أذهلتنى فكرة الطبق الدوار فى رمضان وغيره وهو نوع من التكافل الاجتماعى في الريف المصرى، كانت السيدات تحرصن عليه، لمشاركة الجيران والأهل طعامهن المتاح من الخير، ليشبع الفقير والمحتاج، وحسب كلام سيدة : (زمان مكنش فيه حد بيجوع) كان الطبق ، يكفى الكل ويفيض، ولا تلقى لقمة زائدة، (ولقمة هنية تكفى مية) لذلك لم تكن هناك مشكلات كبيرة بتعاونهم. يتساندون فى الظروف الصعبة فى المرض والعلاج والوفاة ..رأيت فى هذه العادة الريفية التى تنقرض، مفتاحا لحل مشكلات الفقراء بالجهد الذاتى، ورثوها عن أجدادهم، فإن من لديه ماشية (حلابة )، يرسل 3 كيلو جرام حليب صباح كل خميس للفقراء المجاورين ممن ليس لديهم مصدر للبن. ليسد ثغرة فى حياة المحتاجين، ويخرج الفلاح كمية من حصاده للفقراء قبل أن ينقله لمنزله. كما يسهمون فى زواج الفتيات الفقيرات واليتيمات، وفى عادات الزواج تكون التكاليف حسب إمكانات الطرفين، فالعريس لا يتكلف فوق طاقته، مع إعطاء ضمانات حقوق العروس، وفى حالات الوفاة يبادر أهل القرية بخروج صوانى الأطعمة كل حسب طاقته ، للقادمين للعزاء، كل حسب طاقته، لأن المعزين غالبا مغتربون، وإذا كان الجار يبنى منزله يبادر جيرانه بإخراج الصوانى لغذاء العمال، لأن ظروفه قد لا تسمح. ..إنها أخلاق القرية المصرية التى يحب أن نوقظها وهى تكافل اجتماعى يكفى الإنسان شرور البلاء والانحرافات والفقر والقروض التى قسمت ظهرنا، وفى حالات المرض أو انتكاس أسرة يقف كل فرد بجهده للمساعدة، ولا فرق فى أى مستوى مادى أو اجتماعى بينهم، فالقرية موطن أمان للإنسان بكبارها وحكمائها، فضلا عن أنها على مدى قرون اكتفت غذائيا وتغذى المدن المجاورة.. نحتاج تأصيل إحياء أخلاق وحياة القرية فى حياتنا بالمدينة أيضا، وتحقبق الاكتفاء الذاتى فى غذائنا، لعل هيئات القرى والجمعيات الخيرية والاقتصادية تتبنى الفكرة، ببعث روح القرية المصرية الأصيلة فى حياتنا.