نواصل الغوص في أعماق تاريخنا قديمه وحديثه لعلنا نعثر على مشعل استخدمه أجدادنا أو أباؤنا للخروج من الأزمة الحالية التي نمر بها ، لإعتقادنا الراسخ أنها أزمة طارئة وستمر مثلما مرت غيرها على مدار تاريخنا العريق . وتوجد تلك المشاعل بين أفكار كثير من رموزنا الفكرية والعلمية والأدبية والفنية ، الذين سجلوها قبل رحيلهم بأحرف من نور في موسوعات علمية وكتب ثقافية قيمة . بدأنا بالراحل عبد الوهاب المسيري صاحب موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية ) ، ثم عميد الاثريين المصريين والمؤرخ المصري الدكتور سليم حسن صاحب موسوعة ( مصر القديمة ) .
ونواصل إستجلاء رموزنا التي يتعرضون لجريمة تجاهل متعمد مع المترجم والاديب المبدع والكاتب الصحفي ابن قرية البتانون محافظة المنوفية زهير الشيايب ( 1935 – 1982 ) ، وهو مفكر تعرض للظلم حيا وميتا ووصفوه بأنه ” شهيد كتاب وصف مصر ” لانه تعرض لحملة مطارده من الحاقدين منذ صدور المجلد الاول منه حتى أودت بحياته .
قالت عنه الدكتورة رضوى زكي : ” أنه نابغة وعقلية فذة وشخصية مثابرة، كان له مشروع فكري أفني فيه عمره، ولأنه شخص ناجح حارب طوال حياته، وكان يخرج من معركة لمعركة دون أن يفقد إيمانه، لأن أمثال زهير الشايب في مصر موجودون في كل مكان وإن كانوا ضائعين في زحام الحياة”.
والجوهر الرئيسي لمشروع الشايب الفكري كان ترجمة كتاب ( وصف مصر ) الذي جمعت مادته البعثة العلمية الفرنسية التي اصطحبها نابليون بونابرت في حملته على مصر المكونة وفقا لموسوعة ويكيبيديا من 150 عالما من مختلف التخصصات وأكثر من 2000 متخصص من خيرة الفنانين والرسامين والتقنيين قاموا بعمل مضن شمل جميع انحاء مصر شرقا وغربا شمالا وجنوبا على مدى ثلاث سنوات من 1798 – 1801، ودونوا ورسموا كل صغيرة وكبيرة في 11 مجلدا من الصور واللوحات و9 مجلدات من النصوص من بينها مجلد خاص بالأطالس والخرائط. وبعد فشل الحملة عاد الفريق العلمي إلى فرنسا وفي 18 فبراير 1802 تم تشكيل لجنة من 8 أعضاء قامت على مدى 7 سنوات بصياغة كتاب وصف مصر الذي صدر المجلد الاول من الطبعة الفرنسية عام 1809 بأمر من الامبراطور نابليون إكتمل اصدار باقي مجلداته عام 1922.
وتقول الباحثة رضوى زكي استمر قراء العربية محرومين من الاطلاع على كتاب وصف مصر طوال حوالي 150 عاما كسر هذا الحاجز للأبد، وسجل اسمه بحروف من نور في تاريخ الفكر والثقافة بترجمته لموسوعة وصف مصر.. هو “زهير أحمد محمد الشايب”.
وأهمية هذا الكتاب الموسوعي ( وصف مصر ) كشف عنها جوزيف فورييه ، أحد علماء الحملة الفرنسية الذين شاركوا في وضعه، بقولة في مقدمة الطبعة الفرنسية:” لم يسبق لأي بلد آخر أن خضع لأبحاث بمثل هذا الشمول وهذا التنوع وفضلا عن ذلك فليست هناك بلاد أخرى جديرة بأن تكون موضوعا لأبحاث كهذه ، فمعرفة مصر أمر يهم في الحقيقة كل الأمم المتحضرة” . وقد سجلت منى ابنة الراحل زهير الشايب هذه الشهادة التاريخية في حق بلدنا ، الذي لا يعرفه الكثير منا ، في مقدمة الطبعة العربية الثالثة الصادرة عام 1992. أما عن رؤية الشايب لأهمية مشروع ترجمة كتاب وصف مصرفتنقله ابنته الدكتورة منى الشايب على لسان أبيها : “ترجمتي لوصف مصر هي مواصلة للعمل الإبداعي في شكل ترجمة.. وأنا أستهدف منه مصر والإنسان المصري”.
ومشروع زهير الشايب الفكري شمل ترجمة كُتّبا تاريخية مهمة مثل كتاب “تطور مصر” لمارسيل كولومب، وكتاب “فصول من التاريخ الاجتماعي للقاهرة العثمانية” لأندريه ريمون قبل أن يبدأ مشروعه الطموح في ترجمة “وصف مصر “.