بادرني أحد الاصدقاء الأعزاء بالقول : ” جزاكم الله خيرا على تذكيرنا برموزنا الفكرية والعلمية والأدبية .. ولكن يظل التساؤل ، كيف نستفيد بثمرة عقولهم في حل الأزمات التي تواجهنا ، حتى لا تكون الكتابات الجادة لك ولأمثالك مجرد محاولة للهروب من ضيق الحاضر إلى سعة الماضي “. توقفت عند هذا التساؤل الخطير طويلا لأنه يكشف عن السبب الحقيقي لأزماتنا الحالية، ويوضح ذلك أحد رموزنا العلمية المخلصين وهو العالم المصري العالمي الدكتور على مصطفى مشرفه بمقولته القيمة :” أن نبوغ مجموعة كبيرة من مواطني مجتمع ما كفيل بقيام حضارة مع وجود العوامل الأخرى المساعدة في قيام الحضارة، لكن اهتمام هذه المجموعة ببناء جيل يكمل بعدها المسيرة كفيل باستمرار حضارة تلك الشعوب، لكن إن لم تهتم هذه المجموعة ببناء جيل جديد سوف تنتهي تلك الحضارة، وتزول بمرور الأيام”. فهل تمكنا من بناء جيل يتلقف التراث الفكري لهؤلاء الرموز وتطويره لاستكمال المسار الحضاري ؟!.
الواقع الذي نعيشه يؤكد أننا لم نعمل بتلك الحكمة التي قالها الدكتور على مشرفة، بل إن القائمين على الأمر تجاهلوا مشاريع تساهم في تقوية الأمة ونهضتها . من أهمها دعوته لدراسة الذرة بصفته أحد العلماء القلائل على مستوى العالم الذين كانوا يملكون أسرار تفتيت الذرة في ذلك الوقت ، وسجل نظريته الذرية في كتابه ( الذرة والقنابل الذرية ) عام 1945 وكان يقول: “إن الحكومة التي تهمل دراسة الذرة إنما تهمل الدفاع عن وطنها”. كانت دعوته هذه قبل قيام اسرائيل بأكثر من 3 سنوات وكأنه كان يستشعر الخطر النووي الاسرائيلي حيث اهتمت اسرائيل بالسلاح الذري في عام 1950 اي بعد قيامها بعامين فقط حتى اصبحت حاليا سادس اقوى دولة نووية في العالم . ونسعى حاليا للاهتمام بالطاقة النووية بعد أن أهملنا دعوة مشرفة طوال أكثر من 70 عاما.
وكان الدكتورمشرفة من أوائل العلماء الذين اهتموا بثرواتنا المعدنية، وأول من أكد وجود اليورانيوم، وهو المعدن الأساسي لأي نشاط نووي ، فى صحرائنا المصرية ، وكان يقول :”الصحراء المصدر الثاني بعد النيل لثرواتنا القومية ، متى نعنى بهذه الثروة المعدنية المبعثرة في صحارينا ؟. ولا يزال التساؤل الذي طرحه العالم العبقري مطرحا حتى بعد رحيله بحوالي 73 عاما فقد رحل عن عالمنا 15 يناير عام 1950 وكان عمره 52 عاما .
وأهملنا أيضا دعوته لتعريب دراسة العلوم ، فهو أول من حول الدراسة في الرياضة البحتية باللغة العربية، وصنف قاموسًا لمفردات الكلمات العلمية من الإنجليزية إلى العربية .
ويقول الباحث ياسر الغبيري أن مشرفه عندما تولى عمادة كلية العلوم جامعة القاهرة اتجه إلى ترجمة المراجع العلمية إلى العربية ، فأنشأ قسمًا للترجمة في الكلية، شجع البحث العلمي ، وقام بتأسيس الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والطبيعية والمجمع المصري للثقافة العلمية، كما اهتم أيضًا بالتراث العلمي العربي . وكان يقول: “لا يزدهر حاضر أمة تهمل دراسة ماضيها، وأنه لا بد من الوقوف عند نوابغ الإسلام والعرب، ونكون أدرى الناس بها”. وانطلاقا من معتقداته الأصيلة ساهم في إحياء الكتب القديمة وإظهارها للقارئ العربي مثل: كتاب الخوارزمي في الجبر والفارابي في الطب والحسن ابن الهيثم في الرياضة.
يظل التساؤل مطروحا متى وكيف نستفيد من ثمار عقول العلماء الراحلين أوالذين لا يزالوا على قيد الحياة؟. ارجو ان تشاركوني الإجابة لنشرها الأسبوع القادم .