المعلومة ملك للمواطن، والجهات والمؤسسات عبارة عن أوعية لحفظها وأرشفتها ومتى ما شاء هذا المواطن استردادها كان له ذلك. المواطن العادي بحاجة ماسة إلى المعلومات، لأنها تساعده في فهم الواقع الذي يعيشه، فهي تمكنه – على سبيل المثال لا الحصر- من تقييم أداء الحكومات والمسؤولين وتعزز قدراته التي ستساعده في كشف حالات الفساد وصولا إلى التقليل من وجوده في مؤسسات الدولة. تؤكد غياب الشفافية عن ابرز الحقوق التي نطالب بها كمواطنين.
أضافة الي ذلك لا يمكن لنا في المنطقة العربية ان نكتفي بالمطالبة بأن تنضم الدول التي ننتمي اليها الي الاتفاقيات الدولية كاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تضمن إقرار قوانين الحق في الوصول الى المعلومات وحماية كاشفي الفساد، بل لا بد من تطبيق مفهوم المساءلة الاجتماعية الذي يحدد أسس العلاقة بين الحكام والمواطنين.
ن الاطلاع على المعلومات التي تحتفظ بها المؤسسات العامة حق من حقوق المواطن، وذلك باعتباره صاحب الشأن في هذه المعلومات، وتهدف ممارسة هذا الحق إلى تعزيز الديمقراطية التشاركية، وضمان مساهمة الجميع في التنمية. ولقد قرر حق المواطن في الوصول للمعلومات في كافة المواثيق الدولية لحقوق الانسان، الأمر الذي دفع بالدول والمنظمات العالمية والإقليمية إلى الاعتراف بهذا الحق، وهو ما دفع بكل الدول المتحضرة إلى تبنيه، وتكريسه في دساتيرها وقوانينها الداخلية. ويستند هذا الحق إلى مبادئ عديدة أهمها مبدأ حدود الكشف الأقصى عن المعلومات، خاصة ما تعلق منها بحقوق الانسان، والبيئة، وغيرها، وكذا مبدأ التضييق من نطاق الاستثناءات التي ترد عليه، وحصرها على وجه الدقة وفق معايير محددة، استجابة لضرورة تستدعي ذلك، بهذا فقط تسود الثقة بين المؤسسات العامة والشعب
من خلال هذا المفهوم يضمن الحكام للمواطنين الشفافية في العمل عبر اضطلاعهم الدوري على المعلومات الإدارية والمالية التي بحوزتهها من خلال اقرار قوانين الحق في الوصول الى المعلومات واستشارة المواطنين الدائمة قبل اتخاذ القرارات المصيرية التي تؤثر على حياتهم اليومية من خلال اجتماعات دورية دائمة يحدد أطارها الزماني والمكاني بالإتفاق مع المواطنين.
بالمقابل يقوم المواطنون بأداء واجباتهم من خلال المشاركة بالاجتماعات ودفع الضرائب المتوجبة عليهم مما يساعدهم على محاسبة المسؤولين على أعمالهم من أجل تفعيل أطر الحكم الصالح.
فالانضمام الي الاتفاقيات هو امر أساسي غير أنه غير كافٍ لمكافحة الفساد كما ذكرنا سابقاً. فجميع الدول العربية صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ما عدا عمان والسودان وسوريا والصومال وجزر القمر بالإضافة الي فلسطين التي لا يمكنها الانضمام الي الاتفاقية
وأنشأت هيئات مكافحة الفساد الوطنية غير أن الأساس يبقى من خلال ضمان حق الوصول الي المعلومات عبر القوانين بحيث أنه حتى الأن لم تقر سوى ثلاث دول عربية هذه القوانين وهي الأردن، تونس واليمن، ودولتان افرت هذا الحق وفق دستورها وهي المغرب والسودان وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية
من الثابت ان التطور الكبير في الفكر القانوني الحديث الذي يصاغ بنصوص قانونية أو أراء فقهية قد جعل للحقوق المدنية والسياسية منزلة راقية في المنظومة القانونية الوطنية والدولية، تلك الحقوق الأصيلة التي تثبت منذ والدة الأنسان وقد تثبت له عند تكونه جنينا، وهي بالتأكيد غير قابلة للتنازل أو الاستلال من الحكام بأي شكل من الأشكال.
