الاخبارية – عادل يحيى
ربما لم يكن المصري محمد صلاح الوحيد الذي تعرّض لاعتداءات عنصرية من خلال بعض الهتافات التي تصفه بالإرهابي، ليس لجرم جناه وإنما لكونه “مسلما”. والواقع أن هذا الحادث يأتي في سلسلة يومية من المعاناة التي يتعرض لها كثير من المسلمين في المجتمعات الغربية، تلك المجتمعات التي طالما تغنت وسائل إعلامها أنها مع حرية الرأي والتعبير، وهي الأحداث التي يتابعها مرصد الأزهر بشكل يومي ويتعرض لها بالتحليل ويبين خطرها على عملية التعايش داخل المجتمعات.
في هذا الصدد، يستنكر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بشدة الهتافاتِ العنصرية التي أطلقها بعض مشجعي نادي “تشيلسي”، مساء أمس الخميس، ضدَّ الدولي المصري محمد صلاح، نجم نادي “ليفربول”، قبل لقاء الفريقين المرتقب في الدوري الإنجليزي، وذلك على خلفية أن اللاعب عربي “مسلم”.
يؤكد المرصد أن تلك التجاوزات عنصرية مقيتة ومؤشر خطير يدلل على أن الممارسات المتطرفة لا تقف عند حدِّ كراهية المسلمين في الشوارع أو الاعتداء على دور عبادتهم، بل وصل صداها إلى ملاعب الكرة، مشددًا على رفضه ثقافة الكراهية التي صدَّرتها بعض وسائل الإعلام الغربية ونجم عنها أحداث إرهابية ضد المسلمين.
يشيد المرصد ببيان نادي “ليفربول” الذي يلعب له النجم المصري محمد صلاح، حيث وصف الهتافات بأنها تمييزية وجريمة كراهية، كما يشير المرصد إلى أن الإساءات التي طالت “صلاح” لم تكن الأولى من نوعها، إذ إنه تعرَّض لفعل مماثل من قبل أحد مشجعي نادي “وست هام يونايتد” الإنجليزي قبل شهرين. ويلفت المرصد إلى أن العالم أجمع قد شاهد في الآونة الأخيرة الأخلاق الحميدة والمواقف الإنسانية التي قدَّمها صلاح، معتبرًا أن تصحيح صورة الإسلام المغلوطة عمادها الأساسي هو المعاملة الحسنة والخلق القويم.
يوضح المرصد أن الاعتداء على الآخر بالقول أو الفعل أمر غير مقبول ترفضه كافة الأعراف والديانات التي كرمت الإنسان بغضِّ النظر عن دينه أو جنسه أو لونه، داعيًا مجتمعات العالم إلى نشر ثقافة الحوار وقبول الآخر، التي جسَّدها الأزهر الشريف وحاضرة الفاتيكان في وثيقة “الأخوة الإنسانية”؛ لنشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام.
كان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف قد رصد ردود فعل الصحافة العالمية على تلك الهتافات البغيضة التي وصفت المصري محمد صلاح بأنه “إرهابي مفجِّر”، فعلى صعيد الصحافة الناطقة بالإنجليزية، نشرت صحيفة “ذي إندبندنت” البريطانية بيانَ نادي “ليفربول” الذي أكد أن الهتافات ضد “صلاح” تُعدُّ أمرًا خطيرًا ومزعجًا، وطالب “باتخاذ إجراء في حق مشجعي نادي تشيلسي المتهمين في هذه الواقعة”.
ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية عبر موقعها الإلكتروني، أن مشجعي تشيلسي الثلاثة تم منعهم من دخول ملعب “إيدن” التابع لفريق “سلافيا براغ” عقب هتافاتهم العنصرية. ونقلت الصحيفة ما ذكره نادي “تشيلسي” بشأن الحادث، حيث أكد النادي رفضه لأي سلوك عنصري، موضحًا أنه سيتخذ الإجراءات الصارمة في حق المتورطين في هذا الحادث. من جهته أشار موقع “بي بي سي” البريطاني إلى أنه تمَّ التعرف على ثلاثة من الأشخاص الذين ظهروا في مقطع الفيديو، وأن نادي تشيلسي يعمل على التعرف على الثلاثة الآخرين، لافتًا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها صلاح لهتافات عنصرية.
قد نقلت صحيفة “The Sun” ما كتبه بعض مشجعي نادي “تشيلسي” عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، حيث غرَّد أحدهم: “هذا أمر مثير للاشمئزاز، ويجب على تشيلسي التعامل معه، فهؤلاء لا يمثلون المشجعين الحقيقيين للنادي”. وكتب مشجع آخر: “ليس كل المشجعين كهؤلاء، على الرغم من أن جميع الفرق لديها مشجعون بهذه العقلية، فأنا مشجع لنادي تشيلسي ولكنّي لست مثلهم، لذا لا تساووا بين جميع المشجعين الطبيعيين وبين هؤلاء”.
