بعد يوم طويل من العمل في المكتب تشعر باستنفاد طاقتك، وقد تتغلب عليك الرغبة في مشاهدة التلفزيون وتناول الوجبات الجاهزة. ورغم أنك كنت جالسًا طوال اليوم، فإنك تشعر بالتعب كمن يعملون في وظائف بدنية؟
بذل الجهد في العمل يصبح أكثر إرهاقًا عند اقتراب موعد العودة للمنزل. والأسوأ من ذلك أنك قد تبدو متوترًا، وربما تتخذ قرارات متهورة في نهاية يوم طويل، لكنك غالبًا ما تتجاوز مثل هذه التصرفات.
في دراسة حديثة على أدمغة الأشخاص في أوقات مختلفة من يوم العمل تبين أن المهام التي تتطلب الكثير من الجهد والتي تحتاج تركيزًا كثيفًا ومستمرًا يمكن أن تؤدي إلى تراكم مادة كيميائية سامة تسمى الجلوتامات، وهي تستخدم لنقل الإشارات بين الخلايا العصبية، لكن تراكم كميات كبيرة من الجلوتامات يتسبب في تغير أداء المنطقة المسؤولة عن التخطيط واتخاذ القرار بالمخ.
مرة أخرى يظهر العلم أن الإرهاق الذهني له تأثيرات حقيقية. هناك دراسات عديدة تظهر أن قرارات المحكمة يمكن أن تعتمد على مدى إرهاق القاضي. بعد يوم طويل في المحكمة، من المرجح أن يرفض القضاة الإفراج المشروط. كذلك من المرجح أن يصف الأطباء مضادات حيوية غير ضرورية في نهاية جلسة سريرية متعبة.
بحثت الدراسة الجديدة، التي أجراها معهد باريس لدراسات المخ Paris Brain Institute، عما إذا كانت الوظائف المعرفية، كالتركيز والذاكرة وتعدد المهام وحل المشكلات يمكن أن تسبب إجهادًا لمنطقة الفص الجبهي الجانبي في المخ، مما يؤثر على قراراتنا.
المعروف أن الدماغ هو مركز القيادة في الجسم، وينظم الدورة الدموية، والتنفس، والوظائف الحركية والجهاز العصبي. ينسق الدماغ هذه الأنشطة باستخدام كمية كبيرة من الطاقة.
تقوم الخلايا العصبية بتكسير العناصر الغذائية لإطلاق الطاقة. في هذه العملية تتراكم النواتج الثانوية الضارة المعروفة باسم المستقلبات. والجلوتامات هي نوع من المستقلبات. ويزيل المخ هذه النفايات السامة أثناء النوم.
توصل الباحثون إلى أن المهام المعرفية المطولة تستنفد إمداد الدماغ بالمغذيات. كذلك اختبروا ما إذا كانت زيادة التركيز الفكري تؤدي إلى زيادة تركيز المواد السامة.
تحتوي أدمغتنا على العديد من المناطق التي تنشط خلال المهام المختلفة، مثل الرؤية والتحدث والسمع والتخطيط. وبالنظر إلى التفاعلات عبر الجسم بأكمله، اقترحت دراسة أمريكية أجريت عام 2006 أن المعلومات الجديدة قد تتم معالجتها بشكل أفضل في حالة الجوع. لكن الجوع يجعل من الصعب تخزين المعلومات المكتسبة حديثًا. أما الشبع يعني أن الوقود متاح لبناء دوائر عصبية لتخزين الذاكرة طويلة المدى.