ان تطور المفاهيم القانونية والفكر السياسي الدستوري جعل للحاكم والإدارات الحكومية وظيفة، حيث ان الحاكم وكيل عن المجتمع مادام الشعب مصدر السلطات وبالتالي فان السلطات العامة ما داري موكل له أداء وظائف خاصة هي الجهاز سياسي و بالشأن العام. فهل من حق الوكيل إخفاء المعلومات و البيانات و الملفات المتعلقة برسم سياسات البلد او وزارة او مؤسسة معينة عن الأصيل الذي هو الشعب؟ من المؤكد ان ذلك غير مبرر دستوريا او قانونيا فالدستور العراقي ينص في المادة )5( منه ان “السيادة للقانون، و الشعب مصدر السلطات وشرعيتها”. وقد أورد الإعلان العالمي لحقوق الأنسان المقر سنة 8491 والذي يعتبر دستور حقوق الأنسان في المادة )84( منه هذا الحق مبكرا حيث نصت على حق الأفراد في “استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وأذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية”.
ان هذه المادة تشير الي حق الحصول على المعلومات والمرتبط ارتباطاً وثيقاً بحق التعبير عن الرأي، اذا ان اعتناق رأي معين أو فكر ما إزاء أي موضوع والتعبير عنه، المعرفة يتطلب ابتداء الحقيقية بالحيثيات والمعلومات الوافية عن هذا الآمر ليصل الفرد الي تكوين رأي شخصي وبالتالي اعتناقه والتعبير عنه. فهذا الحق هو الممهد لحق التعبير عن الرأي، بل هو الأساس وركيزة مهمة للتعبير عن الرأي.
تكتسي الحملات الواسعة أهمية أيضاً في نشر التوعية العامة بشأن القانون وتأثيره على الحياة اليومية للمواطنين. يتيح القانون فرصة، إنما يقع على عاتق المواطنين أن يمارسوا حقوقهم من أجل ضمان المساواة في سياسات توفير الخدمات. وعلى المنظمات الأهلية أن تؤدّي دوراً فعالاً في هذا المجال.
يحظى الحق في تداول المعلومات بأهمية كبيرة لدى كافة المواطنين بمختلف توجهاتهم ومتطلباتهم، لارتباط مصالحهم بشكل أساسي بالمعلومات وكيفية الحصول عليها. وتتنوع هذه الفئات التي يتأثر عملها ونشاطها بالحق في تداول المعلومات، حيث يهم المستثمرين أن تتاح لهم كافة المعلومات الاقتصادية، ويهم الباحثين الحصول على وثائق وإحصاءات رسمية في نطاق نشاطهم البحثي.
وفي حال عدم إتاحة المعلومات الرسمية، يكون القضاء ملاذًا أخيرًا لكي ينفذ النص الدستوري الخاص بحرية تداول المعلومات. ولا شك أن تعطيل إصدار قانون تداول المعلومات يؤثر سلبًا على نظر القضاء المصري في هذه القضايا، وهذا ما تناقشه هذه الورقة في ضوء التطور الدستوري لحماية الحق في المعلومات والقصور التشريعي المتعلق بغياب قانون تداول المعلومات.
وحيث ألزم الدستور المصري المشرع بإصدار قانون ينظم هذا الحق، فقد أضحى ضروريًّا إصدار قانون شامل للحق في تداول المعلومات.
وقد ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى تقرير الحق في الحصول على المعلومات رغم عدم وجود نص دستوري أو قانوني حيث قضت: “فإن المستقر عليه أن الحق في الاتصال بوصفه حاجة إنسانية أساسية وأساسًا لكل مواطن اجتماعي، يثبت الحق فيه للأفراد، كما يثبت للمجتمعات التي تتكون منهم، وهو حق لا يقوم إلا بأدواته المحققة له، وهو يعني حق الانتفاع والمشاركة لجميع الأفراد والجماعات والتنظيمات، مهما كان مستواها الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي، وبغض النظر عن الجنس أو اللغة أو الدين أو الموقع الجغرافي في الانتفاع بوسائل وخدمات الاتصال وموارد المعلومات على نحو متوازن، وتحقيق أكبر قدر من المشاركة العامة في العملية الاتصالية، بحيث لا يقتصر دور الأفراد والفئات الاجتماعية المختلفة على مجرد التلقي للوسائل الإعلامية أو خدمات الاتصال والإنترنت، بل يمتد ليتحول إلى المشاركة الإيجابية، فضلًا عن ما يترتب على حق الاتصال من حق للفرد في الحصول على المعلومات والمعارف والاطلاع على تجارب الآخرين، وحقه في التعبير وإيصال الحقيقة للآخرين والاتصال بهم ومناقشتهم، والتأثير في القيادات الاجتماعية والسياسية بما يخدم الفرد والجماعة، وبالتالي متى تعلقت المنازعة بهذا الحق كانت (المواطنة) مناط الصفة والمصلحة وأساسها”.
(الطعن رقم 21855 لسنة 65 قضائية بتاريخ 28/5/2011)