على صعيد الصحافة الفرنسية، فقد عَنْون موقع “لوباريزيان” الفرنسي: “لا يزال جماهير تشيلسي يكررون الأغاني العنصرية”، وقال الموقع إنه تمَّ تصوير عدد من المشجعين الإنجليز في إحدى الحانات وهم يتغنَّون بأوصاف عنصرية ضد محمد صلاح، لاعب نادي “ليفربول” وذلك على هامش مباراة الدوري الأوروبي بين “سلافيا براغ” و”تشيلسي”، مساء الخميس في العاصمة التشيكية.
من جهته أشار موقع “minutes 20” إلى أنه سادات حالة من الغضب في أوساط فريقي “تشيلسي” و”ليفربول” إزاء الفيديو الذي تم تناوله على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يظهر فيه بعض من مشجعي نادي “تشيلسي” وهم يصفون اللاعب محمد صلاح بأنه “مفخخ قنابل”. وأورد الموقع ما ذكره بيان نادي “تشيلسي” الذي أوضح أنه “يرى أي شكل من أشكال السلوك التمييزي هو أمر خطير ومروع” وأنه “سوف يتخذ أشد التدابير ضد أي شخص مسؤول عن مثل هذا السلوك…”.
أمَّا على صعيد الصحافة الناطقة بالإسبانية، فقد تناولت صحيفة “الإسبانيول” الحادثَ تحت عنوان: “فضيحة في إنجلترا.. هتافات عنصرية ضد محمد صلاح ووصفه بالإرهابي”، وأوضحت الصحيفة أن مجموعة من مشجعي نادي تشيلسي الإنجليزي قد رددت هتافات عنصرية في شكل غنائي ضد المصري المسلم، لاعب نادي “ليفربول” الإنجليزي، حملت عبارات مثل: “صلاح المفجر” و”المفخخ”.
من جهتها أوضحت صحيفة “برنسا ليبري” الجواتيمالية أنه “قد انتشر فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لمجموعة من مشجعي نادي تشيلسي في حانة يرددون هتافَ: “صلاح يضع القنابل”. وذكرت الصحيفة أنه قد توصل فريق الأمن التابع لنادي “تشيلسي” إلى تحديد هوية المشجعين المتورطين في الاعتداء اللفظي ضد اللاعب عبر شريط فيديو، الذي نُشر عبر “تويتر”.
أشارت صحيفة “ريبوبليكا” الدومينيكانية إلى الهتافات العنصرية تحت عنوان: “حالة من الغضب في كرة القدم الإنجليزية بسبب الهتاف العنصرية ضد صلاح بسبب وصفه بـ (الإرهابي)”، حيث سردت الصحيفة تفاصيل الواقعة، مشيرة إلى التصريحات التي أدلى بها مهاجم تشيلسي الفرنسي “أوليفييه جيرود” الذي أكد خلالها مؤازرته للاعب المصري، وأن الفريق بأكمله شعر بالاشمئزاز من هذا الفيديو، وأضاف: “هؤلاء الأشخاص لا ينتمون إلى النادي، سلوكياتهم مرفوضة تماما من إدارة النادي ومن اللاعبين جميعا”.
سلط عدد من الصحف الألمانية الضوءَ على الهتافات العنصرية المُسيئة للاعب المصري محمد صلاح، حيث عنونت صحيفة “دي فيلت”: “جماهير نادي تشيلسي تطلق هتافات عنصرية ضد م صلاح وتصفه بالانتحاري”، بينما عنون “فوسبال ترانسبورت”: “رسائل عنصرية ضد صلاح”، وجاء عنوان “فرنكفورتر ألجماينا تسايتونج” كالتالي: “مشجعو تشيلسي يهينون محمد صلاح”.
يلفت مرصد الأزهر إلى أنه في أبريل من العام الماضي 2018 كان قد أصدر بيانًا أكد فيه أن الأخلاق الحميدة من أنجح الوسائل فى تصحيح المفاهيم، ولا يقتصرُ السلوك القويم على رجل دين، بل يمكن أن يصدر من أى شخص آخر وقد شاهد العالمُ كلُّه فى الآونة الأخيرة النجاح الكروى الذى حقَّقَهُ اللاعب المصرى “محمد صلاح”، شافعًا هذا التقدم بالأخلاق الكريمة والإنسانية المحضة. آنذاك ومنذ عام، كانت ولا تزال الجماهير تتغنى باسم محمد صلاح، بل وصل الأمر إلى أن العديد من مشجعيه كان يردد العبارة التالية: “لو أحرز أهدافا أكثر، فلسوف أنتمي إلى الإسلام، وفي المسجد أجلس، فهذا هو المكان الذي أحب أن أكون فيه”، ألا يعد ذلك من المفارقات؟
إذن ماذا حدث؟ ولماذا تحول الأمر إلى النقيض؟! لا شك أن العديد من وسائل الآلة الإعلامية الغربية التي تُصدر خطاب الكراهية -الذي حذّر منه المرصد مرارًا وتكرارًا- قد تمكنت من نفوس الكثيرين. ويطالب مرصد الأزهر بضرورة المواجهة الحازمة لكافة أشكال الكراهية والتمييز التي انتقلت من الشارع إلى المدرجات.