســـــــــــماء كانت تحمل في عينيها بريقا مختلفا، وكأنها ترى ما لا يراه الآخرون. كانت أســـــــــــماء تسمع دائما عن إخوة أمها، الذين أصبحوا أطباء مشهورين، وكيف أنهم استطاعوا أن يغيروا مصيرهم بالعلم. كانت تحلم بأن تكون مثلهم، لكنها كانت تشعر بأن شيئا ما يقف في طريقها. في المدرسة، كانت متفوقة، خاصة في مادة العلوم، لكنها كانت تشعر بأن هناك غموضا يحيط بها، وكأن قوة خفية تتحكم في مصيرها. ذات يوم، قررت أســـــــــــماء أن تزور شيخا معروفا في الحي، كان الناس يتحدثون عن قدرته على قراءة المستقبل وعلاج الأمراض الروحية. جلس الشيخ ينظر إليها بعينين ثاقبتين، ثم قال لها: “عندك لمس من الجن، يا بنتي. هذا ما يجعل حياتك مليئة بالارتباكات.” كانت أســـــــــــماء مصدومة، لكنها قررت أن تخضع للعلاج الذي وصفه لها الشيخ، على أمل أن تتغير حياتها. في مصر، تنتشر ظاهرة العلاج من الجن والحسد والسحر بشكل واسع. وفقا لإحصائيات غير رسمية، يقدر عدد المتعالجين من هذه الأمراض الروحية بمئات الآلاف سنويا. في مصر وحدها، تشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 500 ألف شخص يزورون المشايخ والمعالجين الروحيين كل عام. وتقدر قيمة هذه السوق بمليارات الجنيهات، حيث يدفع المرضى مبالغ طائلة للحصول على العلاج. بعد فترة من العلاج، قررت أســـــــــــماء أن تدخل كلية الطب البيطري. كانت تعتقد أن هذا المجال سيمكنها من تحقيق حلمها في أن تكون طبيبة، وإن كانت تعالج الحيوانات بدلا من البشر. في الكلية، كانت تدرس بجد، وتتعلم عن جسم الحيوان وأمراضه، وكيفية علاجها. لكنها كانت تشعر بأن هناك شيئا ما ينقصها. بعد التخرج، بدأت أســـــــــــماء العمل في مجال دعاية الأدوية البيطرية. كانت تتنقل بين العيادات والمزارع، تقدم النصائح للأطباء البيطريين والمزارعين عن الأدوية الجديدة. لكنها كانت تشعر بأنها بعيدة عن حلمها الحقيقي. ومع ذلك، كانت تعمل بجد، وتستخدم هاتفها المحمول في كل وقت، حتى في الحمام، لترتيب مواعيدها والرد على العملاء. بعد سنوات من العمل الجاد، تزوجت أســـــــــــماء من محاسب يعمل في السعودية. كان زواجها حدثا كبيرا في حي المرج، حيث كانت العائلات تتجمع للاحتفال بهذه المناسبة. أنجبت أســـــــــــماء طفلين، وأصبحت حياتها مليئة بالمسؤوليات الجديدة. لكنها كانت تشعر بأن هناك غموضا يحيط بها، وكأن شيئا ما قد تغير في حياتها بعد الزواج. أســـــــــــماء كانت تتمتع بجمال فاتن، رغم أنها امتلأت قليلا بعد الزواج. لون بشرتها الخمري كان يجعلها تبرز بين النساء، وملامحها الجذابة كانت تجذب الأنظار. كانت ترتدي الجينز والحجاب، وهو مزيج يعكس شخصيتها القوية والمستقلة. في مصر، كان ارتداء الجينز قد زاد بشكل كبير بين الرجال والنساء، وأصبح رمزا للأناقة والحداثة. مع مرور الوقت، بدأت أســـــــــــماء تشعر بأنها تفقد جزءا من نفسها. كانت تشعر بأنها بعيدة عن أحلامها القديمة، وأن حياتها أصبحت روتينية. كانت تقضي معظم وقتها في رعاية أطفالها وإدارة المنزل، بينما كان زوجها يعمل في السعودية. كانت تشعر بالوحدة أحيانا، وتتساءل عما إذا كانت قد ضحت بأحلامها من أجل الزواج والأسرة. قررت أســـــــــــماء أن تعود إلى نفسها، وأن تحاول تحقيق التوازن بين حياتها الشخصية وأحلامها. بدأت تخصص وقتا لنفسها، تقرأ كتبا عن الطب البيطري، وتتابع آخر التطورات في هذا المجال. كما بدأت تشارك في ندوات عبر الإنترنت، وتتواصل مع زملائها القدامى في الكلية. في عصر التواصل الاجتماعي، أصبحت أســـــــــــماء تعيش في عالم من الوهم والخيال. كانت تقضي ساعات طويلة على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام، تتابع حياة الآخرين المثالية التي يعرضونها. كانت ترى صورا لأصدقائها الذين يسافرون إلى أماكن بعيدة، ويحتفلون بمناسبات خاصة، ويعيشون حياة مليئة بالرفاهية. كانت تشعر بأن حياتها بسيطة ومملة مقارنة بهم. بدأت أســـــــــــماء تشعر بأنها تعيش في عالمين متوازيين: عالمها الواقعي، الذي يعج بالمسؤوليات والمشاكل اليومية، وعالمها الافتراضي، الذي يقدم لها صورة مثالية عن الحياة. كانت تشعر بأنها تفقد الاتصال بالواقع، وأنها تعيش في حالة من الوهم الذي يخلقه التواصل الاجتماعي. في مصر، أصبح