من بين دياجير الظلام يبزغ الفجر بنوره وبهائه ،ومن رحم المعاناة والتحديات والمحن يولد الأمل، ولا يأس مع عقول واعية وأنفاس تؤمن بحياة تاجها العزة والكرامة ،وشعارها الإرادة والتحدي.
وقد أثلجت فؤاد كل عربي حر هذه الحالة من التوافق الإيجابي العربي بعد إعلان رفض مخططات الاستيطان الصهيوني ومقترحات وأفكار “ترامب”، لتهجير الفلسطينيين سواء إختياريا أو جبريا وإنشاء منتجع “ريڤيرا الشرق الأوسط” علي أطلال وطن الصمود في غزة الجريحة..
وقد جاء الرفض جملة وتفصيلا بإجماع عربي غير مسبوق مع إعلان التأكيد بعدم المساس بثوابت أبناء فلسطين وحقهم التاريخي والمشروع في إنشاء دولة حرة ومستقلة عاصمتها القدس.
ومن المؤشرات الإيجابية لنتائج هذا التوافق العربى حول رفض تصفية قضية فلسطين كسب احترام وتقدير مختلف دول العالم شرقا وغربا ،والذي تم ترجمته عبر هذا التعاطف الأممي لغالبية دول العالم الفاعلة ،والتي أعلنت عن استنكارها لترهات وإطروحات “ترامب” غير الأخلاقية التي تتعارض مع كافة المواثيق الدولية والإنسانية.
كما وصفت مخطط التهجير وهذه الصفقة “الترامبية” المشبوهة بأنها فضيحة وإبتزاز وتبجح!.
وأتصور أن الموقف العربي الآني الموحد هو محطة فارقة ومهمة سيذكرها التاريخ،وربما مقدمة لمواقف أخري وسياسات جديدة تجاه هذا الصلف الأمريكي والتجاوز الصهيوني الذي فاق حدود العقل والمنطق وكافة الاتفاقيات الأممية، وهو ما نتوقع أن نجد صداه جليا في توصيات القمة العربية نهاية هذا الشهر.
ومع دعوات أهمية الاستثمار الاستراتيجي لهذا التوافق العربى ، فلا ريب أننا نشهد في الأفق روحا جديدة تسري في الكيان العربي ترتدي ثياب العزة والصمود حاملة معها رسائل عديدة لمن يهمه الأمر وبكل لغات العالم ..
إنها لحظة التوافق الإيجابي نحو هدف واحد وقضية واحدة ومصير واحد ..
إنها اللحظة التي طال انتظارها وينبغي استثمارها والبناء عليها والانطلاق منها نحو عصر مغاير لتعزير الوعي بكافة التحديات وإدراك حجم التحديات الفعلية والمخاطر المحتملة خلال المرحلة المقبلة.
ورغم محاولات البعض غرس الفتن وتفتيت الإجماع العربي والرؤية العربية الموحدة حول مستقبل قضية فلسطين أتصور أنها اللحظة الأنسب لتجاوز أراجيف وسموم المرجفين ،وبحث فكرة التكامل العربي بكافة أبعادها الإقتصادية والسياسية والثقافية..حفاظا على الهوية العربية ومقدرات الأمة وثرواتها حاضرا ومستقبلا.
ولا يختلف اثنان من المنصفين علي أن الضربات الموجعة التي وجهت للكيان العربي خلال السنوات الأخيرة اعتبارا من وهم سردية “الربيع العربي” وحصاده المر في مختلف ربوع الوطن العربي ،قد تركت آثار مؤلمة وخلفت تداعيات خطيرة لكنها لم ولن تفت العضد وتقصم الظهر ، طالما وجدت من يعمل جاهدا لتعزيز التكاتف والإصطفاف والتضامن اللامحدود وتصحيح المسار،وتدراك الخطايا والوعي الشامل بحقيقة المخاطر والتهديدات.
وقد أثبتت التجارب عبر كافة مراحل التاريخ قديما وحديثا أن توحد الإرادة العربية يربك حسابات الأعداء ومن يتربصون ويتأبطون بهم شرا ..
وقد قادت مصر عبر محطات التاريخ اختبارات جمة ومعارك طاحنة وواجهت موجات شرسة للسيطرة عليها وإخضاعها وظلت الحصن المنيع الآمن للأمة العربية والإسلامية.
ووسط هذه المتغيرات الهادرة والتحديات الجمة ،فأن تأتي متأخرا خير لك ألا تأتي ،فلم يعد خيار التكامل العربي الشامل خيارا ترفيهيا أو ديكوريا لحفظ ماء الوجه وما تبقي من كيانات عربية صامدة في وجه التحديات ،بل أصبح وأمسي وبات ضرورة وجودية للحفاظ علي الكيان العربي وهويته.
كما تبرز أهمية اتخاذ خطوات فاعلة نحو إقرار مبادرة شاملة لهذا التكامل مع تزايد موجات صراع إثبات الوجود الحضاري واتجاه أبناء المعمورة لبناء تكتلات إقتصادية مغايرة ورسم خريطة لعالم جديد متعدد الأقطاب.
وحتي كتابة هذه السطور يجب أن ننطلق من حقيقة أن التكامل العربي الشامل ما يزال حلما يرواد الشعوب العربية الطامحة لحجز ما يليق بها من مقاعد في حلبة اللعبة الدولية بأبعادها السياسية والإقتصادية..
وما تزال العلاقات العربية ـ العربية يشوبها عورات وعقبات وعلاقات منقوصة وغير فاعلة في مواجهة التكتلات الأممية التي نجحت في استنزاف خيرات العرب وقطف ثمار الاستثمار في مشروعات البنية التحتية والخدمات “اللوجستية” والتكنولوجية،ثم هروب الأموال إلي منابعها ومن حيث أتت، وفقا لآليات النفعية المطلقة !.
وفي زمن التكتلات السياسية والاقتصادية العملاقة أصبح من الأهمية بمكان دراسة تطوير وتعزيز الاستثمار العربي البيني بدلا من أن تذهب مقدرات العرب لمن لا يستحق ويتحين الفرصة للإجهاز عليها وإستنزاف ثرواتها.
ومن الأهمية إعادة التفكير في كافة صور التكامل الاقتصادي وتنشيط التجارة البينية وإحياء فكرة السوق العربية المشتركة والاستثمار الأمثل للموارد البشرية والطبيعية واستيعاب طاقات ومهارات الشباب والأجيال القادمة وتطوير منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والتي أسهمت في مضاعفة التجارة البينية العربية اعتبارا من عام 1998، لكنها لم تصل بعد لمرحلة النضج الشامل مما يؤهلها للمنافسة الدولية ويقطع الطريق علي شرور الضغوط الأممية بمختلف صورها السياسية والاقتصادية.
واتصور أن اللحظة الراهنة تتطلب مزيدا من تطوير دور جامعة الدول العربية، باعتبارها بيت العرب الأول في تقريب وجهات النظر واستيعاب بعض الخلافات العربية ورأب هوة الخلاف والنزاعات وسط هذه المتغيرات والتحديات غير المسبوقة.. والقادم أفضل بإذن الله.