الإخبارية – عادل يحيى
قال فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف: إن الإسلام لا يؤمن بما تنكره العقول، وذلك تكريمًا وإعلاءً لدور العقل وشأنه، فهو مناط الأمر كله، وهو القَدْر المشترك بين الناس جميعًا، فالإسلام جاء ليخاطب العقل الذي هو مناط التكليف، والعقل عصبٌ في العقيدة الإسلامية بكل أبوابها (الإلهيات والنبوات والسمعيات)، وعصب في التشريع والأحكام وفي الآداب والفضائل والأخلاق، وهذه فطرةٌ فطَر الله الناس عليها، وفي ظل هذا فلا يمكن أن يكون ثلث الإيمان وهو السمعيات أو الإيمان باليوم الآخر وما فيه متعارض مع العقل؛ لأن صحيح النقل ورَد به.
وأضاف فضيلته خلال برنامج “الإمام الطيب”: أن الإسلام لا يمكن أن يأتي بما ينكره العقل أو يتعارض أو يتصادم معه، إذ العقل يفرّق تمامًا بين المستحيل العقلي الذي لا يمكن أن يحدث في الدنيا ولا في الآخرة وبين القضايا التي يقول: إنها غريبة عليه؛ لأنه لا يجدها في البيئة التي يتعامل فيها مع الأشياء، لافتًا إلى أن المنكرين للقضايا الأخروية لها يتحجّجون بأن ذرّاتِ الجسد بعد الموت تصير ترابًا ولا يمكن أن تعود الروح إليه مرة أخرى، ويستبعدون أن يوجد الشيء بعد عدمه؛ {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ…}.
وأشار فضيلته إلى أن أمر إنكار البعث موضوع قديم، ولكننا هنا نتحدث لشبابنا عن هذه القضايا لأنها دائمًا ما تثار بأشكال مختلفة، منبّهًا على أنه يجب الإيمان الكامل بقضايا الآخرة؛ لأن التصديق بالله وبرسوله يستلزم التسليم بكل ما يخبر به الرسول ويُبَلِّغ به من وحي الله تعالى، فإذا آمنا بالنبي وصدقنا به، ثم سمعنا من النبي أن هناك ملائكةً أو بعثًا أو جِنًّا أو جنة أو نارًا.. فيجب الإيمان بما يقوله، والتصديق بما نسمعه منه، ومن أجل أن الإيمان بهذه الأمور متوقف على سماع كلام الأنبياء؛ سُمّيت القضايا المتعلقة بهذه الأمور: «السمعيات».
وشدّد فضيلته على وجوب الإيمان بالحياة في القبر وما يتعلق باليوم الآخر ومراحله، وأن هذه السمعيات إذا كانت تثبت بالدليل السمعي الذي هو الشرع أو النص أو النقل، فإنها لا تُعارِض العقلَ أو تتناقض مع أصول النظر العقلي ومناهجه؛ لأن العقل لا يجد أيّة صعوبة منطقية في أن يؤمن بحياة تكون بعد الموت، أو الاعتقاد في حسابٍ ومحاكمة وجزاء وثواب وعقاب وجنة ونار، وكل ما نسمعه من الأنبياء في هذا المجال إنما يقع في دائرة الإمكان العقلي، وإذا كان العقل لا يستطيع أن يتوصّل إليه مستقلًّا، فإنه لا يستطيع أيضًا أن ينكره أو يعارضه، بل لا يستطيع المُنكِر للسمعيات أن يُقدِّم دليلًا عقليًّا واحدًا على استحالتها أو عدم إمكانها ووقوعها؛ فالسمعيات أمورٌ ممكنة يقبلها العقل ويصدّق بوقوعها إذا أخبره بذلك معصومٌ يستحيل عليه الكذب.
وأوضح فضيلة الإمام الأكبر؛ أن الحياة في القبر تسمى بالحياة البرزخية، وتتعلق بحياة القبر من السمعيات مسألتان اتفق عليهما المسلمون جميعا؛ الأولى: سؤال المَلَكَين في القبر، والثانية: عذاب القبر ونعيمه، ودليل ذلك من القرآن الكريم: قوله تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}، ومما يدل على عذاب القبر قوله ﷺ وقد مرّ بقبرين: «إنهما ليُعَذَّبان، وما يُعَذَّبان في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخَر فكان يمشي بالنميمة…»، وعلى الإنسان أن يؤمن بكل هذه الأمور كما آمن بالله ورسله، ويترك شأنها إلى الله وينشغل بعمله.