التواصل الاجتماعي جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية. الناس يشاركون كل شيء: من صور وجباتهم اليومية إلى تفاصيل حياتهم الشخصية، وحتى أثاث منازلهم وملابسهم. وفقا لإحصائيات حديثة، يقضي المصريون في المتوسط أكثر من 3 ساعات يوميا على منصات التواصل الاجتماعي. هذه الظاهرة خلقت حالة من الوهم الجماعي، حيث يعيش الناس في عالم افتراضي يعكس صورة مثالية للحياة، بعيدا عن الواقع. في حي المرج، أصبحت ظاهرة العلاج الروحي مهنة مربحة للعديد من المشايخ والمعالجين. كانوا يعلنون عن خدماتهم عبر اللافتات والإعلانات في الشوارع، ويجذبون الزبائن من جميع أنحاء القاهرة. كانت أســـــــــــماء تشاهد هذه المشاهد كل يوم، وتتساءل عن مدى تأثير هذه الممارسات على المجتمع. مع مرور الوقت، بدأت أســـــــــــماء ترى أن هذه الظاهرة ليست فقط مجرد معتقدات شعبية، بل أصبحت صناعة كاملة. كان المشايخ والمعالجون يقدمون خدماتهم بأسعار مرتفعة، ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأنفسهم. كانت أســـــــــــماء تشعر بالقلق من أن هذه الممارسات قد تستغل حاجة الناس وضعفهم. في حي المرج، حيث تبدأ الحكايات وتنتهي، كانت أســـــــــــماء تكتب فصلها الخاص في قصة الحياة. رغم كل التحديات والعقبات، استطاعت أن تجد طريقها الخاص، وأن تستخدم معرفتها وخبرتها لمساعدة الآخرين. وفي النهاية، أدركت أن الحياة ليست فقط عن تحقيق الأحلام، بل عن كيفية التعامل مع التحديات التي تواجهنا، واستخدامها لصنع فرق في العالم.
في عصر التواصل الاجتماعي، أصبح الوهم والخيال جزءا لا يتجزأ من حياتنا. نعيش في عالم نصنعه بأنفسنا، حيث نختار ما نريد أن نراه ونسمعه. لكن في النهاية، يجب أن نتذكر أن الحياة الحقيقية هي التي نعيشها خارج الشاشات، وهي التي تحتاج إلى اهتمامنا وتركيزنا. أســـــــــــماء، التي عاشت بين الواقع والخيال، استطاعت أن تجد طريقها الخاص، وأن تستخدم معرفتها وخبرتها لمساعدة الآخرين. وفي النهاية، أدركت أن الحياة ليست فقط عن تحقيق الأحلام، بل عن كيفية التعامل مع التحديات التي تواجهنا، واستخدامها لصنع فرق في العالم. هذه القصة ليست مجرد سرد لحياة أســـــــــــماء، بل هي انعكاس لواقع يعيشه الكثيرون في مصر والمنطقة العربية. بين الواقع والخيال، بين الشاشات والحياة اليومية، تظل أســـــــــــماء رمزا للكفاح والبحث عن الذات في عالم مليء بالتناقضات.في مصر والمنطقة العربية، تنتشر ظاهرة العلاج من الجن والحسد والسحر بشكل واسع. وفقا لإحصائيات غير رسمية، يقدر عدد المتعالجين من هذه الأمراض الروحية بمئات الآلاف سنويا. في مصر وحدها، تشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 500 ألف شخص يزورون المشايخ والمعالجين الروحيين كل عام. وتقدر قيمة هذه السوق بمليارات الجنيهات، حيث يدفع المرضى مبالغ طائلة للحصول على العلاج.
في النهاية، قررت أســـــــــــماء أن تستخدم معرفتها العلمية وخبرتها في الطب البيطري لتوعية الناس حول هذه الظاهرة. بدأت تنشر مقالات وفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، تشرح فيها الفرق بين الأمراض العضوية والروحية، وتنصح الناس باللجوء إلى الطب الحديث بدلا من الاعتماد على المعالجين الروحيين. في حي المرج، حيث تبدأ الحكايات وتنتهي، كانت أســـــــــــماء تكتب فصلها الخاص في قصة الحياة. رغم كل التحديات والعقبات، استطاعت أن تجد طريقها الخاص، وأن تستخدم معرفتها وخبرتها لمساعدة الآخرين. وفي النهاية، أدركت أن الحياة ليست فقط عن تحقيق الأحلام، بل عن كيفية التعامل مع التحديات التي تواجهنا، واستخدامها لصنع فرق في العالم. في عصر التواصل الاجتماعي، أصبح الوهم والخيال جزءا لا يتجزأ من حياتنا. نعيش في عالم نصنعه بأنفسنا، حيث نختار ما نريد أن نراه ونسمعه. لكن في النهاية، يجب أن نتذكر أن الحياة الحقيقية هي التي نعيشها خارج الشاشات، وهي التي تحتاج إلى اهتمامنا وتركيزنا. أســـــــــــماء، التي عاشت بين الواقع والخيال، استطاعت أن تجد طريقها الخاص، وأن تستخدم معرفتها وخبرتها لمساعدة الآخرين. وفي النهاية، أدركت أن الحياة ليست فقط عن تحقيق الأحلام، بل عن كيفية التعامل مع التحديات التي تواجهنا، واستخدامها لصنع فرق في العالم.