“مصر مجتمع النصف في المئة” هذا هو وصف السفارة الأمريكية في مصر عام 1950 في دراساتها عن أحوال وظروف المجتمع المصري السياسي والاقتصادي والاجتماعي قبل بزوغ فجر ثورة يوليو المجيدة 1952.
لقد صدق أحد المؤرخين الأجانب عندما قال واصفاً واقع مصر قبل الثورة: “مصر بقرة حلوب لبنها وخيرها ليس لأبناء مصر”.
بالوثائق والحقائق التاريخية الموثوق بها كانت مصر قبل الثورة. بخيراتها للاستعمار البريطاني. وللأجانب ولحفنة من الباشوات من أصول غير مصرية والأبناء والأحفاد. والأمراء من سلالة محمد علي الذي حكم مصر عام 1805 وبعد أن استتب له الحكم فور مذبحة القلعة التي قضي فيها علي المماليك. ونفي عمر مكرم نقيب الأشراف الى دمياط الذي ساعده في تقلد حكم مصر أخذ محمد علي يوزع أراضي مصر علي أتباعه والشماشرجية ومن يعملون في قصوره ومزارعه فامتلك الواحد من هؤلاء مئات وآلاف الأفدنة.
وقد ذكر لكاتب هذه السطور ــ أستاذ جامعي فاضل ــ لا أفصح عن اسمه لأني لم أستأذنه في الإعلان عن ذلك.
قال لى هذا الاستاذ الجامعي إن أصول جده تركية وكان من أنصار محمد علي الذي قال له: اركب حصانك وأسرع به وحيثما يقف حصانك وبعد لهاثه في الجري والسرعة ستكون أرضك!!.
ليت الأجيال الشابة تقرأ كتابات المؤرخ الدكتور علي بركات عن الفلاح المصري وكيف انتزعت أرضه لتكون ملكاً للإقطاعيين والأجانب منذ عهد محمد علي حتي قيام ثورة 1952.
ولا ننسي كتاب “الفلاح” لإبراهيم عامر في دراسة عميقة عن أحوال الفلاحين المصريين. لا ننسي ما سجله الدكتور حسن خليل حسن استاذ الاقتصاد السياسي في سيرته الذاتية فيذكر في الجزء الأول منها بعنون “الوسية” ومن لا يمكنه قراءتها فعليه أن يشاهدها في مسلسل تليفزيوني باسم “الوسية” ايضا كي يعرف معاناة وبشاعة حياة معظم الفلاحين المصريين قبل الثورة.
و”الوسية” كان تعبير الفلاحين المصريين قبل ثورة 1952 علي الأرض الزراعية الشاسعة التي يمتلكها الإقطاعيون من المصريين والأجانب كان الكثير منهم يعامل هؤلاء الفلاحين المصريين معاملة العبيد!!
نعود إلي الدكتور خليل حسن الذي يقول في “الوسية” مصوراً حال مصر والظلم والاستبداد قبل 1952: “ظلت مأساة الأرض تعترك في وجداني نيفاً وعشرين عاماً. فقد خصصت لها فصلاً من فصول رسالتي للدكتوراة وجدت أن البنوك الأجنبية: الإنجليزية والفرنسية واليونانية والبلجيكية قد نزعت ملكية نحو مليون ونصف المليون من الأرض الوطنية التي عجزت عن سداد الفوائد الربوية الفاحشة.
وما كان لحكومة يرأسها صدقي باشا. ودولة يعتليها الملك. ويخرج من جنباتها الإنجليز أن تحمي الملاك الوطنيين كان صدقي يمثل الرأسمالية المصرية التي تمثل مع الملك والإنجليز تحالفاً مقدساً مهمته استغلال مصر كمزرعة كبري”.
أحيل ــ ايضا ــ الأجيال الشابة كي تعرف الحقائق الساطعة التي حاول أعداء ثورة يوليو طمسها وتزييفها وتزويرها أحيلهم إلي قراءة دراسة الكاتب الكبير محمد يوسف عن ثورات الفلاحين في “بهوت” التابعة لمحافظة الدقهلية “ضد ظلم واستعباد البدراوي باشا عاشور فأحاطوا قصره غاضبين محتجين ثائرين فقتل منهم المئات. ايضا هناك ثورة الفلاحين في “كمشيش” بالمنوفية ضد عائلة “الفقي” الإقطاعية. ايضا ثورة الفلاحين ضد “عدلي باشا لملوم” في المنيا.
تلك بعض ثورات الفلاحين المصريين ضد الظلم والاستعباد قبل ثورة 1952 وللحديث بقية إن شاء الله.